درس من الطيور

درس من الطيور



«اُنظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: … أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتهَا»

( متى 6: 26 )




إن الطيور في ذاتها أضعف من أن تزرع وتحصد وتجمع إلى المخازن، لكن الله الذي خلقها، في عدم قدرتها هذه، لا ينساها. وطيور السماء التي لا يعتني الإنسان بأمرها، إلا لكي يصطادها، يقول عنها المسيح في لوقا 12: 6 «أَ لَيسَت خَمسَةُ عَصَافِيرَ تُبَاعُ بِفَلْسَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنهَا لَيْسَ مَنسِيًّا أَمَامَ اللهِ؟».
وهنا يقول الرب: «اُنظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ»، وكأنه يريد أن يقول: هذه الطيور ألا تملأ السماء بأعدادها الهائلة، كما تملأ الجو بأناشيدها المُبهجة.

إن الطيور في الواقع تُعتبر الأنموذج الواضح للمرَح والسرور؛ فهي تبدأ اليوم مع إشراقة الصبح بالتسبيح، وتختم نهارها أيضًا بالتسبيح.

تُرى هل يُفكر واحد من هذه الطيور في أمر طعامه؟! أم هل كفَّت واحدة من هذه المخلوقات الضعيفة عن التسبيح خوفًا من المستقبل، وقلقًا على الغد؟!

وطبعًا لا ينبغي أن نفهم كلمات الرب هنا أنه يُشجعنا على التمثل بالطيور في أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع، فإن ترتيب الله للإنسان من البداية، وحتى قبل السقوط، هو أن يعمل ( تك 2: 15 )، ثم بعد السقوط قال له: «بِعَرَقِ وَجهِكَ تَأكُلُ خُبزًا» ( تك 3: 19 ).
وهو ما أكَّدَهُ الرسول بولس أيضًا قائلاً: «إِن كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَن يَشتَغِلَ فَلاَ يَأكُلْ أَيضًا» ( 2تس 3: 10 ).

كلا. إن الله لا يريد جماعة من التنابلة، ينامون تحت النخلة فاتحين أفواههم لينزل فيها الرطب. بل وحتى طيور السماء؛ الله لا يملأ أفواهها بالطعام، بل إنه يملأ العالم بخيراته «كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ. تُعطِيهَا فَتلتقِطُ» ( مز 104: 27 ، 28).
فبعض الطيور يأكل الحبوب أو الثمار، وبعضها يأكل الأسماك أو الديدان، وبعضها يتغذى على الجيف.

لكن على كل حال كلها تشبع من مائدة الخالق المنَّان. كلا. ليس الدرس الذي يُريدنا الرب أن نتعلَّمه من الطيور هو عدم العمل، والاسترخاء، والإعفاء من تحمُّل المسؤولية، بل هو عدم القلق، والهدوء، والتحرُّر من الهم.

هل تبحث عن  سر مشترك (من كتاب خبرات في الحياة)

إذًا هيا بنا إلى العمل، لكن لنوقن أن «إِلَهَ السَّمَاءِ يُعطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبنِي» ( نح 2: 20 ).
لنعدّ الفَرَس، لكن لنعلم أن «النُّصرَةُ مِنَ الرَّبِّ» ( أم 21: 31 ).
ولنَبنِ، لكن لتكن على أفواهنا مَقولة الحكيم: «إِن لَم يَبنِ الرَّبُّ البَيتَ فَبَاطِلاً يَتعَبُ البَنَّاؤُونَ» ( مز 127: 1 ).

وفي كل هذا لنكن مُتحرِّرين من القلق والهَّم، مُتكلين على الرب وحده، عاملين بنصيحة الوحي: «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعتَمِد. فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعرِفهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ» ( أم 3: 5 ، 6).

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي