قصة راعوث الموآبية

رواية نعمي


رواية نعمي

لا يكفي الكلام لوصف المرارة التي شعرت بها عند وصولي إلى بيت لحم بعد سنوات النفي، فلم أكد أستطيع تحمل الآلام التي شعرت بها بعد موت ابنيّ وزوجي أليمالك. أما الدافع لرجوعنا إلى بيت لحم فالبحث عن اللحم والخبز نظرا لخطورة المجاعة في بلدان المنطقة.


وكانت راعوث زوجة ابني وحدها تسليني رغم أنها امرأة أجنبية من بلاد موآب. وأصرت على أن تصاحبني إلى بيتي ببيت لحم، فقد بدأت بمرور السنين تحب الإله الوحيد الحق وتخدمه، وكان هذا سبب الرابط القوي القائم بيننا.


وحتى اسمي نعمي – «المتنعّمة» – لم يناسبني بعد هذه المأساة، فقد أصبحت حياتي مليئة يأسا ووجعا. لذلك أمرت نساء المدينة: «لا تدعوني نعمي! ادعوني مرة، لأن الله القدير قد مرر حياتي. لقد خرجت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة اليدين.» وعند وصولنا إلى بيت لحم قد حان وقت الحصاد.


ولا أعلم ماذا فعلت لو لم تساعدني راعوث، فقد عملت بلا كلل في الحقول، تلتقط السنابل المتبقية أينما وجدتها. وفي نهاية اليوم الأول رجعت سعيدة تحمل إيفة كاملة شعيرا.


وكان قد اتفق أنها قد عملت دون علمها في حقول أحد أقربائنا، رجل فاضل لطيف اسمه بوعز. وقد أحسن إليها وحماها من الظلم ودعاها لتناول الغداء مع الحصادين الآخرين. واطمأنت بأنه لن يصيبها شر تحت رعاية رجل محترم مثله يحب الله سبحانه ويهتم بالناس. وعندما نظرت إلى أحوال حبيبتي راعوث والظروف القاسية التي عانتها، أتتني فكرة عجيبة. تقت إلى أن تجد سعادة جديدة في الزواج وأن تلد أبناء. فقد أصابها الأسى واليأس عند موت ابني الذي خلفها أرملة صغيرة السن دون أبناء يخلدون اسم العائلة.


ولكن إذا تزوجت راعوث ببوعز… صحيح أنه أكبر منها سنا بعدة سنوات، لكنه رجل متميز الأخلاق، وكان قد أحسن إليها. وعلى أي حال، يستطيع باعتباره أقرب الأقرباء وغير متزوج أن يتولى مسؤولية الزواج بها لتوريد وريثا للأسرة.


وانتظرت لحظة ملائمة لأخبر راعوث بخطتي، ودعوتها إلى أن تتحلى وترتدي أجمل ثيابها وتتطيب. ثم في نهاية اليوم اقترحت إليها أن تبحث عن المكان في البيدر الذي كان بوعز يرتاح به وأن تقترب منه بهدوء.


وكنت طبعا واعية بأن مثل هذا الرجل الفاضل سوف لن يستغل الفرصة للإساءة إليها، بل سوف يدرك ما يتوقع منه. والحمد لله، حدث ما حدث كما أردته. لقد أخبر بوعز راعوث بوجود قريب أقرب منه، له الحق في الزواج بها، لكن إذا رفض الرجل هذا، كان بوعز نفسه مستعدا لأن يتكلف بدور قريبها الولي وأن يتزوج بها. وعربونا على صدق وعده كال لها ستة أكيال من الشعير في ردائها فأعادها إلي.


انتظرت رجوع راعوث توقعا شديدا، وحالما رأيت وجهها، عرفت أن الأمور كلها على ما يرام. ولم يضع بوعز وقتا، بل دعا قريب راعوث الآخر وشيوخ المدينة إلى اجتماع. وبارك كلهم الزواج بفرح شديد، أما أنا، فقلبي كاد يثب سعادة يوم عرسهما. وكان هذا فعلا زواجا عقد في السماوات.


وهكذا أمسى بيت الحزن مأوى للأمل والحياة الجديدة. وبعد مدة قصيرة حملت راعوث طفلا، وكم فرحت حينما وضعت حفيدي في حضني! وكان عوبيد، ابن راعوث وبوعز، هبة عظيمة من الله سبحانه. وأدركت أنه تعالى القدير له خطة خاصة بحياته أيضا، كما له خطة لجميعنا إذا وثقنا بلطفه ومحبته.

هل تبحث عن  طاعة ورهبنة

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي