تامل من مراثي أرمياء 3
+ القمص تادرس يعقوب

تامل من مراثي أرمياء 3

رجاء مشرق وسط الظلمة

آلام السيد المسيح جزء 3

مَيَّلَ طُرُقِي وَمَزَّقَنِي.جَعَلَنِي خَرَابًا .

بقوله: “ميَّل طرقي” يعني أنه يبدو كمن بدد كل مشوراته وخططه. كمن يجعله ينحرف في طرق خطرة، فيتعرض للوحوش المفترسة.

يا للعجب ذاك القدوس الذي بلا لوم في تواضعه سمح للأشرار أن يتهموه بأن طرقه ملتوية وشريرة، ومختل (مر 3: 21)، بل وحسبوه بعلزبول رئيس الشياطين (لو 11: 15). أية صورة أبشع من هذه؟

اِحتمل كل هذه الأمور لكي نسلك على إثر خطواته، ونحتمل هذه السخريات التي تقلق أكثر من أي توبيخ. ++ القديس يوحنا الذهبي الفم

مَدَّ قَوْسَهُ وَنَصَبَنِي كَغَرَضٍ لِلسَّهْمِ .

خلال الحب الحقيقي بمسرته قَبِلَ السيد المسيح الصليب كسهمٍ، يُجرح به من أجل أحبائه. وفي نفس الوقت يخترق المصلوب قلوبنا فتتمتع بجراحات الحب الإلهي الشافية. تناجيه النفس البشرية، قائلة: “أنْعشوني بالتّفّاح، فإنّي مجروحة ٌحبًّا” (نش 2: 5). سرّ جراحات النفس بالحب، كما يقول العلامة أوريجينوس، هو المسيح نفسه، الذي هو كلمة الله الحيّ الفعّال، الأمضى من سيف ذي حدين، يدخل إلى أعماق النفس ويجرحها بالحب الإلهي.

إن التهب أحد ما في أي وقت بالحب الصادق لكلمة الله، إن تَقّبل أحد الجراحات الحلوة لهذا “السهم المختار” كما يسميه النبي، إن كان قد جُرح أحد برمح معرفته المستحقة كل حبٍ حتى أنه يحن ويشتاق إليه ليلًا ونهارًا، فلا يقدر أن يتحدث إلاَّ عنه، ولا ينصت إلاَّ إليه، ولا يفكر إلاَّ فيه، ولا يميل إلى أية رغبة أو يترجى سواه. متى صار الأمر هكذا تقول النفس بحق: “إنيّ مجروحة حبًا”. إنها تتقبل جرحها من ذاك الذي تقول عنه: “جعلني سهمًا مختارًا، وفي جعبته يخفيني” (إش ٤٩: ٢).

يليق بالله أن يضرب نفوسنا بجرحٍ كهذا، يجرحها بمثل هذه السهام والرماح، يضربها بمثل هذه الجراحات الشافية…

مادام الله “محبة”، فإنهم يقولون عن أنفسهم: “إنيّ مجروحة حبًا”. حقًا إنها دراما الحب إذ تقول النفس: إنيّ تقبلت جراحات الحب!

النفس التي تلتهب بالشوق نحو حكمة الله، أي التي تقدر أن تنظر جمال حكمته، تقول بنفس الطريقة: “إنيّ مجروحة بالحكمة”. والنفس التي تتأمل سمو قدرته، وتدهش بقوة كلمته، يمكنها القول: “إنيّ مجروحة بالقدرة”. أظن أن مثل هذه النفس هي بعينها التي قالت: “الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن أجزع؟!” (مز ٢٦).

والنفس التي تلتهب بحب عدالة الله، وتتأمل عدل تدابير عنايته، تقول بحق: “إنيّ مجروحة بالعدل”. والنفس التي تتطلع إلى عظمة صلاحه وحنو محبته تنطق أيضًا بنفس الطريقة. أما الجرح الذي يشمل هذه الأمور جميعها فهو جرح الحب الذي به تعلن العروس: “إنيّ مجروحة حبًا”++ العلامة أوريجينوس

يعلمنا الكتاب المقدس أن الله محبة (١ يو ٤: ٨)، فقد صوب ابنه الوحيد “السهم المختار” (إش ٤٩: ٢) نحو المختارين، غارسًا قمته المثلثة في روح الحياة.

رأس السهم هو الإيمان، الذي يربط ضارب السهم بالمضروبين به، وكأن النفس ترتفع بمصاعد إلهية، فترى في داخلها سهم الحب الحلو يجرحها. متجملة بالجروح…

إنه جرح حسن وألم عذب، به تخترق “الحياة” النفس. إذ بواسطة دموع “السهم” تفتح النفس الباب الذي هو مدخلها. +++ القديس غريغوريوس النيسي

ليت غير الأصحاء يجرحون، فإنهم إذ يجرحون كما يليق يصيرون أصحاء! ++ القديس اغسطينوس

أَدْخَلَ فِي كُلْيَتَيَّ نِبَالَ جُعْبَتِهِ .

يليق بنا أن نفهم الكليتين بمعنى الأفكار العميقة والرغبات الداخلية… أتطلع دومًا إلى الكليتين أنهما تشيران إلى الإدراك الحسِّي والفكر السليم… هذه هي عادة الكتاب المقدس عندما يقصد الإعلان عن أمر سرِّي مخفي وسرائري يقول: “يا فاحص القلب والكلى، يا الله” (راجع مز 7: 10).+++ القديس جيروم

هذا يشير إلى موته على الصليب، لأن الصليب يمس أعماق محبة السيد المسيح لنا، فقد قدم ذاته فدية وخلاصًا عن جراحات حبه الفائق من نحونا.

هل تبحث عن  "الهَيكَلِ" في الأصل اليوناني ἱερός, (معناها مقدس) في الكتاب المقدس

حقًا بالصليب يحملنا روح الله القدوس كما إلى أعماق قلب السيد المسيح -إن صح التعبير- فنتلامس مع الحب الإلهي في أروع صوره، وفي نفس الوقت إذ نحمل المصلوب في أعماقنا ننعم نحن بنبال جعبته فنشتهي أن نصلب معه، وأن نعمل على الدوام من أجل خلاص كل نفس.

صِرْتُ ضُحْكَةً لِكُلِّ شَعْبِي،وَأُغْنِيَةً لَهُمُ الْيَوْمَ كُلَّهُ .

هذه صورة للساخرين بالسيد المسيح من القادة والشعب، بل وحتى من اللصين اللذين كانا عن يمينه ويساره، إذ كانا يعيرانه. يكشف النبي هنا عن السيد المسيح أنه مات موت العار، حيث كان القادة والشعب يهزأون به (مت 27: 39-44).

“عار عند البشر ومحقر الشعب” (مز 22: 6). تواضعي جعلني موضع سخرية البشر، فيستطيعون القول باستخفاف وبروح الإساءة: “أنت تلميذ ذاك” (يو 9: 28)، وهكذا يقودون الغوغاء إلى احتقاره.

“كل الذين يرونني يسهزئون بي” (مز 22: 7). كنت أضحوكة كل من ينظر إليّ.

“يفغرون الشفاه ويُنغِضون الرأس” (مز 22: 7). صمتت قلوبهم، فنطقوا بشفاههم وحدها.++ القديس أغسطينوس

أَشْبَعَنِي مَرَائِرَ،وَأَرْوَانِي أَفْسَنْتِينًا.

في محبته الإلهية الفائقة احتمل كلمة الله المتجسد كل مرارة لكي يلجأ إليه كل مُرّ النفس، فيجد راحة فيه. بالحب صار مسيحنا مُرّ النفس لحسابنا، وبالتوبة نرجع إليه في مرارة نفسٍ من أجل خطايانا، فننعم بعذوبةٍ لا يُعبّر عنها.

تعال، انظر الوليمة التي وضعتها (الأمة اليهودية) أمامه. أحضرت المُر، مزجت الخل، استلت السيف. عوض المن أعطته الخل. عوض المياه المرة التي جعلها لها حلوة، وضعت له المُر في المياه الحلوة.

انظر في المسيح، كم أحتمل من الأثمة؟!

ذاك الجاهل كيف تجاسر وتفل في وجهه!
كيف تجاسرت أيها اللسان أن تنضح بالبصاق…؟!
كيف احتملتِ أيتها الأرض هزء الابن…؟!
نظرة مخوفة، مملوءة دهشًا، أن ينظر الإنسان الشمع قائمًا ويتفل في وجه اللهيب…
وهذه أيضًا من أجل آدم حدثت، لأنه كان مستحقًا البصاق لأنه زل! وعوض العبد قام السيد يقبل الجميع!
قدم وجهه ليستقبل البصاق، لأنه وعد في إشعياء أنه لا يرد وجهه عن احتمال خزي البصاق…!
شفق سيد (آدم) على ضعفه، ودخل هو يقبل الخزي عوضًا عنه.! +++ القديس يعقوب السروجي

ينصت الآب إليك وأنت تتكلم في داخل نفسك، ويسرع لمقابلتك. عندما تكون لا تزال بعيدًا يراك ويركض.
إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك.
“مقابلته لك” هي سبق معرفته، و”احتضانه لك” هو إعلان رحمته، وتعبير عن حبه الأبوي.
يقع على عنقك لكي يقيمك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك.
يقع المسيح على عنقك، لكي يخلص عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهين (مت 11: 30).

يقع على عنقك بقوله: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم” (مت 11: 28).هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب ++ القديس أمبروسيوس

وَجَرَشَ بِالْحَصَى أَسْنَانِي.كَبَسَنِي بِالرَّمَادِ .

هنا تصوير لمرارة الآلام الشديدة غير المُحتملة، وكأن الآب قد سمح له أن يضع له حصى في فمه ليأكله بأسنانه، ورمادًا على رأسه علامة الحزن الشديد على ميتٍ، حتى صار كمن قد فقد كل أملٍ أو رجاءٍ.

احتمل هذا كله، ليقدم لنا كل عذوبة، إذ صار لنا سرّ بهجة وتهليل.

ربنا، ليلبسْ تفكيري محبتك بتمييز، ويصف خبر محاكمتك بمحبة.
بالمحبة فقط يقدر الفم أن يتحدث عنك، لأن المحبة أيضًا سحبتك لتتألم لأجلنا (يو 3: 16).
محبة الآب العظمى هي قتل ابنه، لأنه أحب العالم حتى أنه أسلم وحيده.
كيف أحبنا بحيث أعطى ابنه للموت وخلصنا، لنتكلم إذا عن مخلصنا بنفس تلك المحبة.
للمحبة غصبٌ عظيم حيثما وُجدت، فلا توجد عند مقتنيها قوة أشد منها.
مَن كان يقدر أن يغصب الآب ليسلم ابنه، إلا المحبة التي هي أعظم من الكل كما هو مكتوب (يو 15: 13، 1 كو 13: 13).
بهذه العلامة يقترب الإنسان من الله الذي اقترب أيضًا منا بهذه (المحبة) وصار منا…

هل تبحث عن  يَكُنْيَا ابن يهوياقيم

في ساعة القتل نزلت المراحم إلى المعركة، ولم تنتصر من بين كل المراحم إلا (مراحم) الابن.
انهزم الرؤساء (التلاميذ)، ولم يهرب الراعي من رعيته، ليعرف القطيع بهذا مَن الذي يحبه . ++ القديس يعقوب السروجي

وَقَدْ أَبْعَدْتَ عَنِ السَّلاَمِ نَفْسِي.نَسِيتُ الْخَيْرَ.

من يتطلع إلى الصليب يظن أن الخطة قد وضعت بإحكام ليفقد المصلوب أي رجاء في الإنقاذ، بل وينسى كل سلامٍ قد سبق أن اختبره.

قَبِل السيد المسيح ذلك لكي بصليبه يهب سلامًا لنفوسنا مع أجسادنا خلال مصالحتنا مع الآب وتمتعنا بعطية روحه القدوس، كما صالح الشعب مع الشعوب، والأرض مع السماء، والبشر مع الطغمات السمائية. يقول الرسول بولس: “وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسدٍ واحدٍ، وكونوا شاكرين” (كو 3: 15).

من يطلب السلام يطلب المسيح، لأنه هو سلامنا (كو 1: 20)، الذي يجعل الاثنين واحدًا (أف 2: 14)، صانعًا السلام بدم صليبه سواء على الأرض أو في السماء. ++ القديس باسيليوس الكبير

يكون كمال السلام حيث لا توجد مقاومة. فأبناء الله صانعو سلام، لأنه ينبغي للأبناء أن يتشبَّهوا بأبيهم. إنهم صانعو سلام في داخلهم، إذ يسيطرون على حركات أرواحهم ويخضعونها للصواب، أي للعقل والروح، ويُقمعون شهواتهم الجسديَّة تمامًا.
هكذا يظهر ملكوت الله فيهم، فيكون الإنسان هكذا: كل ما هو سامٍِ وجليل في الإنسان يسيطر بلا مقاومة على العناصر الأخرى الجسدانيَّة…
هذا وينبغي أن يخضع ذلك العنصر السامي لما هو أفضل أيضًا، ألا وهو “الحق” ابن الله المولود، إذ لا يستطيع الإنسان السيطرة على الأشياء الدنيا، ما لم تَخضع ذاته لمن هو أعظم منها.
هذا هو السلام الذي يعطي الإرادة الصالحة، هذه هي حياة الإنسان الحكيم صانع السلام! +++ القديس أغسطينوس

وَقُلْتُ: بَادَتْ ثِقَتِي وَرَجَائِي مِنَ الرَّبِّ.

كل من يتطلع إلى المسيح أثناء صلبه يظن كمن صار بلا رجاء، غير أنه بصليبه فتح لنا نحن الخطاة باب الرجاء، بل صار هو نفسه رجاءنا.

بكونه إنسانًا يتكلم حاملًا مخاوفي، فإننا إذ نكون في وسط المخاطر نظن أن الله قد تركنا. لهذا كإنسان اكتأب، وكإنسان بكى، وكإنسان صُلب . ++ القديس أمبروسيوس

لا تسقط في اليأس بسبب عثراتك. لست أقصد أنه يلزمك ألاَّ تشعر بالألم بسببها، وإنما يلزمك ألاَّ تحسبها غير قابلة للشفاء.
فإنه من الأفضل أن تكون جريحًا عن أن تكون ميتًا.
يوجد بالحق الشافي، ذاك الذي طلب على الصليب الرحمة لصالبيه، الذي غفر للقتلة عندما عُلق على الصليب.
جاء المسيح من أجل الخطاة ليشفي منكسري القلوب، ويضمد جراحاتهم. يقول: روح الرب عليَّ، لهذا مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأشفي منكسري القلوب، لأعتق المسبيين، لأُفتح أعين العميان (لو 4: 18)، ليقوي المتعبين بالغفران.

ويقول الرسول في رسالته: “جاء يسوع المسيح إلى العالم ليخلص الخطاة” (1تي 1: 15). ويشهد ربه أيضًا: “لم آت لأدعو أبرارًا، لأنه لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى” (مر 2: 17) ++القدِّيس مار اسحق السرياني

ذِكْرُ مَذَلَّتِي وَتَيَهَانِي أَفْسَنْتِينٌ وَعَلْقَمٌ .

مجرد محاولة تصوير ما حلّ به يحمل ذلك نوعًا من المرارة كالأفسنتين والعلقم، بل وتنهار النفس وتنحني (مز 137: 1، 5).

بالتأكيد أخذ مرارة حياتنا في جسم بشريته ++القديس أمبروسيوس

ذِكْرًا تَذْكُرُ نَفْسِي،وَتَنْحَنِي فِيَّ.

أخطر عدو للنفس البشرية هو اليأس، وللأسف إذ يتذكر البعض تأديبات الرب لهم، عوض التأمل في محبته، يحل بهم اليأس من خلاصهم. إذ يتطلع الناس إلى المصلوب يظنون كأنه قد سقط في اليأس، وأحنى رأسه على الصليب كما في التراب أو القبر. هذا الفكر يُفسد نظرة البعض إلى الصليب، أما الرسول بولس فيرى في الصليب “قوة الله للخلاص” (1 كو 1: 18).

هل تبحث عن  رجاء لايرى

لا تخجل من صليب مخلصنا بل بالأحرى افتخر به. لأن “كلمة الصليب عند اليهود عثرة، وعند الأمم جهالة”، أما بالنسبة لنا فخلاص (1 كو 2:1، 3). إنه عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله (1 كو 18:1،23). لأنه كما سبق أن قلت إنه لم يكن إنسانًا مجردًا ذاك الذي مات عنا، بل هو ابن الله، الله المتأنس…

من ينكر قوة المصلوب فليسأل الشياطين!

من لا يؤمن بالكلام فليؤمن بما يرى، فكثيرون صُلبوا في العالم، لكن الشياطين لم تفزع من واحدٍ منهم، لكنها متى رأت مجرد علامة صليب المسيح الذي صُلب عنا يُصعقون، لأن هؤلاء الرجال صُلبوا بسبب آثامهم، أما المسيح فصُلب بسبب آثام الآخرين… “لأنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش” (إش 9:53؛ 1 بط 22:2). لم ينطق بهذه العبارة وحده، وإلا لشككنا في أنه منحاز لمعلمه. لكن إشعياء قال أيضًا، ذاك الذي لم يكن حاضرًا معه بالجسد لكنه تنبأ بالروح عن مجيئه بالجسد.

ما بالنا نستشهد بالنبي وحده هنا؟ فها هو بيلاطس نفسه الذي حكم عليه يقول: “لا أجد في هذا الإنسان علة” (لو 23:14) ولما أسلمه غسل يديه قائلًا: “أنا بريء من دم هذا البار”.

هناك شهادة أخرى عن يسوع البار الذي بلا خطية، هي شهادة اللص أول الداخلين الفردوس، إذ بكَّت زميله منتهرًا إياه قائلًا: “أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا، وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله (لو 23:41)، لأن كلينا تحت قضائه ++ القديس كيرلس الأورشليمي

أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو .

في الآيات السابقة تصوير لما حلّ بالسيد المسيح من الآم خاصته منذ القبض عليه في البستان حتى إنزال جسده لدفنه. الآن وقد نزل جسده للدفن، في الوقت الذي فيه انطلقت نفس السيد المسيح لتحرر الأسرى من الجحيم، أشرق نور الرجاء، وانكشفت مراحم الله الدائمة التجديد، والتي لن تفنى.

في الطقس القبطي تبدأ الكنيسة أثناء قراءة هذه النبوة في بداية الساعة الثانية عشرة من الجمعة العظيمة تتحرك لتنزع علامات الحزن، وترتدي كل نفس ثياب الفرح والبهجة بالخلاص الذي تممه السيد المسيح على الصليب، وتحطيم متاريس الهاوية، ونزع سلطان إبليس وملائكته، ليحيا المؤمن في حرية مجد أولاد الله مادام ممسكًا بيد مخلصه.

إن كان القسم الأول من المرثاة وصف السيد المسيح كرجل آلام، خاصة وهو تحت المحاكمات الدينية والمدنية والصلب والموت والدفن، الآن وقد سلم السيد الروح، وبدأ نور الصليب يشرق، حلّ الرجاء في حياة المؤمنين به.

بموته وعبوره إلى الجحيم أطلق الأسرى، انقشعت السحابة، وبدأت خطة الله تتكشف. نغمة النبي بدأت تتغير، وعوض النظر إلى أحداث الصليب من الخارج بدأت بصيرته تنفتح لتدرك سرّ الصليب بكونه قوة الله للخلاص، وينبوع مراحم الله الفائقة تفيض كل صباح بلا توقف.

في المرثاتين السابقتين كان النبي يكشف عن آلامه التي كانت تتدفق من أعماقه كشاهد عيان لما حلّ بوطنه وشعبه. الآن وقد تحول نظره إلى حامل آلام البشرية في جسده بالصليب، انكشف أمامه سرّ الحب الإلهي، وامتلأ قلبه بالرجاء في الرب، وتلامس مع إحسانات الرب، وأدرك أن مراحمه لن تشيخ، بل تبقى تفيض مع كل صباح، جديدة في فاعليتها في حياة كنيسته والمؤمنين به.
+++@

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي