رضى الملك على أستير

رضى الملك على أستير

إذ دخل الملك إلى الوليمة وشرب من محبة أستير له، قال لها: “ما هو سؤلك يا أستير الملكة فيعطى لك؟ وما هي طلبتك؟ ولو إلى نصف المملكة تُقضى” [2]. إنه يناديها باسمها، ويسألها أن تطلب ولو إلى نصف مملكته، إذ حسبها له، شريكه معه في مجده. وفي نفس الوقت يدعوها “الملكة” ليذكرها بمركزها الملوكي فمن حقها أن تطلب بدالة وجرأة لتنال قلب الملك ومجده أيضًا.

إنها مشاعر الله وكلماته لكل نفس، يُناديها بإسمها كعروسه الخاص به وحده، ويدعوها ملكة حتى تدخل إلى عرش نعمته بثقة (عب 4: 16)، ويسألها أن تفرح قلبه بسؤالها إياه أن تأخذ ولو إلى نصف مملكته. لهذا يحث السيد تلاميذه: “إلى الآن لم تطلبوا شيئًا بإسمي، أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً” (يو 16: 24).

الله يشتاق أن تسأله كل نفس لتنال، فإنه يود أن يهبها حتى ذاته ويجعلها وارثة تنعم بشركة أمجاده. أمام هذا الحب الإلهي الفائق ماذا تطلب الكنيسة أو النفس البشرية كعضوة في الكنيسة؟ إنها كأستير لا تطلب مالاً ولا كرامة ولا بركة أرضية، إنما طلبت من أجل خلاص نفسها وخلاص إخوتها، إذ قالت: “إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك أيها الملك وإذا حسن عند الملك فلتعط ليّ نفسي بسؤلي وشعبي بطلبتي، لأننا قد بعنا أنا وشعبي للهلاك والقتل والابادة، ولو بعنا عبيدًا أو إماء لكنت سكت مع أن العدو لا يعوض عن خسارة الملك” [3-5].

ماذا تطلب أستير وقد تعرضت حياتها وحياة شعبها للهلاك والقتل والإبادة؟!

هنا تبرز أستير كأم حقيقية تحتضن بالحب كل إخوتها، تعمل وتطلب من أجل خلاص الجميع. لم تقف في سلبية أمام إخوتها، وإنما تذللت وصلت وجاهدت حتى النهاية من أجل خلاصهم. فالحياة الإيمانية تنطق بالإنسان خارج الأنا ليعيش بفم مفتوح وقلب متسع للجميع (2 كو 6: 11). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). هذا ما أعلنه الرسول حين قال: “فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون، قلبنا متسع… لذلك أقول كما لأولادي كونوا أنتم أيضًا متسعون” (2 كو 6: 11، 13). وبنفس الروح يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يجعل الإنسان مثل المسيح كاهتمامه بقريبه[37]]، [لا أقدر أن أصدق خلاص إنسان لا يعمل من أجل خلاص أخيه[38]]، [ليس شيء تافهًا مثل مسيحي لا يهتم بخلاص الآخرين… كل أحد يقدر أن يعين أخاه حتى ولو بالإرادة الصالحة إن لم يكن له في قدرته أن يفعل شيئًا… إن قلت أنك مسيحي ولا تقدر أن تفعل شيئًا للآخرين يكون في قولك هذا تناقضًا، وذلك كالقول أن الشمس لا تقدر أن تهب ضوءًا[39]].

هل تبحث عن  شخصيات آبائية (أنبا مقار أسقف فاو بإدكو)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي