قائد المئة والذين معه

كان قائد المئة على رأس قوة من الجنود لحراسة الصليب (مت 27: 54) والجنود يكونون عادة قساة القلوب ولا تتأثر مشاعرهم كسائر البشر، لا بعوامل الخوف ولا بعوامل الشفقة، وكانوا رومانيين أى وثنيين لا يعرفون الكتب، ومع هذا آمنوا واعترفوا بألوهية المسيح وببنوته لله ! فكيف آمن الوثنيون، الذين لم يكونوا بعد يعرفون النبوات، ولم يتتلمذوا عند قدمى معلمى اليهود ؟ لابد أنهم رأوا فى يسوع شيئاً فريداً لم يروه فى أحد من قبل، تُرى ما هو هذا الشئ ؟ لنبدأ القصة:

بعدما ارتفع ابن الإنسان فوق خشبة الصليب، وبعد أن سُمّرت يداه ورجلاه فى وحشية وقسوة، وتفجرت الدماء من كل أنحاء جسده ، ظل المصلوب يحمل ابتسامة على شفتيه المغطاتين بالدماء، ونظرات الحب تشع من بريق عينيه، وكلمات الصفح تخرج من شفتيه، يغفر لصالبيه، يشيع الأمل فى اللص اليمين، يحن إلى أمه ويطلب من يوحنا أن يرعاها.. كل ذلك أثار دهشة القائد ، فآمن أن المصلوب ليس إنساناً عادياً بل شخصاً يفوق البشر أو أحد أبطال الأساطير التى سمع عنها ! فنطق بلهجة عسكرية رومانية وكأنه يؤدى للقائد العظيم تحية الوداع الأخير ، وقال ” حقاً كان هذا ابن الله ” (مت27: 54) فكانت هذه العبارة أعظم تحية يقدمها قائد رومانى لقائد آخر يشعر بعظمته، وسموه، ونبله، فى الحياة وفى الموت.

نه اعتراف بأن المصلوب لم يكن إنساناً كباقى البشر، أو نبياً مثل الأنبياء الذين قتلتهم روما،ولكنه شخص آخر غير كل هؤلاء.. فالقائد لم يؤمن بقوة المسيح التى انبثقت منه فى عنفوان شبابه، ولكنه آمن بالقوة عندما انبثقت منه فى وقت ضعفه، وقد تخلى عنه الأحباء والأصدقاء، وحين أُحيط بالأعداء والحاقدين من كل ناحية، وحين رأى الموت يسعى إليه على طريق ملئ بالأشواك، ولم يفقد هذه القوة النابعة من كيانه!

هل تبحث عن  القراءات اليومية ( يوم الاربعاء) 20 فبراير 2013

لقد التفت القائد إلى أعماق المتهم ، إلى كلماته ، إلى نظراته، إلى صلاته، لقد أيقن أن المصلوب وإن كان إنساناً بالجسد، إلا أنه يحمل فى كيانه البشرى طاقة إلهية لا تُرى، إلا لمن كان له بصيرة روحية، وقلب خاشع ملتحف بالنور.. وهكذا آمن بالمسيح حين رآه يتشح بالجلال فى مواقف المذلة والهوان ! ويتشح بالنبل والسمو وقد أحاطت به كلاب الحقد والتعصب والكراهية ! وحين رآه يتدفق حباً وقد غلب بحبه كل قوى الأعداء ! ورآه يفيض نوراً ومن حوله تتكاثف الظلمات!

لا ننكر أن اليهود قد رفضوا الاعتراف ببنوه المسيح لله ، لكن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، ففى الوقت الذى رفض فيه اليهود الاعتراف بألوهية المسيح وبنوته لله، وكانوا يعيرونه بأنه لا يمكن أن يكون ابن الله لأنه لم يستطع أن ينزل من على الصليب (مت26 : 63 ، 64 ) نرى قائد المئة والجنود الذين معه يقدمون هذه الشهادة وهى خلاصة الإيمان المسيحى: حقا كان هذا هو ابن الله.

يقول الأنبا بولس البوشى
” القائد والجند الذين معه لما نظروا الآيات الكائنة مع الزلزلة التى حدثت عند إسلام الروح خافوا جداً وخشعت قلوبهم، وبفعل المصنوعات استدلوا على الصانع وقالوا : ” حقاً كان هذا هو ابن الله “.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي