غمالائيل



“فقام فى الجمع رجل فريسى اسمه غمالائيل
معلم للناموس مكرم عند جميع الشعب ”
(أع 5: 34)

غمالائيل وامتيازاته

لم يكن غمالائيل شخصاً عادياً فى جيله وعصره ، بل كان واحداً من أعظم الشخصيات التى تركت طابعها العميق فى حياة الأمة والآخرين !! … ولعل امتيازاته المتعددة كان من أظهرها :

البيت العظيم

ولد غمالائيل فى بيت من أعظم البيوت اليهودية ، إذ كان جده هليل من أعظم المعلمين وأصحاب المدارس الدينية الفكرية فى إسرائيل ، والبيت لا يمكن إلا أن يترك طابعه العميق فى حياة الإنسان ، وعلماء الاجتماع يدرسون بعمق أثر البيت فى حياة الصغير، وقد أراد أحد أساتذة الاجتماع فى جامعة من جامعات الغرب أن يتعرف على مدى هذا التأثير فتنكر ، وعاش بين أبناء الشوارع الذين هجروا بيوتهم، عندما ضاقوا بها ، وضاقت بهم ، وقد راعه أن هؤلاء الأولاد لا يحبون قط الحديث عن بيوتهم ، وعلى العكس من ذلك قال كامبل مورجان الواعظ العظيم ، ” أذكر وهى ذكرى لا تزال ماثلة فى ذهنى ، أنى عندما تزوجت زارنى أبى وقد كان ” بيوريتانيا ” صميماً وكنت أرى فيه نشوفة ، وكنت أظنه قاسياً ، ولكنى اليوم أشكر اللّه لأنه كان كذلك . جاءنى إلى البيت حالا بعد زواجى ، وأريناه كل غرفة ، وعندئذاك قال بطريقته الجافة : نعم هذا بيت جميل ولكن الذى يراه لا يعلم إذا كان يخص االلّه أم يخص الشيطان . فعدت وألقيت نظرة أخرى على غرف البيت واكتشفت أنه أصاب ، فرتبنا ألا تخلو غرفة من رسالة تتحدث أننا للّه “..

الثقافة الواسعة

كان غمالائيل من أعظم المعلمين الذين عرفهم التاريخ اليهودى ، هو أحد سبعة يطلق عليهم ” الربيين ” ( أى المعلمين ) ، كان فى وقت ما رئيساً للسنهدريم ، درس الكتاب المقدس ، والتقليد اليهودى ، ووقف عند كل نقطة منهما ، ولم يترك شاردة أو واردة إلا وتأمل فيها ، كان حجة البحث الدينى والمعرفة اللاهوتية ، … إن لليهود تواريخ عجيبة تشهد بمدى اهتمامهم بالكتب ،… قيل إن أحد الربيين فى مدينة الفيوم قديماً مر بإسكافى يخيط نعلاً ، وأراد أن يتضاحك مع هذا الإسكافى ، فقال له : إن كنت حقاً قد أتقنت مهنتك ، فهل تعرف كم غرزة غرزتها فى النعل ، … فأجابه الإسكافى : وأنت إن كنت حقاً قد عرفت مهنتك وأتقنتها ، فهل لك أن تعرفنى كم كلمة توجد فى الكتاب المقدس !! … وتوقف الحاخام قليلاً ، وأحس أنه لا يعرف الكتاب كما ينبغى ، وعاد إلى بيته ليقضى هناك ثلاث سنوات ، يعد الكتاب وحروفه ونقطه ، ثم خرج ليقول للإسكافى بعد ذلك أنه عرف كتابه !! ..

الحرية الفكرية

كان غمالائيل يتبع مدرسة هليل التى تؤمن بالحرية الفكرية ، وكان فى أيامه مذهبان فكريان ، مذهب شمعى الأضيق والذى يتمسك بالحرفية ، ومذهب هليل الذى كان يعتنق الحرية الفكرية ، ويتسم بالمرونة ، ويناقش الفكر ، ويتعلق باللباب،… وكان غمالائيل من أبطال هذا المذهب ، ومن القلائل الذين شجعوا تلامذتهم على دراسة الأداب اليونانية ، وقد أعفى الجنود فى الحرب ، أو الأشخاص المشغولين من مراعاة الطقوس اليهودية الثقيلة ، كان مذهب شمعى يحرم على اليهود أن يحيوا الوثنيين فى الأعياد بالقول سلام لكم ، ولكن مذهب هليل رفض أن يتمسك بهذه الشكليات … كان البيورتان من أبطال المسيحية ، ومن أكثر الناس إخلاصاً لها ، لكن تزمتهم كان شديداً ، إلى درجة أن يوحنا بنيان طرد من الكنيسة امرأة كانت تلبس ثوباً من الحرير ، … لكن ملتون مع ذلك كان بطلا من أبطال الحرية فى عصر البيورتان ، كما كان غمالائيل عند اليهود !!..

المهابة الشخصية

كان غمالائيل ” مكرماً عند جميع الشعب ” أو فى عبارة أخرى كان الرجل من القادة المعدودين فى عصرهم ، وهو المهيب المكرم المحترم عند الجميع ، يلتمسونه للمشورة ، ويأخذون رأيه فى الأزمات والصعاب والمآزق ، وهو المحنك ذو الدراية كلما تشعبت الطرق ، واختلطت السبل وعجز القوم عن معرفة ماذا يفعلون أو ماذا يقررون ، هو الناصح والمفتى والمرشد والمعلم برجاحة الفكر ، وعمق التدبر !!..

هل تبحث عن  مكافأة صانع المعروف لأنه قبل يسوع في تلميذه المتواضع

معلم بولس

على أن أعظم امتياز للرجل أنه كان معلماً للرسل بولس وقد تتلمذ بولس على يديه ما يقرب من ثمانى سنوات ، ولا حاجة إلى القول إن الرجل ترك أثره العظيم فى رسول الأمم إلى الدرجة التى قال معها الرسول فى شيخوخته وهو يقترب من النهاية : ” ولكن ربيت فى هذه المدينة مؤدباً عند رجلى غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوى ، وكنت غيوراً للّه كما أنتم جميعكم اليوم ” ( أع 22 : 3).

غمالائيل الضائع فى الطريق

من الغريب أن الرجل رغم كل هذه الامتيازات التى أشرنا إليها آنفاً ، ضل طريقه ، … ولا نستطيع أن نصدق ماذهبت إليه بعض التقاليد بأنه كان يتبع المسيحية سراً ، وأنه يوم دافع عن التلاميذ ، كان يدافع عنهم من هذا الموقع … إن الفكر المسيحى يكشف عن العكس ، وعلى قدر ما أعطى لبولس تلميذ غمالائيل من تقدير وإعجاب ، فإنه ودع الآخر بعميق الألم والتحفظ . فيبدو أنه عاش ومات دون أن ينعم بفداء المسيح مخلص العالم !! .

الذهن الفلسفى

واجه غمالائيل المسيحية بذهن فلسفى ، ومع أن المسيحية أعطت للعالم أسمى فلسفة وأعظمها، إلا أن الفلاسفة أنفسهم ، قد وقفوا تجاه العوائص والأسرار التى تملأ الحياة أعجز من أن يصلوا فيها إلى الحقيقة ، وهكذا وقف غمالائيل تجاه المسيحية موقف اللاأدريين : ” لأنه إن كان هذا الرأى أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض . وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه لئلا توجدوا محاربين للّه أيضاً ” ….. ( أع 5 : 38 و 39 ) والفلسفة فى العادة – قديماً وحديثاً – تدخل بالإنسان فى آلاف المتاهات والنظريات التى لا تنتهى بصاحبها إلى مرفأ يقوده إلى الاطمئنان والأمان ، … وفى أيام المسيح كان هناك الرواقيون والأبيقوريون ، وفلسفة هؤلاء عكس فلسفة أولئك ، ونحن نضع مثلا أبيكتيتوس الفيلسوف الرواقى والذى كان معاصراً لغمالائيل ، وقد قامت فلسفته على أساس أخذ الحياة بالصرامة وقوة الإرادة ، بحيث لا يقهره أحد على غير ما يريد ، والحرية عنده هى حرية النفس التى تعرف كيف تحكم نفسها وفقاً لقانون تسنه لنفسها : الإنسان عبد لأشياء كثيرة ، فهو عبد لجسمه ، عبد للمال ، عبد للجاه والسلطان ، فإذا التمس الحرية الصحيحة فليبحث عنها ، لا فى الأشياء الخارجية ، لا فى جسمه ، ولا فى ماله ، ولا فى جاهه ، لأن فى ذلك كله على ما يقول الفيلسوف رقاً أخلاقياً ، وبلاء عظيماً، بل ليبحث عنها فى نفسه ، فى نطقه ، وفى قدرته على أن يحكم على الأشياء ، وأن يقولها ، وأن يريدها ، … ولقد سأل ذات مرة واحداً من تلاميذه : أهنالك شئ هو ملك لك !! ؟ .. قال التلميذ : لا أدرى .. قال الفيلسوف : أيستطيع أحد أن يكرهك على تصديق ما ليس بصدق !! ؟ .. قال : لا … قال : أيستطيع أن يكرهك على أن تريد مالا تريد !! ؟ قال : يستطيع ذلك إذا هددنى بالموت أو بالحبس !! ؟ .. قال : فإذا لم تبال أنت بالموت أو الحبس ، أيستطيع إكراهك بمثل ذلك الوعيد !!؟ قال : لا .. قال : أفلا تستطيع أن تحتقر الموت !! ؟ قال : نعم !! قال الفيلسوف : فأنت إذاً حر !! .. وفى مواجهة هذه الفلسفة ، عاشت فلسفة أخرى مناقضة هى فلسفة الأبيقوريين التى تقوم على الإشباع الحسى : لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت ، .. ومن الغريب أن هذه الفلسفة القديمة – التى تريد أن تعطى الإنسان ما يطلق عليه الاستمتاع بوجوده ، دون نظر إلى اللّه أو إلى فضيلة – أخذت سمتها فى العصر الحاضر فى فلسفة سارتر الإلحادية وقد كتب كتابه: “الوجودية فلسفة إنسانية ” .. وقد جاء فيه : ” إننا حين نقول إن الإنسان يختار لنفسه ، لا نعنى بذلك أن كل واحد منا يجب أن يختار لنفسه ، ولكننا نعنى بهذا أنه يختار لنفسه وهو إذ يختار لنفسه يختار للناس جميعاً .. أن يختار المرء أن يكون هذا أو ذاك معناه أن يؤكد فى الوقت نفسه قيمة ما يختاره وكأننا نقول لكل الناس: اختاروا مثلما اخترنا لأننا لا نستطيع أبداً أن نختار الشر لأنفسنا . إن ما نختاره هو دائماً الخير . ولا شئ يمكن أن يكون حسناً عندنا دون أن يكون كذلك للجميع ” ومع أن السهام وجهت إلى هذه الفلسفة من أكثر من جانب ، لكنها إحدى المتاهات المتعددة التى طالما التقطت الكثيرين الذين بدأوا بالحرية العقلانية ، والسماحة الفكرية ، فانتهوا إلى التضارب الرهيب بين المذاهب الفكرية المختلفة ، ويكفى أن يلقى الإنسان نظرة على أفكار ديكارت أو كانت أونتشه أو شوبنهور أو برجسون أو وليم جيمس ، ليرى المتاهات الرهيبة التى انتهى إليها هؤلاء جميعاً على غير اتفاق أو تلاق أو ارتباط ؟!…

هل تبحث عن  فيثون

البرود العاطفى

على أن العيب الآخر القاتل فى الرجل كان البرود العاطفى ، فأنت تجده أشبه بمن يجلس فى برج عاجى يرقب الأمور بعاطفة ثلجية ، لا تستطيع أن تصفها بالسلبية أو بالإيجابية ، ويبدو أنه كان من أولئك الباردين الذين لا تهتز عواطفهم كثيراً لما يجرى حولهم من أحداث ، كان الفرق بينه وبين بولس ، أنه هو بارد الطبع ، وبولس نارى المشاعر والأحاسيس ، … والبارد الطباع هو ذلك الإنسان الذى لا يتحرك بالسرعة المطلوبة ، وقد يكون واسع الفكر، بارع الحجة ، لكنه لا يمكن أن يصل إلى النتائج الكبرى ، لجمود عواطفه ، وخمود مشاعره ، .. ومن الملحوظ دائماً أن القادة الذين غيروا مجرى التاريخ كانوا أبعد الكل عن أن يكونوا باردين فى إحساسهم أو ضعافاً فى مشاعرهم ، أو غير ملتهبين فى غيرتهم !! ويكفى أن نلاحظ على سبيل المثال الفرق بين مارتن لوثر ومعاصريه من جبابرة الفكر وعظماء الفلاسفة أمثال توماس مور وإرازمس .. كتب توماس مور اليوتوبيا أو عالم الكمال ، وعاش يحلم بالحق والصلاح للجنس البشرى ، .. وكتب إرازمس الكتب الكثيرة التى نددت بأخلاق الكهنة وجهل العقيدة والفساد المستشرى فى الكنيسة ، .. ولكنه لم يتحرك أكثر من ذلك ، ولم ينفعل انفعال لوثر الذى خلقه اللّه ذا طبع نارى ملتهب ، … ذلك الطبع الذى ظهر بوضوح عندما كان يترجم الكتاب المقدس إلى الألمانية . وهو جالس فى قلعته وخيل إليه أن الشيطان وقف مقابله على الحائط ، فما كان منه إلا أن أمسك بالمحبرة وضرب بها الشيطان الذى تخيله . وتحطمت على الحائط وسال منها الحبر ، وأضحت بعد ذلك مزاراً يزوره الناس ليروا الثائر ، ولو فى جموح الثورة ، وإرتباك الخيال ، .. ولكن واحداً قال : أود دائماً أن نرى هذه الصورة فذلك أفضل من أن نرى الجالسين فى مقاعدهم لا يتحركون أو يلتهبون مهما جرت الأحداث حولهم أو تغيرت الأوضاع والظروف!!..

ضعف الإرادة

سأل أحدهم فلاحاً أمريكيا قائلا : هل ترجو ما هو أحسن فقال : كلا !! .. وإذ دهش السائل للجواب . أجاب الفلاح : إنى لا أرجو الأحسن بل أسعى على الدوام وراءه . ولقد صدق الرجل فإن العالم لم يتقدم بأفكار الناس أو أحلامهم ، بل بكفاحهم لتصبح هذه الأحلام والرؤى حقائق واقعة !! … كان الشاب الصغير يشكو من العالم ومن فساده وشروره وآلامه ومآسيه وتساءل : لماذا صنع اللّه عالماً كهذا ؟! . وأية فائدة ترجى من هذا العالم ؟! ثم أردف قائلا : أنا أستطيع أن أصنع عالماً أفضل من هذا العالم . فأجابه صديق له كان يسمع شكواه ، وقال : ولهذا السبب وضعك اللّه فى العالم فهيا قم بنصيبك فيه ليصبح عالماً أفضل !! ..

وهنا نصل إلى قمة المأساة فى حياة غمالائيل ، فالحياة على الدوام ليست فكراً أو حلماً ، بل قراراً ، … والأفكار والأحلام إذا قصرت عن الوصول إلى القرار ، فهى والعدم سواء … ولسنا نعلم ماذا كان ينتظر غمالائيل أكثر من المسيحية أن تفعله حتى يصبح برهانها مقنعاً ليتخذ الرجل قراره : إن كانت من اللّه أو من الناس ، … وهنا يتضح الفارق الأبدى بينه وبين بولس ، … كان غمالائيل أقرب إلى المسيحية فكراً وعاطفة من بولس ، .. لقد تحول بولس عدواً رهيباً صارماً للمسيحية ، … وقد صنع اللّه المعجزات التى سمع عنها غمالائيل أو رآها رؤيا العين ، ومنها معجزة المقعد عند باب الجميل ، ومعجزة حياة التلاميذ وأعمالهم ودخولهم السجن ، وخروجهم منه والأبواب مغلقة ، .. وكثير غيرها مما عرفه العديدون فى أورشليم وغيرها من المدن . وكان يمكن أن يفعل المعلم ما فعله التلميذ ، وعلى وجه الخصوص أنه كان معروفاً له ، ومتصلا به فى مطلع التاريخ المسيحى ، عندما كان ينفث تهدداً وقتلا على تلاميذ الرب !! .. لكن غمالائيل بقى فى ضعف إرادته متخلفـــاً عن موكب المسيحية وقافلتها المباركة العظيمة !! ..

هل تبحث عن  ولادة والدة الإله

ومن اللازم أن نشير هنا إلى الفرق بين الحقيقة التى يقررها الإنسان وبين تطبيقه لها ، … فقد قرر غمالائيل حقيقة من أروع الحقائق وأعظمها ، وهى حقيقة نجاح الأعمال التى يكون اللّه مصدرها أو خلفها ، … وقد كانت المسيحية هكذا ولأجل ذلك نجحت وعاشت .. لكنه للأسف العميق لم يستطع أن يطبق هذه الحقيقة التى نادى بها على نفسه . ولعل السر فى ذلك ، أن الإنسان الذى يتقاعس عن التمسك بالقرار الصحيح فى وقته ، يخشى أن يفلت منه هذا القرار بالتأجيل والتخاذل والإهمال والضعف ، … ومن المتصور أنه جاءت أوقات متعددة على غمالائيل ، والمسيحية تتقدم من نجاح إلى نجاح ، دون أن ينهض لاقتناص الفرصة التى ضاعت منه ، وأمسك بها تلميذه العظيم على النحـــو الرائـــــع الذى عرفــته جميـــع الأجيـــال على ظهر هذه الأرض !! ..

أجل غمالائيل الحكم على المسيحية ، لقد نجحت ، ولكنه لم ينجح هو فى التمسك بالمبدأ الذى نادى به ، وقد أعوزه أن يحطم كل الحواجز التى ربما قامت فى طريقه، كما قامت فى طريق بولس ، ولكنه قضى عليها جميعها ، وخسر كل الأشياء ليربح المسيح ويوجد فيه ، … والمسيحية تحتاج منا دائماً إلى ما هو أكثر من الفكر المعجب بها ، أو العاطفة التى تبهر بحلاوتها وجلالها ، إذ تحتاج إلى القرار الذى يكتسح كل معوق مهما كانت حقيقته ومهما كان مصدره ، …. يذكر رجل النهضات العظيم ، تشارلس فنى من القصص الواقعية التى عرفها عن قرب ، قصة فتاة متزوجة كانت تعيش مع زوجها الملحد ، وجاءت إلى المسيح فى مدينة فلادلفيا عندما كان يقوم الواعظ العظيم بخدماته هناك ، وعندما علم زوجها بترددها على الاجتماعات ، أمرها بشدة ألا تذهب إلى هناك !! … فسألت مستر فنى إذا كانت تستمع لزوجها أم لا !! .. وكانت نصيحة الرجل أنه مادام زوجها ملحداً ، فينبغى أن يطاع اللّه أكثر من الناس ، فواظبت على الاجتماعات دون أن تبالى ، فتوعدها زوجها بالذبح إن هى ذهبت مرة أخرى ، … وفى تلك الليلة انتظرها حتى عادت من المنزل فوجدته فى حالة هياج مخيف ، وغضب عاصف ، … نظر إليها نظرة يتطاير منها الشرر ، ودون أن يتكلم كلمة واحدة ، أغلق الباب بالمفتاح ، ووضع المفتاح فى جيبه، ثم أخرج خنجراً كبيراً حاداً وأقسم أن ينهى حياتها ، ويقتلها مهما كلفه الأمر ، نظرت إليه المسكينة فى رعب وفزع وصعدت السلم إلى الدور الثانى تلتمس طريقاً للهروب ، فأخذ شمعة متقدة وتبعها ليقضى عليها ، . وبينما هو يصعد السلم مر بجوار الخادمة الصغيرة فنفخت فى الشمعة فأنطفأت وغمر المكان الظلام الحالك ، حاول الوصول إليها ، ولكنها استطاعت التسلل من النافذة وقضت ليلتها عند صديقة لها !! .. وفى الصباح عادت إلى البيت ، وهى تظن أن ضميره قد أنبه ، وإذا بها تجد أثاث المنزل كله مقلوباً رأساً على عقب ، … وأغلق الباب وجرت المحاولة الثانية ، وإذ أوشك أن يغمد خنجره فى قلبها ركعت المسكينة على ركبتيها ورفعت يديها نحو السماء وطلبت من اللّه أن يرحمها ويرحمه .. وهنا حدثت المعجزة إذ استجاب اللّه صلاتها وأمسك يده عن أن يمسها بضرر .. نظر إليها برهة ثم سقط على الأرض طالباً الرحمة من اللّه . اعترف بكل خطاياه وآثامه وكانت الدموع الغزيرة تنهمر من عينيه وذهب إلى زوجته وضمها إلى صدره فى عطف وحنان وطلب منها المغفرة والصفح !! ..

لم تكن لهذه المرأة فلسفة غمالائيل ، ولكنها كانت تمتلك صلابة وإرادة لم يصل إليها معلم بولس العظيم !! .. وذهب الرجل ، وهكذا يذهب أولئك الذين لا يعرفون كيف يقررون قرارهم الأعظم والأمجد والأكرم والأخلد قبل فوات الأوان !! ..


مشاركة عبر التواصل الاجتماعي