عاموس والشرور الاجتماعية

عاموس والشرور الاجتماعية

هاجم عاموس الشرور الاجتماعية التى أبصرها فى إسرائيل ، هجوماً عنيفاً صريحاً لاذعاً ، وهذه الشرور الاجتماعية ليست قاصرة على إسرائيل القديمة ، إذ أن جرثومتها تكمن فى أعماق النفس البشرية الخاطئة ، ولذلك ما أكثر ما نراها فى قصة التاريخ فى الشرق والغرب معاً ، وما أكثر ما تراها – على وجه أدق وأخص – قبيل سقوط الدول العظيمة ، فالذين قرأوا تاريخ سقوط الدولة الرومانية القديمة ، أو الثورة الفرنسية ، أو الثورة الشيوعية يعلمون أن جميع هذه الدول سقطت بسبب نفس الشرور التى هاجمها عاموس قديماً .. والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون ، ولذا سنرى :

عاموس والشهوات الحسية

عاموس والشرور الاجتماعية

إن أقسى مأساة تصاب بها أمة أو أسرة أو فرد ، هى الاستسلام للشهوات الحسية العالمية ، وقد انغمس إسرائيل فى هذه الشهوات إلى آخر مدى ، وليس أدل على ذلك من إنحراف الطبقة الأرستقراطية من النساء والرجال وراء جميع المتع واللذات ، وها عاموس فى الأصحاح الرابع من سفره يدعو النساء « بقرات باشان » إذ أبصرهن يرتعن كالبهائم دون فهم أو عقل أو إدراك ، فى رياض المتعة والشهوة والشرور ، بل كن يحرضن أزواجهن على الطاس والكأس ، وفى الأصحاح السادس يتحدث عما يصحب هذا الإغراق الحسى من آثام ودنايا … فساسة صهيون والرؤساء فى جبل السامرة ، والنقباء فى أفضل مملكة فى الأرض ، الذين يأتى إليهم بيت إسرائيل ، يلتمسون الرأى والمعونة والإرشاد والمشورة ، هؤلاء قد استكانوا إلى الراحة والأطمئنان والكسل والجمود ، وإهمال الواجب … ولم ينتهوا إلى هذا فحسب بل نسوا العبرة التى كان يمكن أن تأتى إليهم ممن سلكو ا ذات السبيل قبلهم من الأمم المجاورة ، وخربوا وهلكوا وضاعوا .. « أعبروا إلى كلتة وانظروا واذهبوا من هناك إلى حماة العظمة ثم انزلوا إلى جت الفلسطينيين » ” عا 4 : 2 ” ثم تأمل رعونتهم وحمقهم وغباوتهم إذ « يبصرون يوم البلية » بمثل ما تفعل النعامة الحمقاء المطاردة الهاربة المعيية ، عندما تدفن فى الرمال رأسها لتبعد عنها سهم الصياد وقوسه ، … وانظر إليهم وقد أصيبوا بالبطنة ، فهم يتهالكون على الطعام : « الآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة » ” عا 4 : 4 ” ومثل هؤلاء ، ليس أمتع إلى نفوسهم أو أحلى من جلسات الغناء الماجنة الخليعة : « الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود . الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان » ” عا 4 : 5 و 6 ” مع الجمود التعس عن الإحساس بالمسئولية وآلام الآخرين : « ولا يغتمون على انسحاق يوسف » … وهل يفعل الإغراق فى الشهوات الحسية فى كل الأجيال والأمم والجماعات والأفراد ، غير ما فعل أيام عاموس ؟ وأليست الشراهة والدعارة ، والبلادة والاستهتار ، والإستباحة والحيوانية ، والضعة والبوهيمية ، وجمود الفكر تبلد الشعور والضمير ، هى الظواهر التى تصاحب عادة وأبداً – عابدى الجسد وأسرى البطن والشهوة واللذة ؟ !! ..

هل تبحث عن  الكاثوليكون من رسالة معلمنا يعقوب ( 5 : 9 - 20 )

عاموس والظلم

عاموس والشرور الاجتماعية

وهل يمكن للشهوات أن تنمو فى تربة دون أن يتبعها الظلـــــم ؟ ، والظلــــم الرهيب الصارخ القاسى ؟؟ ! وقد صدر هذا الظلم أول ما صدر عن المرأة ، المرأة التى كان ينبغى أن تكون شعاراً للحنان والرقة والعطف ، فبقرات باشان يصفهن عاموس بالقول : « الظالمة المساكين الساحقة البائسين » ” عا 4 : 1 ” وأغلب الظن أن نساء إسرائيل قد ظلمن هؤلاء المساكين البائسين عن طريق أزواجهن وقد قسا الرجال بدورهم حتى كان يبلغ هذا الظلم مرتبة الإفناء : « المتهمون المساكين لكى تبيدوا بائسى الأرض » “عا 8 : 4 ” وقد صاحب هذا الظلم الكثير من الآثام والدنايا والشرور ، فالرؤساء قبلوا الرشوة ، ومن ثم تفشى فى القضاء الاعوجاج ، ولم يستطع المسكين البائس أن يقف على قدميه ، فجاع وتعرى ، وبيع بثمن بخس رخيص : « الضعفاء بفضة والبائـــس بنعلين » ” عا 8 : 6 ” وغمر الغش الأسواق ، لنصغر الإيفة ونكبر الشاقل وتعوج موازين الغش » “عا 8 : 5 ” كان ظلمهم الأكبر لنفوسهم وللحياة وللواجب ، هو طرحهم اللّه وراء الظهر ، وضياع العبادة الحية الحيقية الكريمة .

عاموس والعقاب القاسى

عاموس والشرور الاجتماعية

وهذا ينتهى بنا آخر الأمر ، إلى ما أعلنه عاموس عن العقاب الإلهى … فالإله العادل القدوس ، هيهات أن يسكت أو يتغاضى أو يرضى عن آثام الناس وشرورهم ، أو كما قال أحدهم : « قد ينجو الناس من العقاب البشرى كثيراً ، فالعدالة البشرية ، إذ هى بشرية ، بعيدة عن الكمال ، ومع ذلك فإن من لا ينجون من هذا العقاب أكثر كثيراً ممن ينجون ، وقد يتأخر العقاب ، ولكنه سيأتى فى صورة ما ، بهذه الكيفية أو بتلك ، ولنفرض أن الناس نجوا من العقاب البشرى ، فهل يمكن أن ينجوا من مواجهة الضمير؟ ، … وإذا أمكنهم إسكات الضمير ، فهل يمكنهم أن يخلصوا أولادهم من نتائج ما ارتكبوا من خطايا وشرور ؟؟ .. كلا ، فليس هناك من نجاة .. » … لأن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فساداً ، … وقد زرع الإسرائيليون فحصدوا ، وحصدوا حصاداً قاسياً شديداً ، فقد جاءتهم الساعة التى تحول فيها كل مجدهم وعزهم إلى الهوان والجوع ، والخوف والشقاء ، فأين أيام بقرات باشان !! ؟ . لقد أخذن بخزائم فى الأنوف، وأخذت ذريتهن بشصوص السمك ، ومن الشقوق خرجن إلى السبى والعار والتعاسة والفجاعة ، … وهكذا أيضاً سادة صهيون ونقباء السامرة الذين ألفوا الناعمات نراهم وقد سيقوا سوق الماشية إلى السبى والعار والتشريد !! ..

هل تبحث عن  مثل الخمر الجديدة والأوعية العتيقة

جاء تغلث فلاسر ملك آشور وقضى على بيت إيل ، وجاء بعده شلمناصر وأخذ السامرة ، … وعندما تبدأ أمة حياتها بالأصنام ، كما بدأ يربعام بعجول الذهب ، فإنها – إن آجلا أو عاجلا – ستتحطم هى وأصنامها معاً كما حدث لإسرائيل عام 722 ق. م. وليست إسرائيل وحدها بل كل أمم الأرض كما تشهد وتؤكد فصول التاريخ !! … أو كما قال أحدهم : عندما لم يبق فى قرطاجنة سوى الغنى الفاحش ، والفقر الذريع ، سقطت قرطاجنة تحت أقدام الرومان ، وعندما نسيت روما هذا الدرس وتلاشت منها الطبقة المتوسطة سقطت عند أقدام الغزاة البرابرة الذين وفدوا إليها من الشمال !! .. هل لنا – كأفراد أو جماعات أو أمم – أن نطلب طلبة أجور ابن متقية مسا : « اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عنى قبل أن أموت : أبعد عنى الباطل والكذب لا تعطنى فقراً ولا غنى ، أطعمنى خبز فريضتى لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب ، أو لئلا أفتقرو أسرق وأتخذ اسم إلهى باطلا » ” أم 30 : 7 – 9 ” .

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي