حنة وعالي
حنة وعالي

كان موقف عالي من حنة موقفًا يشوبه الكثير من الضعف وإن كان الرجل قد جلله في الختام بما كفر عنه، بتمنياته وصلاته من أجلها، كان عالي:
الناصح المتعجل
تحرك الألم والغيظ والضيق والاضطراب في قلب حنة صلاة حارة ملتهبة، لم تلفظ بشفتيها كلمات تسمع لكن صلاتها كانت صرخة مكتومة أمام الله، ورأى عالي شفتيها تتحركان في شبه دمدمة السكران، فلم يرقه هذا المنظر، وخاصة في بيت الله فصاح بها: «حتى متى تسكرين انزعي عنك خمرك» فالتفت المرأة المحزونة إليه وقالت: «لا ياسيدي. إني امرأة حزينة ولم أشرب خمرا ولا مسكراً بل أسكب نفسي أمام الرب. لا تحسب أمتك ابنة بليعال لأني من كثرة كربتي وغيظي قد تكلمت إلى الآن». وكأنما تقول المرأة: إن كنت تحسبني ياسيدي سكري، فأنا سكري ولكن ليس من الخمر بل من الألم، لقد جرعت كأسه حتى الثمالة، أنا أمرأة مضطهدة مظلومة تعسة، أنا امرأة تجمعت عليها النوائب، وتكاد صلابتها تخور، ويقينها يتزعزع، لا ياسيدي غير فكرك عني ترى أنني في حاجة إلى الرثاء لا إلى التوبيخ!
وأحس عالي بالألم في نفسه، لأنه آذى بتسرعه وتعجله نفسًا مكسورة، وأحسست معه بذات الألم والخجل، لأنني كثيرًا ما تمشيت في أثره، وفعلت ما فعل.. إن أول واجبات خدام الله أن تكون لهم العين الحادة المبصرة، التي تستطيع أن تميز للنظرة الأولى، المتألم من غير المتألم، المحزون من مدعي الحزن، البائس المتضايق من السكير المخمور، ولكننا كثيرًا ما نقسو بأنانيتنا وتعجلنا وبطء ادراكنا وسوء معرفتنا على من كان يجب أن نعاملهم بكل أناة ولطف وحنان ورحمة!
الناصح الذي نسى نفسه
لم يكن عيب عالي أنه قدم نصيحته بتعجل وتسرع فحسب، بل كان عيبه الفاضح أنه، وهو ينصح الآخرين، نسى أن بيته كان في أمس الحاجة إلى هذه النصيحة، كان ابناه حفني وفينحاس في حاجة إليها من عشرين عامًا سابقة، كان هذان الرجلان كتلتين من الشر والعربدة والفساد، كانا مثلين شريرين للحياة الماجنة الخليعة، ورأى عالي سكر ولديه وشرهما وعربدتهما، وصمت ولم يردعهما حتى استهان شعب الله ببيت الله والتقدمة، ما أحوجنا أن نذكره بقول معلمنا العظيم: «لا تدينوا لكي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك. وها الخشبة في عينك. يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك» أو ما قاله الرسول بولس: «لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين. لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها ونحن نعلم أن دينونة الله هي حسب الحق على الذين يفعلوه مثل هذه».. ذكرني يارب قبل أن أنتقد الآخرين أن أبصر نفسي، وقبل أن أتحدث عن بيوت الناس، أن أتأمل بيتي، عرفني يارب عيوبي، وقدرني أن أصلحها حتى يكون لي من الشجاعة والإخلاص والصراحة والمحبة ما يعينني على إصلاح عيوب غيري… ليت هذه تكون صلاة كل واحد منا.
الناصح المعتذر المصلي
وكأنما أراد عالي أن يعتذر ويكفر عن خطئه فحول توبيخه إلى أمنية وصلاة: «اذهبي بسلام وإله إسرائيل يعطيك سؤلك الذي سألته من لدنه».. وهنا يسبقنا عالي في ضرب من الخلق كريم.. سرعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، كثيرًا ما نحس تعجلنا وعدم تبصرنا في أمور كثيرة تؤلم الآخرين وتؤذيهم ومع أننا نعترف بهذا بيننا وبين أنفسنا، فاننا نتناسى الاعتراف والاعتذار أمامهم بدافع من الأنانية والذاتية وكبرياء النفس، لكن كم يكون جميلاً أن نعترف ونبسط في اعترافنا كل رجاء وتمن حسن!!.

هل تبحث عن  كنيسة الشهيد مار جرجس القبطية الأرثوذكسية، مسجد وصيف، زفتى، الغربية، مصر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي