الآباء الرسوليّون The Apostolic Fathers

الآباء الرسوليّون The Apostolic Fathers

مضى
الجيل الأول المعاصر للسيّد المسيح، الشهود العيان له، وتتلمذ كثيرون على أيدي
رسله وتلاميذه، ولم تعد الكنيسة محصورة في بقعة ما، بل انطلقت في العالم تخمره
بخميرة الحق وتلهبه بنيران الحب الإلهي، ووُجدت كنائس محليّة كثيرة في الشرق
والغرب، لها إيمان واحد، ورجاء واحد، وحب واحد، صلّوات واحدة ومفاهيم واحدة
ليتورچيّات وطقوس ذات هيكل واحد. حتى يحق لنا أن نقول إنّها ليست كنائس كثيرة بل
كنيسة المسيح الواحدة الرسوليّة.

إن
كانت هذه الكتابات الآباء الرسوليّين ليست إلاَّ براعم الربيع الصغيرة، لكنها حيّة
تحمل روح الكنيسة الواحدة، تكشف لنا ما تحمله من أوراق وزهور وثمار حملتها شجرة
الكنيسة عبر الأجيال[1]. لقد حملت
إلينا صدى أصيلاً لكرازة الرسل، وإعلانًا حقًا لبساطة إنجيل الخلاص، وصورة صادقّة
للتقليد الكنسي في تلك الفترة الفريدة[2]. قدّمت لنا
الإيمان الذي تقبّله هؤلاء الآباء الرسوليّون خلال اتصالهم المباشر للرسل أو
تسلّموه عن طريق تلاميذهم[3].

أما
تسميّتهم بالآباء الرسوليّين فترجع إلى الدارس الفرنسي
Jean B. Coterlier من رجال القرن السابع عشر، الذي قام بنشر مجلّديه تحت اسم Patres aevi apostolici عام ١٦٧٢، واللذين شملا مجموعة الكتابات
التالية:

1.
الرسالة المنسوبة لبرناباس.

2.
كتاب “الراعي” لهرماس.

3.
رسالتان: إحداهما لإكليمنضس الروماني والأخرى
منسوبة له.

4.
رسائل أغناطيوس السبع.

5.
رسالة لبوليكاربوس، ومقال عن استشهاده.

في
عام ١٧٦٥ أضاف إليها
Andres Gallandi في مجموعتهVeterum
Patrum Bibliotheca

الأعمال التالية:

6.
رسالة إلى ديوجنيتس Diognetius لا يُعرف كاتبها.

7.
مقتطفات لبابياس وQuadratus.

8.
وفي عام ١٨٧٣ اكتشفت
“الديداكيّة
Didache” أو “تعليم الرب للأمم كما نقله الإثنا عشر
رسولاً” أضيفت إلى الكتابات الرسوليّة.

وأخيرًا
فإن بعض الدارسين رأوا إضافة ما يسمى ب “قانون الإيمان للرسل
The Apostolic Creed” إلى الكتابات الرسوليّة، لكن الغالبيّة لم يقبلوا ذلك.

سمات
كتابات الآباء الرسوليّين

جاءت
أغلب هذه الكتابات أشبه برسائل، لكنها في الحقيقة لا تمثّل “وحدة في الطبع“.
لا نقدر أن نربط بين هذه الكتابات وبعضها البعض من جهة الطابع أو الموضوع، لكننا
بشيء من التجاوز يمكننا القول أن هذه الكتابات في مجملها تعالج موضوعين:

ا.
وحدة الكنيسة الداخليّة وسلام بنيانها الداخلي.

ب.
الحفاظ على الإيمان الخالص حتى لا تشوبه وثنيات.

اتسمت
هذه الكتابات بالبساطة مع الغيرة الملتهبة، دون الاعتماد على الفسلفة اليونانيّة
أو البلاغة الهيلينيّة. فباستثناء الرسالة إلى ديوجنيتس لا تحمل هذه الكتابات
عملاً أدبيًا.

جاءت
هذه الكتابات وليدة احتياجات عمليّة رعويّة، وليس لغرض علمي دراسي؛ فلم
تقدّم لنا دراسات لاهوتيّة روحيّة. “الاهتمام الرعوي الأصيل” عامل مشترك
في هذه الكتابات، فالآباء الرسوليّون يقدّمون قلوبًا ملتهبة حبًا نحو خلاص
البشريّة. لم يكن هؤلاء الكتَّاب جبابرة عقليّين بل قدّيسين بسطاء، يحبّون التقوى،
ويكرّسون حياتهم وقلوبهم لمخلّص حيّ يحيا فيهم وهم يحيوا به وفيه ومن أجله.

اتسمت
كتاباته بالصبغة الاسخاتولوجيّة (الانقضائيّة)
eschatological character. كان المجيء الثاني للسيّد المسيح هو غاية “الحياة
المسيحيّة”، خلال علاقتهم المباشرة مع الرسل، إذ كانوا يذكرون شخص المسيح
بحماس. فقد كشفت كتاباتهم عن شوق عميق نحو السيّد المسيح المخلّص الصاعد، وهو لا
يزال حيًّا وقائمًا في وسطهم. ينتظرون مجيئه ليروه وجها لوجّه. هذا الشوق حمل
شكلاً قدسيًا في حياتهم وكتاباته وعبادتهم.

اتسمت
هذه الكتابات بالطابع الكنسي كما حملت روح الشركة، شركة الكنيسة في العالم
كلّه في الإيمان والتقليد والعبادة. رغم بُعد المسافات بين الكنائس وبعضها البعض
مع اختلاف الثقافات وتفاصيل التقاليد.


[1] of. Chrétiens de tous les temps (1): Les
écrits des Péres Apostoliques, Paris 1968.

[2] Maxwell Staniforth: Early Christian Fathers, 1963.

[3] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 40.


تم نسخ الرابط

هل تبحث عن  كيف يجب أن ننظر الى إنجيل يهوذا؟

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي