جدعون والمعركة الناجحة
جدعون والمعركة الناجحة
ومع أن معركة جدعون كانت من أغرب المعارك التاريخية على وجه الأرض، إلا أنه يمكن أن نلاحظ عليها ما يلي:
استراتيچية القائد الأعلى
كان على الجنود أن يصرخوا “سيف للرب ولجدعون”.. ولئن كان جدعون هو الأداة البشرية فإن الله هو القائد الأعلى، وهذا القائد لا يسير بمنطق الناس أو حكمتهم أو فهمهم البشري، بل إنه على العكس يقلب كل شيء ويجعله مضاداً للفكر البشري، والسر في ذلك كما قال هو: “لئلا يفتخر على إسرائيل قائلاً يدي خلصتني”. ومن ثم فقد تقدم للحرب اثنان وثلاثون ألفاً، فوصل بهم الله إلى ثلاثمائة جندي، وحتى يقطع الطريق تماماً على كل ادعاء بشري، جرد الثلاثمائة جندي من كل سلاح يستخدم في المعارك ومن العجيب أن هذه استراتيچيته الثابتة في كل معارك الحياة، كلما أراد أن يصنع المعجزات، ويغير التاريخ، ويكفي أن نرى في كل العصور: “فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء، وأختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه”.. وهو إلى جانب هذا يرفض الأسلحة البشرية التقليدية،.. هل قرأت ذلك الخيال الطريف الذي تصوره أحدهم، إن المسيح في عودته إلى السماء، استقبلته الملائكة، وقال لقد أتممت الرسالة وتركتها وديعة في يد الذين سينشرونها في الأرض؟؟.. وسأل الملائكة: هل هم فلاسفة الأرض، وقال المسيح: كلا.. هل هم أغنياء الأرض.. وأجاب: كلا.. هل هم مجموعة من الجيوش الزاحفة في الأرض.. وقال المسيح: إنهم جماعة من الصيادين الفقراء الذين لا يملكون شيئاً، وإنما يحملون اسمي معهم في كل مكان!!.. أن أنظار الأصدقاء والأعداء تتجه في معركة جدعون إلى الله وإلى الله وحده!!..
استراتيچية الجندي الناجح
عندما صرخ الجنود، كانت صرختهم: “سيف للرب ولجدعون” ومع أن جدعون يستوي والعدم بالنسبة للمعركة، لكن وجوده ووجود جنوده أمر أساسي وجوهري في النصر، وبكل إجلال واحترام لله، نقول: إنه لا يصنع شيئاً في الأرض إلا إذا استخدم الأداة البشرية، لكن السؤال يأتي: من هم الذين يستخدمهم الله؟؟.. إن الله هنا يهتم بالنوع أكثر من العدد، لقد أعاد من المعركة الخائفين الذين ليس لهم قوة الإيمان وجسارته، وأدخل البقية الأخرى في الامتحان عند شرب الماء فالذي جثا على ركبتيه للشرب كان في جانب، والذي ولغ بيده كما يلغ الكلب كان في جانب آخر، وكان العدد الأخير ثلاثمائة، هم الذي دخلوا المعركة، أما الآخرون فسرحوا، ويعتقد كثيرون أنهم سرحوا لأن الانبطاح على الوجه، كان عادة الذين تعودوا الانبطاح أمام البعل في العادة، وهؤلاء مرفوضون أي لأنهم كانوا في السهل، وأعداؤهم كانوا في أعلى الجبل ويسهل أن يهاجموهم وهم على هذا الوضع، ولا يجوز لإنسان أن يدخل المعركة، ثم ينبطح على وجهه، أو لأنهم يريدون أن يشربوا ملء بطونهم، وليس لهم حركة الآخرين، وتأهبهم، الذين يرون فقط ظمأهم وهم مثل آبائهم الذين خرجوا من مصر وأحقاؤهم مشدودة، والأحذية في أرجلهم، لأنهم على استعداد للحركة السريعة!!.. أياً كان الفكر، فمما لا شك فيه أن “النوع” في الثلاثمائة هو الأفضل والأنشط والأكثر استعداداً وتأهباً للقتال!!..
من طريف ما يذكر أن أحد رجال الله قال لزميله الذي سأله عن الأحوال وأجاب الآخر: رائعة إذ أن الكنيسة في نهضة عظيمة، لقد شطبنا من عضويتها خمسين عضواً،.. وكانت هذه حقاً نهضة عظيمة، إذ أن الله يسر بالنوع أكثر من الكم، والثلاثمائة بغيرتهم وحركتهم وجسارتهم أفضل من ثلاثين ألفا أو يزيد من الخائفين أو الكسلة، أو المترددين أو المنبطحين على وجوههم!!..
استراتيچية الوسيلة البارعة
باغت جدعون الأعداء عندما تثقل نومهم في أول الهزيع الأوسط الذي يبدأ حسب النظام اليهودي من الساعة العاشرة إلى الثانية صباحاً، وطوقهم من ثلاث جهات، وهم يستيقظون على فرقعة الجرار المكسورة والأنوار المرتفعة، والأبواق الضاربة، فلا يعتقدون أن المهاجمين هم ثلاثمائة جندي بغير سلاح، بل هم جيوش جرارة تطوقهم من ثلاث جهات، وفي الفزع والرعب لا يعرف العدو من الصديق، وإذا بهم كل واحد يقتل جاره، لم يقاتل جدعون أجساد أعدائه، بل قاتل أذهانهم، وساعد بعضهم على إهلاك بعض!! وفي المعارك الروحية، نحن لسنا إلا جراراً فارغة يستخدمها الله أفضل استخدام، رغم تصدعها وضعفها، ولا قدرة لنا إلا أن نرفع أمام العالم الغارق في الظلام مشاعل النور والحق والخير والسلام،.. وليس لنا من سلاح إلا كلمة الله نبوق بها للناس، فإذا بعالم الخطية والفساد والشر يسقط تحت أقدامنا أسرع من البرق!!..
ترى هل نستطيع أن نستعيد الوسيلة القديمة البارعة، فلا نرى نفوسنا في معارك الحياة، سوى جرار فارغة تحمل مشعل النور العظيم للعالم، وبوق الكلمة الإلهية كصوت صارخ في البرية؟!!
هل تبحث عن  سفر أخبار الأيام الأول الاصحاح الثالث

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي