دخل الأنبا أنطونيوس في حرب أخرى وانتصر فيها، وهى حرب الرعب والخوف، في البرية القفرة المنعزلة..
بل أنتصر على هذه المخاوف بوسائل ثلاث: الاتضاع، والفهم، والصلاة:
بالإتضاع كان يقول لهم: [أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم]. وكان يصلى قائلا: [أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، وأنا تراب ورماد]. فلما كانوا يسمعون هذه الصلاة المملوءة اتضاعًا، كنوا ينقشعون كالدخان.
ومن جهة الفهم، كان يقول: [أنني أعجب لتجمهركم على بهذه الكثرة. ولو كنتم أقوياء حقا. لكان واحد منكم يكفى] وهكذا بالإيمان أيقن من ضعف الشياطين، وكان هذا الإيمان يخزيهم فيمشون..
وقد استعملوا معه طرق الإيذاء والضرب، وبخاصة حينما كان ساكنا في مقبرة، ولكنه صمد وكان يصلى مزمور “الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب عاضد حياتي ممن أرتعب؟! إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام على القتال، ففي هذا أنا مطمئن”.
مكان في أيمان عميق يقول لمهاجميه: [إن كان الله قد أعطاكم سلطانا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانا على، فان يستطيع واحد منكم أن يؤذيني].
وهكذا عاش الأنبا أنطونيوس في حياة الإيمان، لا يخاف.
وفى كل مرة ينتصر، كان يزداد أيمانه، وينتزع منه الخوف بالأكثر، إلى أن زال منه الخوف تماما،وقال أيضًا: [أنا لا أخاف الله،لآني أحب الله].
هذا هو رجل الجبال، جبار البرية الذي لا يخاف، حتى من الوحوش المفترسة، وحتى من الشياطين.
وبخبرته الروحية، استطاع فيما بعد أن يجمع تلاميذه، ويلقى عليهم كلمة عميقة عن ضعف الشياطين وعدم الخوف منهم. وقد سجل لنا القديس أثناسيوس الرسولى هذه الكلمة في كتابه عن حياة الأنبا أنطونيوس.
وفى انتصار الأنبا أنطونيوس وعدم خوفه، ظل محتفظا بتواضعه.
يشعر بضعفه، يصرخ إلى الله، فينقذه الله بقوته الإلهية.
قال الأنبا أنطونيوس: [في إحدى المرات أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فقلت يا رب من يفلت منها؟ فأجابني الصوت قائلا: “المتواضعون يفلتون منها”].