فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلرَّبِّ: أَخْطَأْنَا …
فَضَاقَتْ نَفْسُهُ بِسَبَبِ مَشَقَّةِ إِسْرَائِيلَ
( قضاة 10: 15 ، 16)
في أيام حُكم القضاة اندفعت الأُمة كلها بحماسة هائلة إلى الشرور الفظيعة وإلى دناسة أوثان تلك الأُمم التي كان عليهم أن يطردوهم من أمامهم. ومثل آدم في الجنة، ومثل نوح في الأرض المُجدَّدة، هكذا إسرائيل في أرض كنعان خاب خيبة تامة. آدم أكل من الشجرة المَنهي عنها، ونوح سَكر وتَعرَّى، وإسرائيل سجد أمام مذابح البعل.
ولكن شكرًا لله إذ هناك ناحية أخرى للصورة. لأن الله سيبقى هو الله، فلا يهم ما يمكن الإنسان أن يُثبِته عن نفسه. الله يبقى أمينًا. هنا حصن الإيمان مهما تكن الظروف. يجب أن يكون الله دائمًا محط الآمال، بالرغم من فشل الإنسان وقصوره الكُليين. فطيبة الله وأمانته هما معين النفس وملجأها في أظلم حالات التاريخ البشري.
لقد فشل إسرائيل فشلاً مُحزنًا ومُخجلاً، وبلا عذر، فأسلَمهم الله بعدلٍ إلى أيدي ملوك كنعان التي لا تُشفق. ولكن قلب يهوه قَدر أن يحِّن على إسرائيله المسكين المظلوم الذي كان يئن. صحيح أنهم أثبتوا أنهم أردياء لا يستحقون شيئًا، ومع ذلك فأُذنُهُ كانت مستعدة أن تُمسِك بباكورة وأوائل أنينهم، نعم فإن الوحي يُخبرنا أنه: «ضاقت نفسُهُ بسبب مشقة إسرائيل» (ع 16).
يا لها من كلمات مؤثرة! ويا لها من رقة جذابة! ويا لها من عواطف عميقة! كم تُدخلنا مثل هذه العبارة إلى عميق أعماق قلب الله! فمشقة شعبه حرَّكت قلب يهوه المُحب، وأول وأضعف علامات الانكسار والتذلُّل من جانب إسرائيل تُقابَل بإجابة سريعة ورحيمة من جانب إله إسرائيل، فلم يهم إلى أي حد قد ضلُّوا، ولا إلى أي عمق قد هَووا، ولا إلى أي شر قد انحطوا، فالله كان دائمًا على استعداد أن يتقبَّل بترحاب أضعف تأوهات القلب الكسير.
إن ينابيع الرحمة والعواطف الإلهية لا يمكن أن تنضب، ومحيط محبته لا يُحَد ولا يُسبَر غوره، ولهذا ففي اللحظة التي فيها يأخذ شعبه موقف الاعتراف، يدخل هو إلى مكان الغفران. هو يُسَرّ أن يغفر، نسبةً لاتساع قلبه، ولمجد اسمه، ويجد سروره الخاص في محو الذنوب وفي إرجاعنا ومباركتنا بكيفية جديرة به. هذا الحق المجيد يسطع في تاريخ إسرائيل، ويسطع في تاريخ الكنيسة، ويسطع في تاريخ كل مؤمن فرد.
فهو يُجيبُ المُرتجي
ويُظهِرُ كلَّ الرضا لا يذكرُ شرّ الخطا
ويصفحُ عمَّا مضى.
.