على جبل التجلي
* التقى الناموس والأنبياء مع ابن داود صاحب المزامير، أو مع الملك الحقيقي ابن داود الذي قال عنه الملاك: “ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية” (لو1: 32، 33).
* التقى موسى كاتب الناموس، وإيليا النبي العظيم مع المسيا مخلّص العالم. فما أروعه لِقاء.
* التقى مَنْ رقد ميتًا على الرجاء، ومعه مَنْ صعد حيًا إلى السماء مع مَن مات وقام وصعد إلى أعلى السماوات بعد أن قهر الموت، وحرر البشر من سلطانه.
* التقى الناموس والأنبياء مع مشتهى الأجيال، فوق كل حواجز الزمان والمكان.. في لقاء يحوطه مجد الآب.. في سيمفونية الخلاص والفداء.. في حديث ملئه الرجاء، عن خروج الكلمة المرسل من السماء، ليصنع خلاصًا كاملًا في أورشليم. حسب ما ذكره القديس لوقا في إنجيله عن واقعة التجلي إذ قال: “وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا. اللذان ظهرا بمجدٍ وتكلّما عن خروجه الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم” (لو9: 30، 31). والمقصود “بخروجه” أي أنه “خرج وهو حامل صليبه” (يو19: 17) في طريقه من أورشليم إلى الجلجثة لإتمام الفداء. وبهذا يتضح أن الحديث الذي دار بين موسى وإيليا وبين السيد المسيح على جبل التجلي كان بشأن الصليب.
على جبل التجلي
على جبل التجلي أظهر السيد المسيح كيف يمكن أن يجتمع الكل حول شخصه باعتباره الرب الفادي والمخلّص. وكيف يتقوى الجديد “الرسل” بالقديم “الأنبياء”. وكيف تجتمع الأزمنة انطلاقًا نحو الأبدية بمعرفة يسوع المسيح ابن الله الوحيد.
لهذا جاء إعلان الآب من المجد الأسنى فوق الجبل عن ابنه “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا” (مت17: 5).
كل هذه الإعلانات المختصة بالفداء والأبدية أراد الرب أن يتركها لنا، ولكنه مع ذلك أوصى تلاميذه الذين عاينوا مجد التجلي قائلًا: “لا تعلموا أحدًا بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات” (مت17: 9).
كان الرب يصنع الكثير لأجلنا، ولأجل ثباتنا في الإيمان، ولكنه لم يرغب في هذه الأمور إطلاقًا بدافع التباهي أو التظاهر.
لقد صُلب السيد المسيح على مرأى من الجميع بكل ما في الصلب من هوان وعار. ولكنه آثر أن يقوم ويدخل إلى مجد القيامة في هدوء ولا يراه قائمًا إلا تلاميذه المؤمنون به فقط. فكان متضعًا في قيامته كما علّمنا قداسة البابا شنودة الثالث.
وهكذا أيضًا لم يشاهد واقعة التجلي سوى ثلاثة من تلاميذ السيد المسيح ليكونوا شهودًا على ما جرى مثلما صاروا شهودًا للقيامة فيما بعد.
وحتى حينما اعترف بطرس والتلاميذ بألوهية السيد المسيح “أنت هو المسيح ابن الله الحي” (مت16: 16)،فإن السيد المسيح قد أوصى تلاميذه: “أن لا يقولوا لأحد إنه يسوع المسيح” (مت16: 20) “من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم” (مت16: 21) وكأن السيد المسيح لا يرغب في تعطيل الصليب، لأن معرفة ألوهيته سوف تتأكد بالأكثر حينما يقهر الموت بالصليب، منتصرًا عليه في قيامته المحيية.
وقد صعد السيد المسيح إلى جبل التجلي بعد ستة أيام فقط من حديثه للتلاميذ عن صلبه وآلامه، ليؤكد لهم صدق كلام الأنبياء الذين تنبأوا عن تفاصيل كثيرة تخص هذه الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها.
في كل ذلك كان حريصًا أن يحتفظ بأسرار أمجاده الإلهية، فلا تُعلَن للناس إلا بعد إتمامه الفداء، وذهابه إلى أبيه السماوي بتركه لهذا العالم الحاضر، الذي لم يطلب فيه مجدًا من الناس لأن مجده الحقيقي هو عند الآب الذي أرسله.
عجيب أنت يا رب في تواضعك من يقدر أن يصفه!
هل تبحث عن  معجزات البابا كيرلس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي