تبارك الرب

يبدو مز 144 امتداداً لسلسلة المزامير الانتقائية (138- 145). خرجت من السياق العباديّ الأولاني، فدلّت على صلاة ذات طابع فرديّ. هذا القول ينطبق على القسم الأول من المزمور (آ 1- 11). أما القسم الثاني فلا نجد له صدى في سفر المزامير. نحن في الواقع أمام مزمور ملكيّ يشبه مز 18. فكأن الشاعر أراد أن ينهي كتابه بنشيد يكرم فيه صورة داود.
غير أن الحديث عن مزمور ملكيّ هو خدعة أدبيّة. فالتماهي مع الملك ليس واضحاً ولا تامًّا، لا سيما وأن المصلّي يتحدّث في آ 9، 10 عن داود والملوك في صيغة الغائب.
يبدأ هذا المزمور (آ 1) بالمباركة التي تختتم مز 18. ولائحة الصفات الإلهيّة التي تلي في آ 2 تتسجّل في منظار فعل شكر. في الأصل، كنا أمام نداء لله: “أحبّك يا رب، يا قوّتي”. كانت التيوفانيا في مز 18 جواباً على نداء الملك القلق، فصارت هنا موضوع صلاة. وغاب كل تلميح إلى الصراع في بداية الكون. فكل شيء صار في التاريخ. ويهوه لا يهاجم بعدُ ايلاوقيانوس الهائج، بل رجالاً شفاههم فاسدة، بل “أناساً غرباء”. فيطلب المرتّل النجاة من هؤلاء الذين يضايقونه ويضايقون شعبه.
لم نعد هنا كما في مز 18 مع نداء في البداية، وصورة عن الوضع، وتدخّل خلاصيّ، وفعل شكر. كل شيء قد انحصر في صلاة واثقة. نحن نعرف منذ البداية من هو يهوه، لأنه سبق لنا ونعمنا بعنايته الفاعلة. فإذا طلبنا منه اليوم أن يفعل، فلكي يكون لنا سبب جديد لمديحه (آ 9- 10).
وصارت الصلاة صلاة الملك، فقدّمت لنا مثلاً عن مسيحانيّة ما بعد المنفى. تشتّت الشعب المختار عبر الكون، فصاغ صلاته على مثال صلاة ملوكه (ولا سيما داود)، وأرسل نظره إلى ملك الأزمنة الجديدة. في هذا المنظار نفهم الإشارة إلى السلام التي تختتم المزمور. من غروس نامية، إلى مخازن مملوءة، إلى بقر تحبل وتلد ولا تجهض، إلى ساحات لا تعرف الصراخ في الضيق.

تباركت يا ربّ يا صخرتي وترسي، تباركت يا ربّ يا خالقي ويا مخلصي
تباركت يا ربّ لأنك ينبوع البركات،
تباركت يا ربّ لأنك أصل السعادة والهناء
دُعي اسمك علينا فحلّت البركة، أضاء وجهك علينا فعرّفتنا بخلاصك
لهذا نحمد اسمك ونشكرك، بل ندعو الشعوب جميعاً لتحمدك
ندعوها لكي تهلّل لعدلك وصلاحك.

هنيئاً لنا، حلّت علبنا البركة، نحن شعبك وميراثك
هنيئاً لنا، لأنك اخترتنا شعباً لك، هنيئاً لنا لأننا تعبّدنا لك إلهاً
لهذا ننشد لك نشيداً جديداً، نرتّل لك على عود بعشرة أوتار
هنيئاً لنا لأننا نجد عندك الرحمة والحماية، هنيئاً لنا لأننا أبناء الخلاص.

هل تبحث عن  القديس البار ذياذوخوس أسقف فوتيكي (القرن5م)

نحن قطعنا معك عهداً، تكون إلهنا ونكون شعبك، تحيطنا ببركتك ونحفظ وصاياك
تريد أن تقرّبنا إليك، تدعونا إلى حياة من الشراكة معك
لسنا نحن على قدم المساواة معك لنعقد معك عهداً
ولكنك قرّرت في حريّة سامية أن تمنحنا عهدك، وتملي علينا شروطك
وفي يسوع مرت قريباً منا بل واحداً منا، في يسوع قطعت معنا عهداً أبدياً
فما أعظمك يا الله، وما أعظم رحمتك ومحبتك.

تبارك الربّ صخرتي
يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب
هو راحمي وحصني، معقلي ومنقذي وترسي
به أحتمي فيرد شعبي إلى طاعتي.

نباركك يا ربّ ونحمد اسمك لما فعلت وستفعل
أعطيتنا القوة، أعطيتنا الشجاعة، أعطيتنا النصر
أنت ملكنا وبك ننتصر، أنت قوّتنا وبك نتغلّب على المضايق
لا نعتمد على القوس، لا نعتمد على السيف، فأنت تنصرنا وتخزي عدوّنا.

ما الذي يقدّمه الإنسان؟ عون بسيط يكاد يكون عدماً
ماذا نفعنا الاتكالُ على البشر؟ لا شيء. فخير لنا الاتكال عليك يا رب
ماذا نفعنا الاتكال على العظماء؟ لا شيء. فخير لنا الاتكال عليك يا رب
كم نبحث يا ربّ عن آلهة تخلّصنا، كم نبحث عن بشر نضع فيهم رجاءنا
لا إله لنا سواك يا ربّ، ولا مخلّص إلاّك أيها الخالق
فمتى سنفهم ضعفنا، ومتى سنعرف
أن البشر قصبة مرضوضة لا تسند وسراجاً مدخناً لا يضيء.

أنت تعلّمنا الحرب، وتدعونا إلى القتال، وتطلب منا أن نحمل السيف
ونتحمّس كما فعل الرسل ليلة النزاع، ونفهم كلامك عكس ما يجب أن يُفهم
ولكننا، وإن حيينا حياة البشر، فنحن لا نجاهد جهاد البشر.

سلاحنا سلاحك أيها الربّ القدير، وبه نهدم الحصون التي تقف بوجه كلمتك
سلاحنا سلاحك لنهدم كل مرتفع يحول دون معرفتك، لنهدم كل رأي يغالط رأيك
سلاحنا سلاحك لنأسر كل فكر ونأتي به إليك مقيّداً أيها المسيح فنهديه إلى طاعتك.

أجل نريد أن نتقوّى فيك أيها الربّ، وفي قدرتك العزيزة، لأن لا قوّة لنا سواك
نريد أن نتسلّح بسلاحك يا الله، لنستطيع أن نقاوم مكايد إبليس
نحن لا نكافح أناساً من لحم ودم، بل الأرواح الخبيثة وكل شرّ في العالم
لهذا نحتاج إلى سلاحك لنبقى ثابتين، نحتاج إلى ترسك لنُخمد سهام الشرير المشتعلة
نحتاج إلى خوذتك تحمل إلينا الخلاص، نحثاج إلى كلمتك التي هي سيف ذو حدين.

يا ربّ، ما الانسان حتى تتعرف له، وابن الانسان حتى تحسب له حساباً
فما الانسان إلاّ نفخة ريح، وأيامه كظل عابر.

من أنا يا ربّ حتى أطلب منك هذا، أنا الإنسان الذي أعود إلى الغبار
وأي حق لي أن أرفع إليك طلبي، لولا رحمتك التي لا يسعها الكون
وهل أستحق يا ربّ أن تهتمّ بي وتتعرّف إلى ندائي؟
المسافة شاسعة بيني وبينك، بين الخاطىء وبين القدوس، بين الخليقة وبين الخالق.

هل تبحث عن  علي قد ما تحط ربنا في قلبك علي قد ما الابتسامة تترسم علي وشك❤

من أنا المخلوق من التراب والعائد إلى التراب، لتعرّفني ما دار في مجلسك؟
من أنا التراب والرماد، وماذا أقدر أن أفعل من دون إرادتك؟
بدونك لا أعمل شيئاً، بدونك لا يوجد شيء
لا شيء يزاحمك في قوّتك، لا شيء يحسب له حسابٌ أمام مجدك.

يا ربّ أخفض سماواتك وانزل، المس الجبال فتصير دخاناً
أبرق ببروقك فتشتتهم، أرسل سهامك فتدحرهم
أرسل يديك من العلاء، ونجني من المياه الكثيرة، ومن أيدي الغرباء أنقذني.
أفواههم تنطق بالباطل، ويمينهم يمين زور.

أنا ضعيف ولهذا أدعوك، أنا تراب ولهذا ألتجىء إليك
أصلّي إليك في أوان الضيق، وقد طغت عليَّ المياه الغامرة
أدعوك فتعلّمني وتنصحني، أناديك فترشدني في الطريق التي أسلك
أعدائي حولي، ينطقون الكذب بلسانها، ويعملون الشر بأيديهم
نجني منهم، أنقذني، لا تسمح أن يتغلّب عليَّ عدوّي.

أين قوّتك يا ربّ لا تسعف ضعفي، أين عظمتك يا رب لا تضع حداً لتصرّف عدوّي
أنت يا من تأتي في السحاب، أنت يا من تعمل من خلال البرق والرعود
العاصفة أداة بيدك، وهي تزلزل الجبال، وتحرّك الآكام
البرَد سلاح بيدك، والنار سهام تحرق الغابات
فمن يقف في وجهك يا الله، ومن يتجاسر أن يعارضك؟

أتيت يا ربّ من مشرق الشمس كامل الجمال ساطعاً، تكلّمت وما صمتَّ
خرجت من البعيد، دست القفار، فرجفت الأرض، وأرسلت السماء قطرات ماء
مررت، فرأتك المياه فرجفت، والغمار فارتعدت، والسحب فرفعت صوتها
تسير فتسير أمامك النار، وتحرق خصومك أمامك.
تسير فتسير بروقك، وتضيء الأرض التي ترى وترتعد
تسير فتذوب الجبال كالشمع تحت قدميك، ويخرج منها الدخان
أي إله قدير مثلك، أي إله عظيم تجاهك.

أنشد لك يا الله نشيداً جديداً، على عود بعشرة أوتار
وأرتّل لك يا واهب الملوك خلاصاً، يا منقذ داود عبده
نجني من السيف القاطع ومن أيدي الغرباء أنقذني
أفواههم تنطق بالباطل، ويمينهم يمين زور.

نجّني، أنقذني، تلك صلاتي إليك، وهي صلاة واثقة
حينئذ تمدّ يدك من أعالي سمائك، وتخرجني من الخطر الذي يحيط بي
لهذا جئت أشكرك يا الله، وأحمدك على ما صنعت لي
جئت أهتف لك، أنشد نشيداً جديداً أمامك، أنت يا من تصنع كل شيء جديداً.

أشكرك لأنك فعلت، ومنحتنا أنعامك
خلصت داود عبدك من المخاطر، وبالأحرى خلّصت مسيحك من براثن الموت
ما تركت يسوع في مثوى الأموات، ولا نال من جسده فساد
مات فأقمته فلم يعد للموت عليه من سلطان
وسيّرتنا نحن على خطاه، فأنقذتنا من سلطان الموت وأقمتنا
آمنا فصفحت لنا ومحوت صكّ خطايانا وألغيته
فشكراً لك يا ربّ، شكراً لك.

هل تبحث عن  قادرًا على أن يُغيث المصابين بالتجارب

وأشكرك لأنك ستفعل وأنت الإله الأمين لمواعيدك
أشكرك لأن خلاصك لم يكن عملاً عابراً ومضى
متّ مرة من أجل الخطايا، ولكنك حيّ إلى الأبد، وتهب الحياة للعالم
قرّبت نفسك مرة واحدة، ولكنك أزلت خطايا جماعة كثيرة، وستظهر ثانية لخلاص الذي ينتظرونك.

ليكن بنونا كالغرس النامية في شبابهم، وبناتنا كأعمدة منحوتة في زوايا الهيكل
لتمتلىء مخازننا من كل صنف، لتنتج غنمنا الألوف المؤلفة في ربوعنا
لتحمل بقرنا وتلد من دون إجهاض ولا خسران، ولا يكن صراخ ضيق في ساحاتنا
هنيئاً للشعب الذي له مثل هذا، هنيئاً للشعب الذي إلهه الربّ.

ونرفع إليك تمنّياتنا، أيها المسيح الملك، في زمن قيامتك المجيدة
نصلي إليك من أجل شباننا، ازرعهم في أرضنا ولا تقلعهم، ولا ترسل بهم إلى البعيد.
نصلّي إليك من أجل شاباتنا، إنهن لحمة بناء شعبك
أنت جبلت آدم من تراب الأرض، وبنيت حواء من ضلع آدم
فاحفظ شبابنا وشاباتنا، وبارك الرجال والنساء بيمينك القديرة.

ونطلب منك يا ربّ أن تفيض الخير في بيوتنا، والبركة في غلاتنا
أنت وعدت فقلت: سيمتدّ درس الحنطة حتى القطاف، ويمتد القطاف حتى الزرع
حينئذ تأكلون وتشبعون، وتسكنون في أرضكم آمنين
ستتوفّر غلاتكم فتأكلون العتيق المعتق، وتجبرون على إخراج العتيق من وجه الجديد.

أنت وعدتنا بالبركة إن نحن سمعنا لصوتك فتعطينا خبزنا كفاف يومنا
تُبارك بيوتنا وحقولنا، تبارك ثمرة بطننا وثمرة أرضنا
تبارك البقر والغنم، تبارك السلة والمعجن
تحفظ ما جمعناه في خزائننا وتفيض علينا خيراتك.

كل هذا عطيّة منك يا أبا الأنوار، كل هذا هدّية منك لأبنائك
فعلّمنا أن لا نتوقّف عند خيرات نتعبّد لها، بل ننظر إليك يا إله كل خير
وعلّمنا أيضاً أن لا نطلب فقط خيرات الأرض، بل أن نتطلّع أيضاً إلى خيرات السماء
حاجات الجسد مهمّة، وأهمّ منها حاجات النفس، حاجات الانسان العميقة
فأعطنا يا ربّ هذه، ولا تحرمنا من تلك، يا واهب العطايا والخيرات.

ونجّنا من كل شرّ في الصراع الذي تشكلّه حياتنا على الأرض
وأفهمنا أن كل نجاح وتوفيق هو من لدنك يا الله
فكل عطية صالحة وكل هبة كاملة، تنزل من العلاء، من عندك يا الله
فأعطنا أن نتقبّلها بالشكر، ونتصرّف بها في الحمد.

نهارنا لا يخلو من خطأ، وحياتنا لا تخلو من شقاء
لهذا نحن نحتاج إلى غفرانك، نحتاج إلى نعمتك
نحتاج إليها لنغلب أعداء نفوسنا وأجسادنا
ولنمتلك خيرات الأرض والسماء التي تمنحها لأحبائك
فأنت السميع المجيب وإياك ندعو يا ربنا وإلهنا لك المجد إلى الأبد

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي