حديث عن الحياة الأبدية


حديث عن الحياة الأبدية

فأجاب يسوع وقال لهم:
الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا،

إلا ما ينظر الآب يعمل،

لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك”. [19]

في حديثه دومًا يؤكد حقيقتين: وحدانية اللَّه، وأنه واحد مع الآب ومساوٍ له.

إذ أراد اليهود أن يقتلوه ليس فقط لأنه كسر السبت بل وقال أيضًا أن اللَّه أبوه، معادلًا نفسه باللَّه [18]. لم يكن رد الفعل أنه قال: “لماذا تريدون قتلي، إني لست معادلًا لأبي”. لو كان السيد المسيح أقل من اللَّه من جهة اللاهوت لالتزم بتوضيح ذلك. لكنه أوضح أنه لا تناقض بينه وبين الآب، لأن ما يفعله الآب إنما يفعله بالابن الذي هو قوة اللَّه وحكمته. “كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو 1: 2). يقول أن ما يرى الآب هو يفعله؛ ماذا يعني أن ما يرى الآب هو فاعله؟ هل ينظر ما فعله الآب فيكرر ذات الفعل؟ مستحيل! لكن إذ يقوما بذات العمل، فهو واحد مع أبيه في الإرادة، لذلك يتمم الفعل الإلهي الذي حسب مسرة أبيه. وفي نفس الوقت حسب مسرته هو. لا يقدر الابن أن يفعل شيئًا من ذاته بسبب الوحدة التي لا تنفصم مع الآب، ولا يفعل الآب شيئًا دون الابن بسبب الوحدة اللانهائية، لأن الابن هو قوة الله وحكمة الله وكلمة الله.

يقدر الكائن المخلوق أن يفعل شيئًا من ذاته، إذ يستطيع أن يخطئ الأمر الذي لن يقدر الله أن يفعله لأنه قدوس بلا خطية. أما الابن فلن يقدر أن يفعل إلاَّ ما يرى الآب فاعله. كأنه يقول لهم إن اتهمتموني بكسر السبت، فأنا لا أفعل شيئًا إلاَّ ما أرى الآب فاعله، فهل تحسبونه كاسرًا السبت؟!

ركز في مقاله أنه واهب الحياة الأبدية حسبما يشاء[21]، وأن كلماته تهب حياة أبدية[24]، صوته يقيم الأموات [25-26]، وإن الساعة قادمة ليهب حياة لمن في القبور[28-29].

*يُظهر الآب له ما سيفعله لكي ما يُفعل بالابن(601).

*إذن ما نحن نوضحه أيها المحبوبون، الأمر الذي نسأله، كيف يرى الكلمة؟

هل تبحث عن  لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ

كيف يُرى الآب بواسطة الكلمة؟

وما هو الذي يراه الكلمة؟

لست أتجاسر هكذا ولا أتهور فأعدكم إنني أشرح هذا لنفسي أو لكم. إنني أقدر قياسكم وأعرف قياسي…

لقد عني بذلك ألا نفهم بأن الآب يفعل بعض الأعمال التي يراها الابن، والابن يفعل أعمالًا أخرى بعد أن يرى ما فاعله الآب. وإنما كلا من الآب والابن يفعلان ذات الأعمال…

فإن كان الابن يفعل ذات أعمال الآب، وإن كان الآب يفعل ما يفعله بالابن، فالآب لا يفعل شيئًا والابن شيئًا آخر، إنما أعمال الآب والابن هي واحدة بعينها…

أقدم لكم مثالًا الذي أظن أنه ليس بصعبٍ عليكم، عندما نكتب خطابات تُشكل أولًا بقلوبنا وبعد ذلك بأيدينا… القلب واليد يقومان بعمل الخطابات. أتظنون أن القلب يشكل خطابات والأيدي خطابات أخرى؟ ذات الخطابات تفعلها القلب عقليًا واليد تشكلها ماديًا.

انظروا كيف أن ذات الأمور تتم ولكن ليس بنفس الطريقة. لذلك لم يكن كافيًا للرب أن يقول: “مهما عمل الآب فهذا يعمله الابن أيضًا”، لكن كان لازمًا أن يضيف: “وبنفس الكيفية“..

إن كان يفعل هذه الأمور بذات الكيفية، إذن فليتيقظوا، وليتحطم اليهود، وليؤمن المسيحي، وليقتنع المبتدع، فإن الابن مساوي للآب(602).

القديس أغسطينوس

*إن سألت: فما معنى قول المسيح “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا“؟ أجبتك: معناه أنه لا يقدر أن يعمل عملًا مضادًا لأبيه ولا غريبًا عنه. وهذا قول يوضح معادلته لأبيه واتفاقه معه كثيرًا جدًا.

قول المسيح: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل” كأنه يقول: “إنه ممتنع عليّ وغير ممكن أن أعمل عملًا مضادًا”. وقوله: “لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” بهذا القول أوضح مشابهته التامة لأبيه.

*ماذا يعني: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا؟ إنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئًا في مضادة للآب، ليس شيء مُغايرًا، ليس شيء غريبًا، مما يظهر بالأكثر المساواة والاتفاق التام.

لماذا لم يقل: “لا يعمل شيئًا مضادًا” عوض قوله: “لا يقدر أن يعمل”؟ وذلك لكي يثبت عدم التغير والمساواة الدقيقة، فإن هذا القول لا يتهمه بالضعف، بل يشهد لقوته العظيمة… وذلك كالقول: “يستحيل على الله أن يخطئ”، لا يتهمه بالضعف، بل يشهد لقوته التي لا يُنطق بها…

هل تبحث عن  الكاثوليكون من رساله بطرس الاولى ( 3 : 8 - 15 ) يوم الثلاثاء

هكذا المعنى هنا هو أنه قادر، أي مستحيل أن يفعل شيئًا مضادًا للآب(603).

القديس يوحنا الذهبي الفم

*ليس للابن ولا للروح شيء من ذاتهما، لأن الثالوث لا يتحدث عن أمرٍ خارج عن ذاته… لا يظن أحد أنه يوجد أي اختلاف في العمل سواء من جهة الزمن أو التدبير بين الآب والابن، بل يؤمن في وحدة ذات العملية(604).

*تكمن الحرية (للثالوث القدوس) لا في وجود اختلافات بل في وحدة الإرادة(605).

*لقد حقَّ للابن وثبّت مساواته للآب، مساواة حقيقية، مستبعدًا كل اختلاف في اللاهوت(606).

القديس أمبروسيوس

*صنع المسيح كل الأشياء…، لا بمعنى أن الآب تنقصه قوة لخلق أعماله، إنما لأنه أراد أن يحكم الابن على أعماله فأعطاه اللَّه رسم الأمور المخلوقة. إذ يقول الابن مكرمًا أبيه: “لا يقدر الابن أن يعمل شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأنه مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” (يو19:5). وأيضًا: “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل”. فلا يوجد تعارض في العمل، إذ يقول الرب في الأناجيل:”كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي” (يو10:17).

هذا نتعلمه بالتأكيد من العهدين القديم والجديد، لأن الذي قال: “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”(تك 26:1) بالتأكيد تكلم مع أقنوم معه. وأوضح من هذا كلمات المرتل:”هو قال فكانت. وهوأمر فخلقت” (مز 5:148). فكما لو أن الآبأمر وتكلم، والابن صنع كل شيء كأمر الآب(607).

القديس كيرلس الأورشليمي

[يحذرنا القديس أغسطينوس من التفسير المادي]

*إنه لم يقل: “لا يقدر الابن أن يفعل شيئًا من ذاته إلاَّ ما يسمع الآب يأمر به” بل يقول: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا، إلا ما ينظر الآب يعمل”. أنظر هل تفهم هذا هكذا: الآب يفعل شيئًا، والابن يصغي ليري ماذا يفعل هو أيضًا، وأنه يفعل شيئًا آخر مثلما يفعل الآب.

هل تبحث عن  مزمور 58 - الَّذِي لاَ يَسْتَمِعُ إِلَى صَوْتِ الْحُواة

ما يفعله الآب بمن يفعل هذا؟ إن لم يكن بالابن، إن لم بالكلمة، فإنك تجدف ضد الإنجيل، “لأن كل شيء به كان” (يو 1: 3).

إذن ما يفعله الآب إنما يفعله بالكلمة. فإن كان بالكلمة يفعل هذا إنما يفعله بالابن. فمن هو هذا الآخر الذي يصغي ليفعل شيئًا يرى الآب فاعله؟(608)

*الآب لا يفعل أشياء والابن أشياء أخرى، فإن كل الأشياء التي يفعلها الآب إنما يصنعها بالابن. الابن أقام لعازر، ألم يقمه الآب؟ الابن أعطى النظر للأعمى، ألم يهبه الآب البصر؟ يعمل الآب بالابن في الروح القدس. إنه الثالوث، لكن عمل الثالوث هو واحد، العظمة واحدة، الأزلية واحدة، الأبدية واحدة، والأعمال واحدة. لم يخلق الآب بعض الناس والابن آخرين والروح القدس آخرين. خلق الآب والابن والروح القدس إنسانًا واحدًا بعينه…

القديس أغسطينوس

*من ينسب ضعفًا للابن ينسبه للآب أيضًا. يحمل الراعي كل القطيع وليس فقط هذا أو ذاك الجزء منه… الكتاب المقدس يعد بفيض من النعمة، لكننا نحن نقر بندرتها(609).

القديس جيروم

*لماذا كُتب: “الابن يعمل نفس الأشياء” وليس “مثل هذه الأشياء” إلا لكي تحكموا أن في الابن وحدة في ذات أعمال الآب، وليس تقليدًا لما يفعله الآب…؟

ماذا نفهم بالقول “ما يراه”؟

هل الابن في حاجة إلى أعين جسدية؟ لا، فإن أكد الأريوسيون هذا عن الابن، فالآب إذن في حاجة إلى أعمال جسدية حتى يراها الابن لكي يفعلها.

إذن ماذا يعني: “لا يقدر الابن أن يفعل شيئًا من ذاته”…؟ هل يوجد شيء مستحيل على قوة اللَّه وحكمته؟ ليُدرك هؤلاء أن هذين هما لقبان لابن اللَّه، الذي قدرته بلا شك ليست عطية ينالها من آخر، ولكن كما أنه هو الحياة ولا يعتمد على آخر ليهبه الحياة بل هو الذي يحيي الآخرين، لأنه هو الحياة، هكذا هو الكلمة (1 كو 24:1) ليس ككائنٍ جاهل يطلب الحكمة، بل يجعل الآخرين حكماء من مخازنه. وهكذا هو القوة ليس كمن ينالها خلال ضعف يحتاج إلى مزيد من القوة، بل يهب القوة للأقوياء(610).

القديس أمبروسيوس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي