لقد رأى مركبة [1] الشاروبيم وهي عبارة عن أربعة كائنات روحانية حية، لكل منها أربعة أوجه، واحد منها وجه أسد، وآخر وجه نسر، وآخر وجه ثور، والرابع وجه إنسان. ولكل وجه أجنحة بحيث لا توجد أجزاء خلفية لأي واحد منهم، وظهورهم مملوءة عيونًا، وكذلك بطونهم مشحونة ومزدحمة بالعيون، وليس فيهم أي جزء لم يكن مملوءاً عيونًا. وكان أيضًا لكل وجه بكرات، بكرة في وسط بكرة وكان الروح في البكرات.
ورأى حزقيال منظر شبه إنسان قدميه كمنظر حجر العقيق(الياقوت) الأزرق. ومركبة الشاروبيم والكائنات الحيّة كانت تحمل الرب الذي جلس فوقهم. وحيثما شاء أن يسير فإنه يسير والوجه إلى الأمام. ورأى تحت الشاروبيم كمثل يد إنسان تسند وتحمل.
2 ـ وهذا الذي رآه النبي كان في جوهره حقيقيًا وأكيدًا، ولكنه يشير كظل مسبق إلى شيء آخر سرّى وإلهي ـ السر المكتوم بالحقيقة منذ الدهور ومنذ الأجيال (كولوسي 26:1)، ولكنه أُظهر في الأزمنة الأخيرة (1بطرس 10:1) بظهور المسيح، فإن السر الذي رآه هو سر النفس التي كانت ستستقبل ربها وتصير هي ذاتها عرشًا لمجده (متى 31:25). لأن النفس التي تتمتع بامتياز الاشتراك في روح ونور الله وتتشرب بأشعة جمال مجده غير الموصوف ـ وهو الذي هيأها لتكون كرسيًا ومسكنًا له ـ فإنها تصير كلها نورًا وكلها عيناً ! ولا يكون فيها جزءً غير مملوء بعيون النور الروحانية. أي ليس فيها جزءً مظلمًا بل تصير بكليتها نوراً وروحاً، وتمتلئ كلها عيوناً، فلا يكون لها جزءً خلفي بل في كل اتجاه يكون وجهها إلى الأمام بواسطة الجمال الذي يفوق التعبير الذي لمجد نور المسيح الجالس والراكب عليها.
وكما أن الشمس هي بكليتها ذات شبه واحد، بدون أي جزء من الخلف أو من أسفل، بل هي مكسوة بالنور من كل ناحية، وهي بالحقيقة كلها نور، بدون اختلاف بين أجزائها، أو كما أن النار، أي نفس نور النار، هي متشابهة كلها، وليس فيها أول أو آخر، أو أكبر أو أصغر، هكذا أيضًا النفس التي تتشبع تمامًا بالجمال الذي لا يُوصف، جمال مجد نور وجه المسيح. وتكون في شركة تامة مع الروح القدس وتنال الامتياز بأن تكون محل سكن الله وعرشًا له، فإنها تصير كلها عيناً، وكلها نوراً، وكلها وجهاً، وكلها مجداً، وكلها روحاً، والمسيح الذي يقودها، ويرشدها، ويحملها، ويسندها، هو الذي يصنعها ويجعلها هكذا وينعم عليها ويزّينها هكذا بالجمال الروحاني، لأن الكتاب يقول: ويد إنسان كانت تحت الشاروبيم [2] لأنه هو ذاك الذي يركب عليها ويوجهها.
[2] حزقيال8:1 ، يفسر القديس مقاريوس “الإنسان” هنا بأنه المسيح (من جهة سر التدبير أي التجسد) ويد إنسان كانت تحت الشاروبيم لأنه هو الذي يركبها ويوجهها
ترجمة دكتور نصحى عبد الشهيد يناير 2005