مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَنِ، جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا
( نشيد 5: 12 )
هذا التعبير العجيب عن عيني ذلك الحبيب «مغسولتان باللبن» غريب على مسامعنا، وهذا صحيح. فهو غير شائع لدينا الآن، لكنَّه لم يكن كذلك قديمًا، فعندما كان يُراد إثبات طهارة ونقاوة شيء ما كان يُذكَر أنَّه مغسول باللَّبن. وقد استخدم أيوب هذا التعبير وهو يحاجّ أصحابه مُثبِتًا لهم نقاوة سلوكه وتصرفاته، إذ يقول لهم: «إذ غسلتُ خطواتي باللبن» ( أي 29: 6 ). والمغزى من هذا التعبير، أنَّ اللَّبن يتميَّز ببياضه الناصع ( تك 49: 12 ؛ مرا4: 7)، ولذلك أيَّة شائبة تعلَق به، تُعكِّره تمامًا، وتبدو ظاهرة فيه. وكأنَّ أيوب أراد أن يقول: “لو أنَّ خطواتي (أي سلوكي وأفعالي) غُسِلت باللَّبن، سيظل اللَّبن صافيًا رائقًا مِمَّا يُثبت طهارة ونقاوة أفعالي”!
ومن هذا نقول إنَّ قصد العروس وهي تَصِف عينا العريس، بأنَّهما مغسولتان باللَّبن، أنَّهما طاهرتان تمامًا، ليس فيهما أية شائبة على الإطلاق. وبذلك نستطيع القول: “إن عيني الرب لا تحتاجان أن تُغسَلا بالماء، ليُطهِّر (حاشا)، بل أن تُغسلا باللبن، ليبرهِن”!!
وجدير بالملاحظة، أنَّ أيوب وهو يتحدَّى أصحابه، أشار إلى غسل خطواته (أي أفعاله الخارجية) باللَّبن، ولم يستطع أن يُشير إلى غسل عينيه باللَّبن (والتي تُعبِّر عن الانعكاسات الداخلية في الكيان الإنساني)، فرغم أنَّه صاحب المقولة المشهورة: «عهدًا قطعتُ لعينيَّ، فكيفَ أتطلَّعُ في عذراء؟» ( أي 31: 1 )، إلاَّ أنَّه لم يجسر أن يقول إنَّه غسل عينيه باللَّبن، فمَن ذا الذي يجسر أن يدَّعي أنَّ عينيه لم تُبصرا قطّ أي شيء غير طاهر؟ واحدٌ فقط هو الذي يمكنه أن يقول ذلك، والذي وقف يومًا وتحدَّى سامعيه قائلاً: «مَن منكم يُبكِّتني على خطية؟» ( يو 8: 46 ). وإذ يُدرك حبقوق ذلك نسمعه يخاطبه قائلاً: «عيناكَ أطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور» ( حب 1: 13 ).
ما أروع جمال الرب، فهو حقًّا «حَلقُهُ حلاوةٌ وكُلُّهُ مُشتهيات» ( نش 5: 16 )، ليتنا نزداد تفرُّسًا فيه، فنستطيع آنذاك أن نُخبر عنه، ونسرِد مع العروس أوصاف جمال ذاك الذي هو أبرع جمالاً من بني البشر.
دعونا كلَّما نرى ذلك الطائر البديع، الحمام، نتفكَّر في ما سُطِّر عنه في كلمة الله، وما أكثره، فنحصد من وراء ذلك كثير من التعزية والتشجيع، والتحريض، والتعليم. .