عندما وصف الله نينوى بأنها مدينة عظيمة، لم يكن ينظر إلى جهلها وخطيئتها،
أنما كان ينظر في فرح شديد إلى عمق توبتها.
* كانت نينوى سريعة في استجابتها لكلمة الرب:
إن أهل سدوم عندما أنذرهم لوط بغضب الرب، استهزءوا به ” وكان كمازح في وسط أصهاره” (تك 19: 14). أما أهل نينوى فأخذوا يونان بجدية فائقة الحد، واستجابوا للكلمة بسرعة. على الرغم من مهلة الأربعين يوما التي كان يمكن أن تستغل للتراخي والتهاون.. لقد كانت كلمة الرب فيهم سريعة وحية وفعالة وأمضى من سيف ذي حدين.
“فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد، ونادى وقال: «بعد أربعين يوما تنقلب نينوى»” (يونان 3: 4)
“فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد، ونادى وقال: «بعد أربعين يوما تنقلب نينوى»” (يونان 3: 4)
وكان أهل نينوى في هذه الاستجابة السريعة أعظم من اليهود الذين عاصروا السيد المسيح الذي هو أعظم من يونان بما لا يقاس ورأوا معجزاته العديدة، وشاهدوا روحانيته التي لا تحد، ومع ذلك لم يتوبوا، فوبخهم الرب بأهل نينوى (متى12: 14).
* كانت كلمة الرب لآهل نينوى كلمة مثمرة، أتت بثمر كثير عجيب:
أول ثمرة لها هي الإيمان “فآمن أهل نينوى بالله”.
وثاني ثمرة لآهل نينوى كانت انسحاق القلب الصادق، المتذلل أمام الله. وهكذا “لبسوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم”. والمسموح ملابس خشنة من شعر الماعز..، دليل على التذلل وعلى الزهد ورفض مغريات العالم.. حتى ملك نينوى نفسه: خلع رداءه الملكي، وتغطى بالمسوح، وقام عن عرشه، وجلس على الرماد..
ونظر الله إلى هذه المدينة المتضعة، وتنسم منها رائحة الرضى. “فالذبيحة لله هي روح منسحق. القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله” (مز 50).. حقا ما أعجب هذا المنظر الفريد في نوعه.. أن نرى مدينة بأسرها منسحقة في التراب والرماد، متذللة في المسوح، من الملك إلى الطفل الصغير.. حتى البهائم، تغطت أيضًا بالمسوح..!
وكان من ثمار كلمة الله فيها أيضًا: الصوم والصلاة.. نادت المدينة بصوم عام للكل
. فلم يذق الناس شيئًا.. وحتى البهائم والبقر والغنم، لم ترع ولم تشرب ماء.
لم يرد الناس أن ينشغلوا بإطعام بهائمهم حتى يتفرغوا للعبادة وللتضرع إلى الله.. وهكذا مزجوا صومهم بالصلاة و”صرخوا إلى الله بشدة”..
على أن أهم ثمرة لأهل نينوى كانت هي التوبة.. التوبة قادتهم إلى الإيمان
، إذ كانت الخطية هي الحائل بينهم وبين الله. ومن ثمار التوبة فيهم كان التذلل والصوم ولبس المسوح والصراخ إلى الله. كانت توبة صادقة بكل معنى الكلمة، توبة جادة بكل مشاعر القلب، فيها ”
رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم”.
وبهذه التوبة استحقوا رحمة الله، فعفا عنهم جميعا وسامحهم، وقبلهم أليه وضمهم إلى خاصته. وفي هذا يقول الكتاب ” فلما رأى الله أعمالهم، أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” “(يون 3: 10).
لم يقل الكتاب “لما رأى الرب صومهم وصلاتهم وتذللهم” بل قال “لما رأى أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة”. كانت التوبة إذن هي سبب رحمة الرب لهم. وكان صومهم وصلاتهم وتذللهم مجرد ثمار للتوبة..
*أود في هذه المناسبة أن أقف قليلا عنده عبارة هامة قيلت في توبة نينوى وهي أنها “تابت بمناداة يونان”..