قلق أبواي طوبيا
طوبيا وراعوئيل
وصية للزوجين
وصية العروس
قلق أبواي طوبيا:
أننا في الأعداد من (10: 1-7) نجد أبواي طوبيا في أقصى حالة من حالات القلق. فهى نقطة ضعف طوبيت. حيث تعلقه العاطفى بابنه شديد للغاية، ولكن لابد الأخذ في الاعتبار أن العاطفة الأبوية لدى الشرقيين شديدة جدًا.
وهذا ما نلاحظه على سبيل المثال مع داود النبي عندما قام أبشالوم بالتمرد عليه، وقيامه بمحاولته الفاشلة لانقلاب الحكم فنجد داود النبي والملك يوصى يوآب وأبيشاى – وهم رؤساء جيوشه – قائلًا لهم: “ترفقوا لى بالفتى أبشالوم (2صم 5:18)”. ولذلك نجد داود يحزن جدًا عندما علم بمقتل ابنه أبشالوم وأنزعج. “وصعد إلى علية الباب وكان يبكى ويقول هكذا وهو يتمشى: يا ابني أبشالوم يا ليتنى مت عوضًا عنك يا ابشالوم ابني يا ابني (2صم 33:18)”. مع العلم أن داود في ذلك الوقت كان له أبناء كثيرين. وهذا ما نلاحظه أيضًا مع يعقوب أب الأسباط حينما حزن جدًا على فقدانه يوسف. ومزق ثيابه وضع مسحًا على حقويه وناح على ابنه أيامًا كثيرة. وعندما جاء إليه جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه أبَى أن يتعزى وقال إنى أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية وبكى عليه أبوه (تك 37: 34، 35). ويتضح ذلك أيضًا عندما حُجِزَ شمعون في مصر – عندما قاموا بشراء قمح من مصر في وقت المجاعة – فقال لهم: “أعدمتمونى الأولاد يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه، صار كل هذا علىّ (تك42: 36)”.
ولذلك نجد السيدة العذراء مريم تؤنب السيد المسيح عندما جلس في الهيكل بين رؤساء الكهنة والكهنة بدون علمهما، واضطرا لذلك أن يرجعا من الطريق للبحث عنه هي والقديس يوسف النجار قائلة له “يا ابني لماذا فعلت بنا هكذا؟! هوذا ابوك وأنا كنا نطلبك معذبين (لو2: 48)”.
فإن كان كل هذا الحزن ويوجد أبناء أخر فكم بالحرى يكون القلق لفقدان ابن وحيد وليس ذلك فقط ولكنهم في أشد الاحتياج إليه معنويًا ونفسيًا ووجدانيًا. فينبغي لنا ألا نلومهم على قلقهم، وخاصة ان الشرقيين يحبون أن يكون الأولاد لهم عزوة وأولادهم يحيطون بهم.
ونجد أن طوبيت يحاول أن يخفف من قلقه على ابنه بأن يجد له بعض الأعذار مثل موت غابليوس، أو من يرد المال في مثل هذه الحالة، ونجده يشجع زوجته لكي تطمئن من جهة ولدهما وذلك بالتركيز أن الإنسان الذي صاحبه في الطريق هو ثقة لذلك. ويؤكد لها بإحساسهُ الأبوي أنه سيرجع سالمًا بمشيئة الله الذي يحميه بملائكته. أما هي فأبت أن تتعزى وكانت تقف كل يوم على قارعة الطريق لعلها تراه قادمًا.
طوبيا وراعوئيل:
في الأعداد (طو 10: 8-11) نجد راعوئيل وهو يحاول أن يجعل صهره طوبيا يمكث معه لفترة أكبر معلنًا فرحه بإنهاء التجربة التي بسببها تألم كثيرًا. ولكن طوبيا الذي يعلم بحال أبويه يكتفى باسبوعى العرس، ويصمم على العودة لكي لا يتأخر أكثر من ذلك، لكي لا يكون سبب حزن أبويه اللذان لا يعلما شيئًا عن أخباره.
ليتنا نتعلم من طوبيا كيف لا ننسى أنفسنا وقت فرحنا. وخاصةً إن كان يسبب بصورة مباشرة أو غير مباشرة حزنًا للآخرين.
وهنا نجد العلاقة الأسرية في أجمل صورها فالأب والأم قلقين على ابنهما الغائب. والابن يريد بأقصى ما له من قوة أن لا يكون سبب حزن لهما. بل سبب فرح وعزاء وراحة.
وعندما يجد راعوئيل أن إلحاحه لا يأتى بأدنى فائدة مع طوبيا المصر على العودة لأسرته فيعطيه زوجته سارة، ونصف أمواله كلها من غلمان وجوار ومواش وإبل وبقر وفضة كثيرة. فمِنْ العادة أن نجد الوالدين يدخرون لأجل أبنائهم ويساعدوهم في تأسيس حياتهم الجديدة. ولذلك نجد معلمنا بولس الرسول يقول: “لأنه لا ينبغى أن الأولاد يذخرون للوالدين بل الوالدون للأولاد. وأما أنا فبكل سرور أنْفِق وأنْفَق لأجل انفسكم وإن كنت كلما أحبكم أكثر ۥأحَبُ أقل فليكن (2 كو12: 14، 15)”.
وإن كان على الأولاد أن يساعدوا والديهم إن كانا في احتياج لذلك، ولهذا يقول: “إن كان أحد لا يعتنى بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن (1تى 8:5)”. فنجد بتوئيل يعطى لابنته رفقة مرضعتها كجارية لها (تك 59:4) ونجد لابان يعطى لليئة بنته زلفة جارية لها ولراحيل بنته بلهة جارية لها أيضًا (تك 29: 29،24).
ونلاحظ أن راعوئيل يقوم بالدعاء إلى الله لكي يرافق طوبيا ملاك السلامة لكي يحفظهم في طريقهم ويصلا سالمين. وأن يريا أبويهما بخير وعافية، ولم يكتف بذلك فقط بل يطلب لأجل أن يرى بنيهما قبل وفاته. ونجد أن الله أستجاب لطلبه هذا وليس ذلك فقط وانما أعطاه أن يرى أبناء حفدته أيضًا (قارن طو 14: 15،14).
وصية للزوجين:
وأقبل الوالدان على ابنتهما يقبلانها ثم صرفاها وأوصياها أن تكرم حمويها وتحب بعلها وتدبر عيالها وتسوس بيتها، وتحفظ نفسها غير ملومة (طو 10: 12، 13)”.
ونجد أن النسخة القبطية تزيد على ذلك وصية للزوج قائلة: “وقالت امرأته لطوبيا: يا ابني المحبوب فليثبت أمورك رب السماء ويعطينى أن أرى لك أولادًا من سارة ابنتى لأبتهج أمام الرب. وها إنى أسلمك ابنتى فلا تحزنها. وبعد هذا سار طوبيا مباركًا لله لأنه سهل طريقه”.
أننا نجد صدى هذه الوصية في تعاليم كل من مار بولس الرسول ومار بطرس الرسول فمثلًا نجده يقول في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس وهو يوصيه من أجل الأرامل: “فأريد أن الحدثات يتزوجن ويلدن الأولاد ويدبرن البيوت ولا يعطين علة للمقاوم من أجل الشتم (1 تى5: 14)”، ويقول لتلميذه تيطس لنجاح خدمة المسنات: “لكى ينصحن الحدثات أن يكن محبات لرجالهن ويحببن أولادهن متعقلات عفيفات ملازمات بيوتهن صالحات خاضعات لرجالهن لكي لا يجدف على كلمة الله (تى 2: 4، 5)”. قارن أيضًا (1بط 3: 1- 6).
يا ليت أمهات اليوم أن يكن على هذه الدرجة من الوعى التربوى حيث نجد الأم تلفت نظرها إلى أكرام حمويها حيث تجعلها بداية وصيتها وافتتاحيتها.
كم من زوجة الآن تنظر إلى حماتها كمن ينظر إلى غريمه؟!!! ويجول بينها وبين حماتها صراع مرير حول كيفية اجتذاب الزوج إلى أحد الطرفين. فالأم تنظر إليه من حيث أنه ابنها الذي تعبت كثيرًا في تربيته، والزوجة تنظر إليه على أساس أنه ملكها ولا يحق لأحد أن يشاركها في همومه وأفراحه سواها. ولكن الزوجة العاقلة تنظر إلى نفسها كواحد مع زوجها وبالتالي فهى ابنة لحماتها تشركها معها في شئونها وحياتها وتعرف منها كيف تربح زوجها لأنها تعلم أنها أمه وتفهم نفسيته أكثر منها على الأقل في الوقت الحالى.
ونجد سفر الأمثال يصف المرأة الفاضلة ويقول عنها: “بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى الغنيمة. تصنع له خيرًا لا شرًا كل أيام حياتها تطلب صوفا وكتانا وتشتغل بيدين راضيتين هي كسفن التاجر، تجلب طعامها من بعيد وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلًا لأهل بيتها وفريضة لفتياتها تتأمل حقلًا فتأخذه، وبثمر يديها تغرس كرمًا تُنَطِق حقويها بالقوة وتشدد ذراعيها تشعر أن تجارتها جيدة. سراجها لا ينطفئ في الليل تمد يديها إلى المغزل، وتمسك كفاها بالفلكة تبسط كفيها للفقير، وتمد يديها إلى المسكين لا تخشى على بيتها من الثلج، لأن كل أهل بيتها لابسون حللًا تعمل لنفسها موشيات. لبسها بوص وأرجوان، زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض تصنع قمصانًا وتبيعها، وتعرض مناطق على الكنعاني العز والبهاء لباسها، وتضحك على الزمن الآتي تفتح فمها بالحكمة، وفي لسانها سنة المعروف تراقب طرق أهل بيتها، ولا تأكل خبز الكسل (أم 31: 10-27)”.
ونلاحظ أن سفر طوبيا هو أساس طقس ليتروﭽية الزيجة. فلذلك نجد أن الوصية أيضًا تتفق تمامًا مع الوصية التي تقدمها الكنيسة للعروسين، وتكاد أن تكون بالنص فيقول الكاهن للعريس: “يجب عليك أيها الابن المبارك المؤيد بنعمة الروح القدس أن تتسلم زوجتك في هذه الساعة المباركة بنية خالصة ونفس طاهرة، وقلب سليم، وتجتهد فيما يعود لصالحها، وتكون حنونًا عليها وتسرع إلى ما يُسِر قلبها. فأنت اليوم المسئول عنها بعد والديها وقد تكللتما بالإكليل السمائى والزيجة الروحانية وحلت عليكما نعمة الله ومتى قبلت ما أوصيت به، أخذ الرب بيدك وأوسع في رزقك. ويرزقك أولادًا مباركين يُقِرّ الله بهم عينيك، ويمنحك العمر الطويل والعيش الرغد ويحسن لك العاقبة في الدنيا والآخرة”.
وكذلك توصى العروس قائلة لها:
” وأنت أيتها الابنة المباركة العروس السعيدة قد سمعت ما أوصى به زوجك، فيجب عليك أن تكرميه وتهابيه، ولا تخالفى رأيه بل زيدى في طاعته على ما أوصى به أضعافًا، فقد صرت اليوم منفردة معه وهو المسئول عنك بعد والديك. فيجب عليك أن تقابليه بالبشاشة، والترحاب، ولا تضجرى في وجهه، ولا تضيعى شيئًا من حقوقه عليك وتتقى الله في سائر أمورك معه. لأن الله تعالى أوصاك بالخضوع له وأمرك بطاعته بعد والديك..”. فيا ليت كل زوج وزوجة يقرأن ليتورﭽية سر الزيجة في يوم عيد زواجهما لكي لا ينسى أحدهما واجباته نحو شريك حياته.