مارتن لوثر
صمود الكتاب المقدس وثباته
لأن كل جسد كعشب و كل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط و أما كلمة الرب فتثبت إلي الأبد
(1بطرس1: 24،25)
لم يواجه كتاب في كل التاريخ من بغضة البشر له وهجوم الشيطان عليه كما واجه الكتاب المقدس. حتى يمكننا أن نقرر أن وجود الكتاب المقدس بين أيدينا اليوم رغم كل ما تعرض له، هو خير شاهد على أن هذا الكتاب حي، لأنه كتاب الله الحي.
وعندما نفكر كيف تعرض الكتاب المقدس لكل أشكال المصائب والكوارث والسبي والكراهية من البشر على مدى تاريخه الطويل؛ فلقد تعرض أولاً لكل ما تعرض له شعب إسرائيل من محن، ونقل إلى خارج بيته، إلى بابل لمدة 70 سنة. ثم تعرض لموجات من الكراهية والمقت المجنون من كثيرين، والإهمال من آخرين، وللحريق أحياناً أخرى وذلك من أيام الفلسطينيين لغاية أيام السلوخيين. ثم من بعد المسيح اجتاز في ثلاثة قرون عصيبة، تعرض فيها للاضطهاد الرسمي من الإمبراطورية الرومانية، إلى الدرجة التي كان فيها يُطرَح من يكون بحوزته هذا الكتاب للوحوش المفترسة. ثم تفكر فيما أصابه خلال القرون من السابع إلى التاسع عندما زادت البدع والخرافات في كل مكان . وما تعرض له في القرنين العاشر والحادي عشر حيث كان القليلون – حتى من الأمراء – هم الذين يعرفون القراءة. ثم القـرون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر حيث كان استخدام لغة الشعب لتفهيمهم الكتاب المقدس يعرض صاحب هذه الفعلة إلى عقوبة الموت، وعندما تعاظمت كتابات الآباء الأولين، ودخلت تقاليد بالية اعتنقها كل البشر بما فيهم رجال الحكم. نعم عندما نفكر في كل هذا فإننا سندرك كيف أن عين الله الساهرة هي التي حفظت هذا الكتاب، وأن قوته تداخلت طوال هذه القرون، وإلا لاستحال وجود الكتاب المقدس اليوم بين أيدينا من خلال اليهود ومن خلال الكنيسة على السواء – لاسيما في العصور المظلمة – بهذا النقاء وبهذه الدقة المتناهية.
وقصة صمود الكتاب المقدس، قصة طويلة، وهى تذكرنا بما قاله أحد المهندسين الإنجليز الذي بنى سوراً بارتفاع ثلاثة أقدام، وسُمك 4 أقدام. ولما سُئل: أتبنى ارتفاع السور أصغر من سمكه؟ أجابهم: لكي يستحيل أن يُقلب. أما إذا قُلِب، فإنه يصبح أعلى مما كان.
هكذا تماماً هذا الكتاب العجيب، لا تطوله آلات العدو الشريرة، وإذا أراد لسان أن يحكم على الكتاب، فإنه إنما يحكم له.
كلامُ اللهِ للدهرِ يظلُ ويبقى كالصخرِ
فلا إنسانَ يُفنه بقصدٍ كان أو قدرِ
ولا شيطانَ يمحوه بغدرٍ منه أو مكرِ
فإن اللهَ كاتبهُ وحافظُهُ مدى الدهرِ
ودعنا في نقاط قليلة لكنها مليئة بالعِبر نمرُّ سريعاً على قصة صمود الكتاب المقدس عبر العصور
حدث هذا في آخر أيام مملكة يهوذا، عندما أُهمِل أمر الله الذي يقضى بأن يضع اللاويون من بنى إسرائيل كتاب التوراة بجانب تابوت عهد الرب ليكون هناك شاهداً عليهم (تث 31: 26)، وبأن يكتب الملك لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب فتكون معه ويقرأ فيها كل أيام حياته، ليعمل بها (تث 17: 18، 19). لكن أمام إهمال الشعب وانحرافه عن الله ما عاد يُسمَع شئ عن هذا الكتاب، إلى أن جاءت أيام يوشيا الزاهرة، واتجهت النهضة التي قام بها إلي بيت الرب لتطهره فوجدوا أثناء ذلك سفر الشريعة، وأُخبِر الملك: « قد وجدت سفر الشريعة فى بيت الرب»!! (2مل 22: :022:.
والكلمة “وجدت” تعنى أنه كان مفقوداً! ولا غرابة لأنه إن كان الشيطان قد نجح في أن يجعل الإنسان يستخف بالأمور المقدسة إلى الدرجة التي فيها ينقل التابوت من مكانه (2 أخ 35: 3)؛ فليس مستغربا أن يُفقَد سفر الشريعة الذي كان بجوار التابوت.
تُرى ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن نبوخذنصر الذي ذهب إلى أورشليم بعد هذا الحادث بسنوات قليلة، قد هدم البيت قبل اكتشاف هذا الكتاب الثمين؟ أكان يمكن أن يضيع هذا الكتاب إلى الأبد؟!
حقاً كان هذا ممكناً لو أنه كتاب بشرى. أما وأنه كتاب الله فحاشا ألف مرة أن يحدث هذا. والعجيب أن الله وقتئذ لم يحفظ كلمته من الضياع فقط، بل أضاف إليها أيضا سفراً جديداً هو نبوة إرميا، جاء في فاتحته قول الرب العظيم « أنا ساهر على كلمتي » (إر 1: 12).
حدث هذا في زمانين على الأقل؛ الأول قبل الميلاد في أيام المكابيين والاضطهاد الذي وقع عليهم، وقد رأينا كيف حوّل الرب هذا الشر لخدمته عند الحديث عن اكتشاف قمران في الفصل الخامس. والمرة الثانية كانت في عصور الاستشهاد، لاسيما في الاضطهاد العاشر أيام ديوكليشان، عندما جاء مرسومه الأول في 24 فبراير 303 م يأمر بإبادة كل الكتب المقدسة. وإذ ظن الإمبراطور أنه قد بلغ مراده، أقام على بقايا كتاب بعد إتلافه، نصباً تذكارياً نقش عليه “سُحِق اسم المسيحيين”. لكن، وياللعجب، فقد خلف هذا الإمبراطور الشرير إمبراطور آخر هو قسطنطين، أعلن المسيحية ديانة رسمية في الإمبراطورية. وبعد خمسة وعشرين عاماً من مرسوم ديوكليشان بإبادة الكتب المقدسة، أصدر الإمبراطور قسطنطين أوامره إلى يوسابيوس بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الإمبراطورية. وكلنا نعلم من الذي سقط ونُسى؛ هل الكتاب المقدس وصاحبه، أم الإمبراطور ديوكليشان وإمبراطوريته؟ نعم، إن كل مقاوم للكتاب سقط أمام هذا الكتاب، كما سقط قديماً داجون إله الفلسطينيين أمام تابوت الرب (1صم5)!!
الحقيقة الثابتة عبر القرون أن كل من يحاول إبادة الكتاب يُباد (إر36: 29-31)، ومن يظن أنه بوسعه أن يخمد صوت الكتاب أو صاحبه يُخمَد صوته، وأما كلمة الرب فتنمو وتزيد (أع 12: 1-24).
ومرة ثانية استخرج الرب خيراً من وراء شر الإمبراطورية، إذ أبيدت النسخ الأصلية لئلا يعبدها البشر. أما كلمات الوحي ذاتها فبقيت صحيحة تماماً بالأدلة التي أوضحناها فيما سبق.
كان رجال الكنيسة، بكل أسف، على رأس الذين استخدمهم الشيطان في هذه الجولة. وكان هذا أثناء العصور المظلمة، والتي كانت مظلمة حقاً نظراً لاحتجاب نور كلمة الله عن الناس (إش 8 : 20). فلكي يحيط رجال الإكليروس أنفسهم بهالة خرافية من التقديس، وليوهموا الناس أنهم وحدهم الطريق إلى الله، فإنهم منعوا وصول الكتاب المقدس للشعب!!
لنا العذر إن لم نستطع أن نتصور الآن ماذا كان عليه الوضع في البلاد المسيحية في تلك العصور المظلمة. فمن يصدق أن الكنيسة وقفت بكل ثقلها ضد رجال الله الذين شرعوا في ترجمة الكتاب المقدس إلى لغاتهم، وحاربتهم حتى الموت!! ثم لما انتشر فن الطباعة، بدلاً من أن تفرح الكنيسة بهذا الأمر وتعتبره انتصاراً لها في نشر كلمة الله للنفوس، فقد عبر عن شعورها أحد القسوس في موعظة له قائلاً “يجب أن نستأصل الطباعة، وإلا فهي لا محالة ستستأصلنا”!! وحدث في سنة 1534 أن أُحرق 20 رجلاً وامرأة واحدة في باريس بتهمة طبع الكتاب المقدس!! ثم في سنة 1535 حصلت جامعة السربون على قرار بتحريم الطباعة!! لكن جاء هذا القرار متأخراً جداً.
يا للهول… الكنيسة عوض أن تكون أمينة لله ناشرة لكتابه، فإنها قد سجنته وأغلقت عليه، إلى الدرجة التي فيها كان أى ميل لإحياء الاهتمام بالمكتوب يشتّم منه رجال الدين رائحة هرطقة ويقاومونه بعنف. والويل لمن يُضبَط ومعه كتاب مقدس!! فلم يعد هناك من غذاء للعقول سوى خرافات مصنعة وتقاليد بشرية عقيمة.
هذا ما عمله البشر. لكن للرب كل المجد، فقد كان يعمل من وراء الستار ويمهد الطريق لنشر الكتاب المقدس بصورة لم تحدث من قبل. فلقد عرفت أوربا صناعة الورق عن طريق العرب؛ وكان ذلك أولاً في أسبانيا في القرن الثالث عشر، ثم انتقل منها إلى إيطاليا في القرن الرابع عشر. ثم اختُرعت آلة الطباعة بواسطة جوتنبرج في القرن الخامس عشر. ونحو عام 1457 ظهر أول كتاب مطبوع في العالم، وكان هو الكتاب المقدس كاملاً باللغة اللاتينية (الفولجاتا).
لكن قصة المقاومة للكتاب المقدس لم تنته. فلقد تجاسر عالِم تقي اسمه تندال على ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية، وكان وقتها مختبئاً في قلعة جوتنبرج مع رفيق الكفاح القديس لوثر. لكن رجال الكنيسة في إنجلترا كانوا له بالمرصاد، ورتبوا مكيدة أمكنهم بها خطفه وإعادته إلى إنجلترا ليحاكَم هناك بتهمة الهرطقة، وتم إعدامه حرقاً بالنار عام 1536. لكن تندال قبل إعدامه صلى على مرأى ومسمع من جلاديه “يا رب افتح عيني ملك إنجلترا”. ولقد استجاب الرب لصلاة تندال بطريقة لا تخطر على بال، وروت دماء ذلك الشهيد بذرة نشر الكتاب المقدس، إذ بعد ثلاث سنين فقط، أي عام 1539 وزِّعت طبعة جديدة للكتاب المقدس بإذن ملك إنجلترا. بل والأعجب أن ملك إنجلترا أيضاً أمر بالشروع في ترجمة للكتاب المقدس ترجمة دقيقة وعلى نفقة المملكة، وفي عام 1611 ظهرت أشهـر ترجمة للكتاب في كل العالم هي تلك المعروفة بترجمة كينج جيمس King James Version.
ورغم المقاومة الشديدة التي لاقاها الكتاب المقدس لكنه انتصر. واليوم يحتل الكتاب المقدس، بلا منازع، المركز الأول من حيث عدد النسخ المطبوعة منه واتسـاع دائرة انتشاره. وهناك الجمعيات العديدة المنتشرة فى كل أنحاء العالم لطبع وتوزيع الكتاب المقدس بأسعار رمزية كجمعيات الكتاب المقدس في العالم، أو بالمجان كجمعية الجدعونيين.
والعجيب أن الشيطان لا زال لليوم يحارب الكتاب المقدس ويمنع تداوله. فهناك دول تمنع دخول الكتاب المقدس إليها!! على أن الذين منعوا دخول الكتاب إلي بلادهم لم يقدروا أن يمنعوا موجات البث الإذاعي والتلفزيوني وكذا شبكة الإنترنت، من أن تحمل إلى الناس كلمة الله مقروءة ومشروحة بلغاتهم. وأثبت الله صحة قوله المعزى « كلمة الله لا تقيَّد » (2تي 2 : 9).
كانت هذه الكارثة أسوأ ما لطخ جبين البروتستانتية. فبعد أن نجحت في إخراج الكتاب المقدس من حبسه، فإنها حاولت بكبرياء وغرور أن تمزق الكثير من صفحاته بواسطة نقدها له!!
ولقد فهمنا في الفصل الخامس أن المقصود بعبارة النقد الأدنى هو امتحان المخطوطات القديمة لمعرفة تطابقها مع الأصول، وأيضاً دراسة اللغات القديمةلنحدد معاني الكلمات وقوة العبارات بدقة، وهو علم نافع ومفيد. أما النقد الأعلى فهو شر مريع، إذ فيه يجلس الإنسان على منصة القضاء ليفرز أقوال كتبة الوحي، ليقبل منها ما يراه صالحاً ويرفض الباقي!
ولقد كان الرائد الأول في هذا المضمار طبيب فرنسي متحرر الفكر، فاسد المسلك اسمه جان استروك. بدأ أعماله سنة 1753 بكتاب هاجم فيه سفر التكوين واعتبر أن استخدام الكتاب لاسمين مختلفين عن الله؛ هما إيلوهيم (المترجم الله)، ويهوة (المترجم الرب) دليل على أن كاتب هذا السفر استقى مادته من وثيقتين مختلفتين، كل واحدة منهما تعبر عن الله باسم مختلف.
تلقف الأستاذ إيخهورن من أصحاب المذهب العقلي في ألمانيا هذه الفكرة، وطورها إلى نظام ينكر وحي ووحدة سفر التكوين، ثم باقي أسفار موسى. وصاغ تعبير “النقد الأعلى Higher Criticism”. ولذا سُمى بأنه أبو النقد الأعلى. واستطاع أن يدخل إلى المؤسسات اللاهوتية في ألمانيا فكرة “أستروك” هذا.
تطورت فكرة النقد الأعلى بعد ذلك، فقسموا أسفار موسى إلى أربعة أو خمسة أو ستة أقسام (لأن كل فريق من النقد الأعلى لـه مدرسته)، فاعتبـروا أن هناك نسخة يهوية (نسبة إلى يهوه؛ أى أن الوثيقة تستخدم اسم يهوه) وهذه أقدم النسخ وكتبت نحو عام 950 إلى 850 ق.م. ورُمِز لها بالرمز J اختصاراً لكلمة Jehovah ، وبعض النقاد قسموا هذه الأصول إلى قسمين J1& J2 . والنسخة الثانية هي النسخة الإيلوهية (نسبة إلى إيلوهيم)، كتبت عـام 750 ق.م ورُمِـز إليها بالحرف E اختصاراً لكلمة Elohim. ثم بعد خراب السامرة جمع أحدهم النسختين معا وأخرج نسخة JE. ثم جاء آخـر وعمل نسخة تثنوية (نسبة إلى سفر التثنية) وسميت D اختصاراً لكلمة Deuteronomy، وهو سفر الشريعة الذي وجده يوشيا وهم يقولون إنه كتب في أيامه. ثم بعد ذلك كتبت النسخة القدسية أو قانون القدس نحو زمان حزقيال النبي، وأعطوا لها رمز H. اختصاراً لكلمة Holiness. وأخيراً النسخـة الكهنوتية أو قانون الكهنة وذلك على عهد عزرا (نحو عام 444ق. م) وأُعطيت الرمز P اختصارا لكلمة Priestly. ثم قام عدة كُتّاب بعمليات مزجٍ لتلك الوثائق، ولم تبلغ صورتها الحالية قبل عام 300 ق.م.
وبالأسف استولت هذه النظرية على عقول الآلاف من المفكرين في أوربا. علماً بأن أبا النقد هذا كان جاهلاً تماماً بالكتاب المقدس؛ كما شهد عنه زميل له وكافر مثله قائلاً “ليس من العسير أن نلاحظ أنه من وجهة النظر الدينية كان الكتاب المقدس بالنسبة لإيخهورن كتاباً مغلقاً”!!
هذان هما رائدا النقد الأعلى، والأصوب أن نسميه النقد الأعمـى: طبيب فرنسي شرير ومستبيح، وأستاذ ألماني غير مؤمن؛ أعمى و يقود أعمى! أما تلاميذهما فقد انتشروا في العالم المسيحي بطـوله وعرضه، وامتلأت بهم العديد من الكليات اللاهوتية، ونشروا العديد من المؤلفات التي فيها نقدوا كل شئ، وتطاولت أقلامهم فأنكروا نسبة الكتابات لأصحابها، وأنكروا زمن كتابة الأسفار، وأنكروا المعجزات والنبوات عموماً، بل وأنكروا الوحي بصفة عـامة. وعليهم تنطبق بحق كلمات يهوذا « هؤلاء.. غيوم بلا ماء تحملها الرياح، أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفاً مقتلعة، أمواج بحر هائجة مزبدة بخزيهم، نجـوم تائهة محفوظ لها قتام الظلام إلى الأبد » (يه12، 13).
أمام تيار الكفر هذا لم يكـن غريباً أن يهـزأ المفكرون في أوربا من هذا الكتاب، لكن الغريب حقاً أنه في نفس الفترة التي فيها زاد نقد الكتاب ورفـض المتفلسفين له، ارتفع توزيعه بصورة فائقة. لقد هزأ به فولتير؛ ذلك الفيلسوف الكافر الذي مات عام 1778 وقال “بقبضة يد واحدة سأحرر فرنسا من الكتاب المقدس”، لكن مطبعة ذلك المغرور، وبيته نفسه، عُرِضا للبيع بعد موتـه، واشترتهـما جمعية الكتاب المقدس، واستخدمتهما في طبع وتخزين الكتاب المقدس!
وحدث في يوم 24 ديسمبر 1933 أن اشترت الحكومة البريطانية من روسيا، النسخـة السينائية للكتاب المقدس (التي أشرنا إليها في الفصل الخامس) نظـير مبلغ نصف مليون دولار. وفى نفس ذلك اليوم بيعـت الطبعة الأولى لأعمال فولتير من مكتبات باريس بمبلغ 11 سنتاً!! ولقد قال صاحبنا هذا متهكماً “في خلال مائة عام سيختفي الكتاب المقدس من الأرض، ويدخل التاريخ”. ومـرت مائتي عام، فيها دخل فولتير التاريخ، أما الكتاب فلا زال حياً، ويهب الحياة لكل من يقرأه ويطيعه.
هذا هو كتاب الله، وهذه عجالة سريعة عن المقاومات التي واجهته على مر الدهور، لكنه صمد وانتصر.
« ها إنهم يجتمعون اجتماعـاً ليس من عندي. من اجتمع عليك فإليك يسقط … كل آلة صوِّرت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه » (اش54 : 15-17).
« لذلك كما يأكل لهيب النار القش، ويهبط الحشيش الملتهب ، يكون أصلهم كالعفونة ويصعد زهرهم كالغبار لأنهم رذلوا شريعة رب الجنود، واستهانوا بكلام قدوس إسرائيل » (إش 5: 24).
من القِدمِ، وسفرُ الحقِ باقي وجيلٌ يتلو جيلاً في سباقٍ
وتلك ممالكٌ ولدت وماتتْ وجف لموتِها دمعُ المآقي
ومازال الكتابُ الحيُ باقٍ كنهرٍ تمتلي منه السواقي
أباطرةٌ وأهلُ الكفرِ هموّا بفأسِ ضلالِهم يستأصلونَه
أشاعوا موتَه وأعدّوا قبراً لدفنِه، ثم قاموا يشيعونَه
وما يدرونَ أن به الحياةَ ويمنحُها لمن هم يقبلونَه
وأما الملحدون فزادوا هزءاً بقلبٍ رافضٍ قاسٍ عصيِّ
فكان لهم كما كانت قديماً عصا موسى لتبتلع العِصيِ
وتبقى وحدها للحقِ تشهدْ وتحكيه لدانٍ أو قصيِ
هو السندانُ لا يبليه طرقٌ وقد أبلى ملايين المطارقْ
ومهما فوّق الأشرارُ سهماً تكسّر فوق أتراسِ الحقائقْ
لئن كذبوا وإن سخروا فيوماً سيخزَون ويبقى الوحيُ صادقْ