دروس من حياة سليمان النبي

دروس من حياة سليمان النبي

دروس من حياته:
– يمكن إبطال تأثير القيادة القوية، بالحياة الشخصية الضعيفة: بينما كان لمملكة سليمان القوية العظيمة أن تظلّ مباركة طوال الوقت، نظرا لكل ما منحه الله له من حكمة وغنى ومجد وما أنعم به عليه من امن وسلام، ورغم استجابته لصلاته وارشاداته المستمرة له، لكنها كانت تقترب شيئا فشيئا من نهايتها. فالضعف الذي ظهر في حياته الشخصية نتيجة لسماحه للخطية ان تنتشر في كل ما حوله، قد أدى الى فساده، حتى انه لم يعد يهتم بالرب الهه، ولم يتصرف دائما حسب حكمته، فكانت النتيجة في النهاية فقدانه لكل شيء.. فالحكمة هي التمييز لمعرفة الافضل، أما قوة الشخصية فهي التصرف بمقتضى تلك المعرفة. والله يعرف قوانا البشرية وضعفاتنا وأوامره دائما لخيرنا.
– فشل سليمان في طاعة الله، لكنّه لم يتعلّم درس التوبة إلاّ في نهاية حياته: إذ كان سليمان حكيما، فلماذا إبتعد عن الله؟!. بينما استخدم سليمان حكمته في الشؤون السياسية، وفي بناء الهيكل، فانه لم يستخدمها في حياته الروحية، فكان يعرف الطريق الصائب للحياة لكن لم تكن له على الدوام الارادة الثابتة لاتباعها، فهو لم يبتعد عن الله دفعة واحدة، او خلال فترة قصيرة، لكن فتوره الروحي بدأ بابتعاده تدريجيا عن شريعة الله، رغم ان الله حذره، بل غضب عليه لأنه ضلّ عنه، مع انه تجلى له مرتين ونهاه عن الغواية وراء الهة اخرى، فلم يطع وصيته (11,9:11). وللأسف لم يتعلم سليمان الدرس الا بعد فوات الأوان، وذلك مايبدو واضحا في سفر الجامعة الذي كتبه بلغة الشك والتشاؤم، وكان له هدفا من ذلك. فبعد ان رأى حياته متجهة نحو الانحدار، ونهايته مقتربة، تطلّع الى الوراء من موقف الاتضاع والتوبة، معيدا تقييم العالم كما اختبره هو، مؤمّلاً أن يوفّرعلى قرائه المساعي الباطلة، ومرارة التعلم من خلال الخبرة الذاتية، ان كل شيء بعيدا عن الله هو باطل وأجوف وبلا معنى كما سبق وان اختبره هو، وتأكد من ان لاشيء بعيدا عن الله جعله سعيدا، واراد ان يعلّم الشعب ان النجاح والازدهار يمكن ان يزولا كبخار التنفس في يوم بارد، وكل الانجازات لابد وان تختفي يوما ما ولا دوام الا لله وحده.
– معرفة الأعمال المطلوبة منّا، لاقيمة كبيرة لها، ما لم يتوفر العزم على انجازها: رغم معرفة سليمان بكل ما كان مطلوبا منه للقيام به، وذلك من خلال كل الشرائع المتوفرة له، اضافة الى وصايا والده، وتحذيرات الله المتكررة له، وكل ما اغدق عليه من حكمة ومعرفة، الا انه فشل في استخدامها دائما في حياته، وبذلك اصبحت معرفته عقيمة لاقيمة لها، بل ادت تجاوزاته على كل تلك المعرفة من خلال الاعمال التي قام بها الى نتائج مريرة انعكست سلبا عليه وعلى شعبه. فمن عملية تقديم الذبائح على المرتفعات رغم معرفته بان ذلك ضد شريعة الله المحددة في (تث14,13:12)، سمح لممارسات وثنية بالتسلل الى عبادة الشعب، بانتزاع التقدمات بعيدا عن العناية الساهرة للكهنة وخدام الله الامناء، وفتح الطريق للتعليم الكاذب ليرتبط بهذه الذبائح. ومن اقتنائه للعديد من النساء خاصة الاجنبيات، وتجميعه عددا كبيرا من الخيل، وتكديسه لثروة لا تصدّق، تعدى بذلك على اوامر الله المذكور في ( تث20,14:17)، فضرّت به وبشعبه سياسياً وروحياً، فزوجاته اغوين قلبه بالابتعاد عن الله، وتسببت ثروته الهائلة في زيادة الرفاهية في بلاطه، وارتفاع عبء الضرائب على الشعب، مما ادى الى القلق وجعل الاوضاع مهيأة للثورة.. وبالنسبة لنا وكما اشرنا سابقا فان عملية تكديس المعلومات والمعرفة بدون تطبيقها على حياتنا من كل جوانبها، قد تكون عقيمة، بل وقد تؤدي الى نتائج سلبية، سواء كان في الجانب الاجتماعي منها بما فيها عوائلنا، عملنا، علاقاتنا، او الجانب الروحي، بما فيه مسيحيتنا، فلا يكفي ان نعرف كل مايطلبه الله منّا، او ان نحفظ آيات من الكتاب، او نؤدي شرائع وطقوس فارغة، دون ان نعكسها في حياتنا، فالمسيحية الحقيقية هي حياة تتطلب منا ان نعيشها بأمانة ونزاهة، ونجسدها في كل تصرفاتنا وافعالنا، لكي نكون قدوة ومثالا ايجابيا للاخرين، مقدمين المجد والكرامة لذلك الاسم الذي نحمله، وذلك كله لايتم الا متى ما وضعنا تلك الحياة بين يديّ واهبها الوحيد رب المجد يسوع المسيح.
– اتاحة الفرصة للعبادة الحقيقية لاتضمنها انشاء اماكن رائعة لها: على مدى (480) عاما، منذ خروج بني اسرائيل من مصر، لم يطلب الله منهم أن يبنوا له هيكلاً، بل عوضاً عن ذلك أكّد ضرورة وجوده بينهم وحاجتهم لقادة روحيين. ولكن عندما ارادوا ذلك ووافق الله على طلبهم، اصبح الهيكل لديهم بمثابة عرش الله على الارض، والعناية والدقة في بنائه كان نوعا من العبادة الحقيقية، لذلك كان هيكل سليمان بكل مواصفاته مكانا رائعا للعبادة، فقد سبق لداود وان قدم كل ثروته الخاصة لبنائه. فمن الناحية المعمارية كان رائع الجمال، لم يكن له نظير، من افضل ما يمكن ان يصممه انسان، ومن الناحية الروحية كان رمزا للعديد من الامور مثل: السلطة الدينية، قداسة الله وعهده مع بني اسرائيل، الغفران، مكانا للصلاة، والاهم من ذلك كله، كان من مهمامه ان يعّد الشعب للمجيء الاول للمسيح في العهد الجديد. ورغم كل ذلك، ورغم ان سليمان عند تدشينه، حثّ الشعب على اعادة تكريس انفسهم لخدمة الله، الا ان تصرفات ملوكهم ومنهم سليمان نفسه، ادت الى انجذابهم وراء آلهة اخرى، وبالتالي برود قلوبهم نحو شريعة الله، وخراب العائلات والحكومة واخيرا دمار الامة. وبمرور السنين اصطبغ الشعب بالصفات المزيفة للآلهة الزائفة التي عبدوها، فانحدرو روحيا واصبحوا قساة القلوب، متلهفين للقوة ومنحرفين في كل طرقهم.. وذلك يؤكد لنا بأنه سواء كنّا قادة، أو لم نكن، فإن تأثيرنا يتوقف على استماعنا وطاعتنا لكلمة الله، وإن وجود بيت رائع للعبادة لايدلّ دائما على ان الناس المجتمعين فيه يقدمون عبادة حقيقية روحية من القلب لله مقدّمين له ذواتهم. فاتاحة الفرصة للعبادة الحقيقية من خلال بناء دور عبادة، وكنائس فخمة ليس ضمانا دائما لحدوثها، ومع انه من الضروري التفكير بانشاء اماكن للصلاة والعبادة الجماعية والشركة بين الاخوة المؤمنين، شرط ان لا ينتابنا القلق من جهة بنائها لدرجة ان نهمل معها الكنيسة الحقيقية “شعب الله”. فالله لايريد ان يقابلنا في اماكن مقدسة ولساعات محددة فحسب، بل يريد ان يعيش في قلوبنا. فهيكل الله في العهد الجديد “عهد النعمة” هو أجساد شعبه، وعرشه الحقيقي هو قلوبهم، وباعترافنا به ملكاً حقيقياً وسيداً ابدياُ على حياتنا تتحقق العبادة الحقيقية.
– كثير من الدروس المهمّة الاخرى يمكن ان نتعلّمها من الحكمة التي تركها لنا أحكم إنسان عاش على الأرض، والتي جسّدها في سفري الامثال والجامعة. ففي سفر الامثال: يقدم اقتراحات عملية للحياة الفعالة، والمباديء التي بُنِيَت عليها تلك الاقتراحات نافعة لكل المؤمنين. فكما قال بنفسه “فيحرز البسطاء فطنة، والأحداث علما وبصيرة”. فهو ليس مجموعة من الاقوال الشائعة، ولكنه يتضمن نظرة روحية عميقة نابعة من الاختبار، تدعو الشخص للعمل والتمسك بها ليسير قريباً من الله، وهو يغطي مجالات واسعة من الموضوعات تشمل الشباب، والتأديب، والحياة الأسرية، وضبط النفس، ومقاومة التجربة، وشئون الأعمال، والأقوال واللسان، ومعرفة الله، والزواج، والبحث عن الحق، والثروة والفقر، وبالطبع الحكمة. ولكنه يركّز كل الاهتمام فيه على الله، وطبيعته، واعماله، وبركاته، وكيف نتمكن من ان نحيا في علاقة وثيقة معه، ولخّص كل ذلك في قوله “رأس الحكمة مخافة الله”.. اما سفر الجامعة: فهوموعظته المكتوبة، وتحليل لاختبارات الحياة، وبحث نقدي في معناها. ففي هذا السفر العميق، يأخذنا سليمان في رحلة ذهنية عبر حياته، ويوضح لنا كيف أن كل شيء جربه وامتحنه وذاقه، كان كله باطلا (11:2)، وغير معقول (17:2)، وبلا هدف (8:4)، وغبي (16:4)، وفارغ (12:6)، ودرساً في العبث. ولنتذكرأن هذه الكلمات صدرت عن شخص حصل على “كل شيء”، القوة الهائلة، الحكمة، الثروة. وبعد هذه الجولة في تاريخه، يذكر سليمان هذه النتيجة الباهرة : “اتق الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو كل واجب الإنسان (13:12)، ونظرة واحدة الى الايات الختامية منه تكفينا لفهم هدفه. فمهما كانت الأسرار والمتناقضات الظاهرة في الحياة، فيجب أن نسعى إلى الهدف الوحيد، ألا وهو معرفة الله. فيرينا فيه أننا يجب أن نستمتع بالحياة، ولكن هذا لا يعفينا من إطاعة أوامر الله. فعلينا أن نبحث عن هدف ومعنى للحياة، وهما لا يوجدان في المساعي البشرية. يجب أن نعترف بالشر والحماقة والظلم في الحياة، ومع ذلك نحتفظ بموقف إيجابي وإيمان قوي بالله. فكل الناس عليهم أن يقفوا أمام الله ليُدانوا على ما فعلوه في هذه الحياة، مهما كان ذلك العمل خفياً، سواء كان خيراً أم شرا.ً ولن نستطيع أن نجعل تقلّبات الحياة مبررا للفشل في أن نحيا باستقامة.. فلنصغي الى كل تلك الافكار والحكم ولا نكتفي بمجرد قراءتها بل العمل بمقتضاها لكي لا يفوتنا أوان تطبيقها ونندم كما ندم سليمان بعد فوات الأوان.

هل تبحث عن  صانع الصليب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي