راحاب والنعمة المتفاضلة
راحاب والنعمة المتفاضلة

يكرر الكتاب في أكثر من موضع عن راحاب أنها كانت زانية، ولعله لم يكن في أريحا كلها من هو أشر أو أدنس أو أكثر فسادًا منها… ولقد حاول الكثيرون أن يخففوا من وقع التعبير، فقال بعضهم لعل التعبير لم يكن يقصد به سوى الماضي الذي فارقته قبل أن تقبل الجاسوسيين بسلام، وقال آخرون إن هناك تقاليد تقول إنها كانت صاحبة خان تستقبلا الوافدين إلى المدينة.. وقال غيرهم أن المعنى الشائع وقتئذ يختلف عن المعنى الذي نعرفه أو نراه الآن، وأن الحياة الوثنية كانت تنضج بالفساد، حتى أن الفسق أو الفجور كان شيئًا عاديًا في حياة الناس في ذلك الوقت، على أني أعتقد أن الكتاب كان يقصد العكس تمامًا اذ أراد أن يسجل قصتها كامرأة زانية، بل أراد أكثر من ذلك أن يأتي باسمها في الصفحة الأولى في الإنجيل في سلسلة أنساب المسيح، مع ثامار، وبثشبع، الخاطئتين الملوثتين، ليعلن بوضوح عن عظمة النعمة الإلهية، وكيف تصفح عن الإثم والخطية والدنس والفجور، بلا حدود أو قيود أو سدود أمام جميع الناس. وأن نهر النعمة يمكن أن يسبح فيه الجميع أو يغتسلوا بدون أدنى تفرقة أو تمييز، ولعل هذا ما كان يرن في ذهن الرسول وقلبه وهو يصرخ : «وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً».. أو ما قاله وهو يردد أنشودة عن نفسه : «أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهداً ومفتريًا ولكنني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان، وتفاضلت نعمة ربنا جدًا، مع الإيمان، والمحبة، التي في المسيح يسوع» ولعل هذا بعينه ما كان يقصده يوحنا نيوتن وهو يعرض قصة حياته، وكيف أخذ سبيله على ظهر سفينة تتاجر بالعبيد الذين تقتنصهم من أفريقيا، وكيف ترك وطنه ليغرق في الفجور أو على حد قوله : «لقد ذهبت إلى أفريقيا لأكون حرًا في ارتكاب الإثم كما يشتهي قلبي، وكنت كالوحش الطليق في الأرض الأفريقية حتى جاء السيد الذي أمسك بي وروضني وما أعظم ذلك اليوم : يوم 10 مارس 1748 الذي جاءني في السيد من الأعالي، وأنقذني من المياه العميقة القاسية الطافية فوقي…» وما أكثر الملايين من الأشرار والفاسقين والزناة الذين سيتم فيهم قول السيد الذي ذكره لرؤساء الكهنة وشيوخ الشعب عن اليهود عندما قال : «الحق أقول لكم أن العشارين والزواني يسبقوكم إلى ملكوت الله لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به وأما العشارون والزواني فآمنوا به» وقد قال أحد الكتاب حقًا في عرض هذه الحقيقة : «إن الرجاء يتدفق في قلوبنا، ونحن ننظر إلى المرأة راحاب، بالنسبة لكل ضائع ومستهتر ومهمل ومنبوذ».

هل تبحث عن  الشهيدان كيرياكوس وجوليتّا

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي