"ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي
يفعل إرادة أبي الذي في السماوات" [ع21]

 

لماذا
لم يقل "الذي يفعل إرادتي؟". لأنه في الوقت الراهن كان قبولهم حتى هذا
القول يُعد ربحًا عظيمًا بسبب ضعفهم. وفي نفس الوقت فإن الرب يحببهم في الوصية
الأولى بواسطة الثانية. ويجب أن نذكر أن مشيئة الابن هي نفسها مشيئة الآب. ويبدو
لي هنا أن السيد الرب ينتقد اليهود بصفة خاصة، الذين وضعوا كل ثقلهم على التعاليم
دون الاهتمام بالممارسة، ولهذا يوبخهم بولس الرسول قائلاً: "هوذا أنتَ تُسمى
يهوديًا وتتكل على الناموس وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته" (رو 2: 17-18).

لكنك
لا تجني شيئًا من وراء ذلك، طالما أن شيئًا من العطاء لا يظهر في حياتك وأعمالك،
لكن السيد الرب لم يقف عند هذا الحد، بل قال ما هو أكثر من ذلك.

 "كثيرون
سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟" ويقول السيد:
"لا يكفي الإنسان أن يكون مؤمنًا فقط، بينما حياته مهملة، فإنه يُطرد من
السماوات، حتى وإن صنع معجزات كثيرة، ولكنه لم يصنع شيئًا صالحًا، فإن هذا الإنسان
أيضًا يُطرد من الموضع المقدس.

 "كثيرون
سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب. يا رب أليس باسمك تنبأنا؟" انظروا كيف يعود
السيد الرب إلى نفسه سريًا ويشير ضمنًا إلى نفسه بأنه الديَّان؟ ولم يقل علانية
أنا هو الديَّان. بل "كثيرون سيقولون لي" للدلالة على نفس الأمر. لأنه
لو لم يكن الديَّان لما قال لهم: فحينئذٍ أُصرَّح(أُصرِّح) لهم، "إني لم
أعرفكم قط" [ع23]. وكأنه يقول: "إني لم أعرفكم قط، لا في زمن الدينونة
فقط، بل حتى عندما كنتم تصنعون المعجزات". لهذا قال أيضًا لتلاميذه: "لا
تفرحوا بهذا إن الشياطين تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السماوات"
(لو 10: 20). ويأمرنا في كل موضع أن نبذل قصارى جهدنا لنهتم اهتمامًا كبيرًا
بأسلوب حياتنا.

فليس
من المكن لإنسان يعيش حياة صالحة، وهو متحرر من الأهواء والشهوات، أن يكون مهملاً
تمامًا، لكنه حتى إن تصادف وكان على خطأ، فإن الله سرعان ما يجذبه إلى الحق. لكن
هناك البعض يقولون: لقد أكدوا هذا بشكل زائف، وهذا هو تقديرهم لسبب عدم خلاص هؤلاء
الناس. كلا! وإلا كانت نتيجة عمل هذا الشخص عكس ما أراده الرب. لأن قصد الرب
يقينًا أن يجعل هذا الإيمان بلا قيمة بدون الأعمال. لهذا إذ يخص الرب على الأعمال
الصالحة – يضيف المعجزات أيضًا – موضحًا أن ليس الإيمان وحده، بل حتى صنع المعجزات
لا يفيد شيئًا بدون الصلاح. وإن لم يكونوا قد صنعوا العجائب، كيف كان من الممكن أن
يؤكد الأمر هنا؟. وأيضًا هم لا يتجاسرون إذا ما جاء يوم الدينونة أن يقولوا هذا
الكلام في مواجهة الرب، ولا حتى الجواب نفسه. وتساؤلهم هذا يتضمن أنهم صنعوا
عجائب، ولكن إذ يرون النهاية تأتي عكس توقعاتهم وبعد أن كانوا هنا محل إعجاب
الجميع بسبب ما صنعوه من معجزات، ها هم يرونهم هناك كلا شيء، مع عقاب ينتظرهم.
فتصيبهم الدهشة وتعقد الصدمة ألسنتهم، فيقولون:

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم وصايا الآباء وصية يوسف 10

"يا
رب، أليس باسمك تنبأنا؟" فكيف تبتعد عنا الآن؟ وما معنى هذه النهاية الغريبة
التي لم نكن ننتظرها منك؟.

 

2.
لكن إن كانوا يتعجبون أنهم يُعاقبون بعد أن صنعوا مثل هذه المعجزات – فلا تتعجبوا
أنتم مثلهم – ذلك أن النعمة كانت عطية مجانية من الذي أعطاها لنا. لكنهم من جانبهم
لم يشاركوا بشيء، لهذا يحق عقابهم بعدل؛ إذ هم غير شاكرين وعديمو الشعور نحو الرب
الذي كرمهم كثيرًا، إذ أسبغ عليهم نعمته وهم غير مستحقين.

ورُبّ
قائل وماذا إذن؟ هل يفعلون هذا وهم يمارسون الإثم؟ يقول البعض إنهم لم يصنعوا
معجزات وهم يرتكبون الآثام، ولكنهم تغيروا بعد ذلك ومارسوا الإثم، لكن لو كان
الأمر كذلك، لما أفلح معهم أيّ زمن آخر يعمل فيه الرب معهم؛ فلا الإيمان ولا صنع
المعجزات يمكن أن يثمرا دون أعمال.

ولهذا
يقول بولس الرسول أيضًا: "إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي
محبة، فلست شيئًا" (1 كو 13: 2).

وتسألون،
إذن من هم هؤلاء الرجال؟، إن كثيرًا من المؤمنين قد نالوا مواهب؛ مثل طرد
الأرواح" (مز 9: 38، لو 9: 49). ولم يكن مع السيد، هكذا يهوذا؛ إذ كان حائزًا
على موهبة مع أنه كان شريرًا. ونرى في العهد القديم نفس الأمر، أن النعمة عملت في
أُناس غير مستحقين، بحيث تصنع الخير للآخرين. لهذا لما كان الناس لا يناسبهم هذا
الأمر، بل يحيا بعضهم حياة الطهر، ولم يكن لديهم هذا الإيمان العظيم، بينما كان
آخرون على النقيض تمامًا، فإن الرب بهذه الأقوال يحث على إظهار مزيدٍ من الإيمان،
وإذ يعطى البعض عطايا تفوق الوصف ليصيروا أفضل، فإنه يكمل لهم نعمته بكل سخاء،
لأنه مكتوب "صنعنا عجائب كثيرة" ولكنه "يصرِّح لهم أني لا
أعرفكم" لأنهم يظنون أنهم أصدقائي الآن حقًا، لكنهم سيعرفون حينئذٍ، إني لم
أمنحهم كأصدقاء.

هل تبحث عن  قاموس الكتاب المقدس معجم الكتاب المقدس خ خشو و

 ولماذا
تتعجبون إن كان السيد الرب يعطي عطايا للمؤمنين باسمه، رغم أن حياتهم لم تكن تليق بإيمانهم،
بل كان يعمل حتى مع الذين حادوا عن الطريق وعن الحياة اللائقة والإيمان، ومع ذلك
عملت فيهم النعمة لخدمة الآخرين. وفرعون أيضًا كان من نفس النوع، ومع ذلك فقد دله
الرب على الأمور العتيدة، وكان نبوخذ نصر رجلاً كثير الآثام، ومع ذلك كشف له الرب
ما سيحدث بعد أجيال كثيرة (د 3). وأيضًا ابن هذا الأخير، رغم أنه فاق أباه في
الإثم، فقد تنبأ بأمور مستقبلية، آمرًا بحدث جليل وعجيب (دا 5).

ولأن
بديات الإنجيل كانت تُجرى آنذاك، وكان تجلي قوته ظاهرًا بشكل واضح للجميع، فإن
كثيرين حتى من غير المستحقين نالوا مواهب. وبالرغم من كل تلك المعجزات، لم تنشأ
منها أية فائدة، بل بالحري عوقبوا بالأكثر. لهذا قال لهم السيد الرب هذا القول
الرهيب، "إني لا أعرفكم". وكان هناك كثيرون قد بدأ غضب الرب يظهر ضدهم،
وتحول عنهم وتركهم، حتى قبل الدينونة.

 لهذا
لنخف أيها الأحباء ونرتعد، ولنهتم بحياتنا أعظم اهتمام، ولا نحسب أنفسنا أسوأ
حالاً، لأننا لا نصنع المعجزات الآن، لأن ذلك لن يمنحنا أية مزايا، ومثلما لا يسيء
إلينا أننا لا نصنع معجزات، إذا كان اهتمامنا منصبًا على الفضائل، لأننا مدينون
بأنفسنا للمعجزات، لكننا مدينون لله بحياتنا وأفعالن

 

3.
بعد أن أنهى السيد الرب الحديث عن كل شيء، تحدث إليهم بدقة عن الفضائل وأشار إلى
المتظاهرين بها، من كل نوع وصنف. بخصوص تظاهرهم بالصوم والصلاة، والذين يأتوننا في
ثياب حملان، والذين يدوسون المواهب ويدْعوَّن(ما التشكيل) أيضًا بالخنازير
والكلاب.

 ثم
يتقدم ليشير لا إلى كيفية عظم الربح الذي يأتي من وراء الفضيلة هنا على الأرض،
ويبين فداحة الشر بقوله: "كل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها، أُشبهه برجل
عاقل" [ع24].

هل تبحث عن  كتب أبوكريفا عهد قديم اليوبيلات 01

ويعني
هذا: قد سمعتم ما يمكن أن يعاينه أولئك الذين لا يسمعون ولا يعملون بما يسمعوه رغم
أنهم يصنعون معجزات، ويجب أن توتوا أيضًا ما يتمتع به كل من يسمع هذه الأقوال كلها
– لا في الدهر الآتي فقط، بل هنا أيضًا – "فكل من يسمع" كما يقول السيد
الرب، هذه الأقوال ويعمل بها، أشبه برجل بنى بيته على الصخر. أترون كيف ينوع في
حديثه؟، ففي مرة يقول "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب". ثم يكشف عن نفسه
في مرة أخرى. "بل الذي يفعل إرادة أبي" ومرة أخرى يعلن نفسه
"ديَّانًا"، "كثيرون يقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب. أليس
باسمك تنبأنا"، "فحينئذ أُصرِّح لهم إني لم أعرفكم قط" ويشير هنا
أيضًا إلى سلطانه على الجميع. لهذا يقول "كل من يسمع أقوالي". وبينما
يلمس حديثه المستقبل من الملكوت، والمكافأة والتعزية التي لا يُنطق بهما. وما شابه
ذلك، فإن إرادته، أيضًا بالنسبة لأمور هذا العالم هو أن يعطيهم ثمارًا، وأن يشير
إلى عظم هذه الفضيلة، حتى في الحياة الحاضرة. فما هي قوة الفضيلة؟.

 أن
نعيش في أمان، وألا يتسلط علينا أيّ رعب، من جانب الذين يحتقروننا. فأي شيء يعادل
هذا الحال؟ لأنه حتى الذي يرتدي وشاح الملك لا يقدر أن يوفر لنفسه ذلك، أما من
يمارس الفضيلة، فهو يملك كل شيء في وفرة، ويستمتع بهدوء عظيم في غمرة آلام الزمان
الحاضر. والعجيب أن يتمتع بهذا في شدة العاصف، وفي ثقل الضيقة. وباستمرار التجارب،
لا يهتز ولو قليلاً. إذ يقول السيد المسيح:

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي