كاتب – كتبة

 

أولا-الكتبة قديماً : بعد أن أصبحت الأبجدية هى أساس الكتابة فى إسرائيل، انتهى احتكار الكتبة المحترفين لها، ومع ذلك ظلت لمهنتهم أهميتها، فكان الكثيرون من الشعب يلجأون إليهم لكتابة العقود الرسمية (إرميا12:32 )، وكتابة الرسائل التى تملى عليهم (إرميا4:36 و32 )، أو تسجيل الحسابات، أو تنظيم السجلات وحفظها. كما كان للملوك كتَابهم(2أخ11:24 ،أس8 : 9 )الذين يتولون الشئون الإدارية فى بلاط الملك، وكان كبير الكتاب يعتبر”سكرتير دولة”، وكان أعلى منزلة من المسجل(2صم16:8 ،1مل3:4 ). وباعتباره أحد كبار رجال الدولة، كان يحسب بين مشيرى الملك(1أخ32:27 ). “فشبنا” الكاتب ارتفع إلى مركز الوزير الأول فى أيام حزقيا الملك، إذ أصبح جليس الملك ومشرفاً على القصر أى”الرجل الذى على البيت”(2مل18:18 ،2:19 ،إش15:22 ). كما كان هناك “كاتب رئيس الجند، الذى كان يجمع شعب الأرض للتجند”(2مل19:25 ،إرميا25:52
).

  
ومع أن بعض الكتبة كانوا مكلفين ببعض الأعمال فى الهيكل،لحصر العطايا التى كانت توضع فى الصندوق تحت إشراف الكاهن العظيم(2مل1:12 )، فقد ظلت وظيفة الكاتب منفصلة عن الكهنوت، بل كان للأنبياء كتابهم الخصوصيون. وكان لرؤساء الكتَّاب حجراتهم الخاصة فى القصر(إرميا12:36 -21 )، أو فى الهيكل(إرميا10:36
).

  
وقد أعطى حلقيا الكاهن العظيم سفر الشريعة الذى وجده فى بيت الرب، لشافان الكاتب ليقرأه أمام الملك(2مل8:22
).

ثانيا – الكتبة فيما بعد زمن السيى : لم يصبح للكتبة شأن فى الأمور الدينية وتفسير الشريعة، إلا بعد العودة من السبى البابلى(عز6:7 )، فقد كان عزرا كاهناً وكاتباً ماهراً فى شريعة موسى(عز11:7 ،نح9:8 ). ويبدو أنه كان من قبل مشيراً لملك فارس فى شئون اليهود. ومن ذلك الوقت أصبح الكتبة فئة متميزة من المعلمين(بدون أجر) قادرين علىحفظ ناموس موسى وتفسيره. وما حل القرن الثانى قبل الميلاد إلأ وأصبح غالبية الكتبة من الكهنة(1مك12:7 )،فكانوا الصورة المسبقة للكتبة الدينيين الذين نقرأ عنهم فى العهد الجديد
.

ثالثا – الكتبة فى العهد الجديد : كما سبق القول، بدأ بزوغ نجم الكتبة بعد العودة من السبى البابلى، فيبدو من (1أخ55:2 )، أن الكتبة أصبحت لهم عشائرهم ونقاباتهم الخاصة، ولكن يبدو أنهم لم يكونوا حزباً سياسياً بارزاً فى زمن ابن سيراخ(فى أوائل القرن الثانى قبل الميلاد) ولكنهم أصبحوا كذلك تحت ضغوط الإجراءات العنيفة التى اتخذها أنطيوكس إبيفانوس. وكان الكتبة هم الذين انشأوا خدمة المجامع، وكان البعض منهم أعضاء فى السنهدريم(مت21:16، 26 : 57،مرقس43:14 و53،لو66:22 ،أع9:23 ). وقد كان لهم وجودهم فى الجليل(لو17:5)، وظل لهم نفوذهم إلى زمن تدمير الهيكل فى 70 م. على يد تيطس الرومانى. وقد زادت أهميتهم بعد ذلك لأنهم سجلوا التقاليد الشفوية-التى كانت تعتبر فى مقام الناموس المكتوب (مرقس6:7 -13 )، كما حافظوا على الأسفار المقدسة التى استؤمنوا عليها(رو2:3 ). وكانوا ينتظرون من تلاميذهم أن يحترموهم أكثر من احترامهم لوالديهم. وكانوا يلبسون ثياباً خاصة(“طيالسة”-مرقس38:12)، ويعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم (مت5:23 )، مما كان يجعل تمييزهم واضحاً، ليقدم لهم الناس التحيات اللائقة(مت7:23 ،مرقس38:12 و39 ،لو 20 : 46
).

رابعا – الرب يسوع والكتبة : لعب الكتبة دوراً بارزاً فى أثناء خدمة الرب يسوع باعتبارهم المدافعين عن شريعة موسى. ويذكر لوقا الكتبة باسم”الناموسيين” إذ كانت وظيفتهم الأساسية هى المحافظة على الناموس وتفسيره بما يتلاءم مع حاجات العصر، وليكون واضحاً أمام من يخاطبونهم من الأمم. ولذلك كثيراً ما كانوا يقاومون المسيح متهمين إياه بكسر الناموس فى مناسبات كثيرة، كما فى حالات غفران الخطايا(مت1:9 -3 ،لو17:5 -26 ). وعدم مراعاة تعليمهم بخصوص حفظ السبت (لو1:6 و2 ). والشفاء فى يوم سبت(لو6:6 -11 )، وعدم مراعاته لطقوسهم فى الاغتسال(مرقس2:7 -5 ). كما عابوا عليه اختلاطه بالعشارين والخطاه والمنبوذين فى المجتمع اليهودى(مرقس16:2 و17 ،لو1:15 و2 ). كما لم يتوقفوا عن محاولة إحراجه بأسئلة بغية إحراجه واصطياده(مرقس1:7 ،28:12 و35 ،53:11 ،يو3:8 ). ولنفس هذا الهدف طلبوا منه أن يقول لهم بأى سلطان يفعل هذه المعجزات (مر22:3 ،لو1:20 -4 ). ومع أن البعض من الكتبة (أو الناموسيين) قبلوه (مت19:8 ،52:13 ،مرقس32:12 ،يو1:3 )، إلا أن موقفهم-ككل-كان موقف العداء. وكما سبق القول، كان ذلك لزعمهم أنه يخالف ناموس موسى، ولانفتاحه على المنبوذين، علاوة على شهرته المتصاعدة بين الشعب مما يهدد سلطانهم (مت20:7 ) ويهدد الأمن فى بلدهم(مت15:21 ،مرقس18:11
).

   
ولاشك فى أنه كان من دوافع عدائهم له، تنديده بريائهم وادعائهم، وفى توبيخه للكتبة والفريسيين اتهمهم بحب التظاهر والتعالى على الشعب(مت5:23 -7 ،مرقس38:12 و39 ،لو43:11 ). وبينما كانوا يبدون للناس أبراراً مقدسين ، كانوا فى الداخل فاسدين تماماً (مت25:23 -28 ،لو11-39 -41 ). كما هاجم المسيح تقاليدهم التى فرضوها علىالناس، إذ كانوا”يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم(مت2:23 -4 و22:13 ،لو46:11 ). وبينما كان الكتبة يشددون على حفظ الأمور الصغيرة فى الناموس، فإنهم كانوا يتجاهلون الأمور الكبيرة الهامة مثل:”الحق والرحمة والإيمان”(مت23:23 و24 ،مرقس40:12 ،لو42:11 ). وأكثر من ذلك أنهم عوضا عن أن يكونوا نسل الأنبياء-كما كانوا يدعون-فإن يسوع قال لهم، لو أنهم عاشوا فى أيام الأنبياء لقتلوا الأنبياء كما فعل آباؤهم (مت29:23 -36 ،لو9:20 -19). كما قال الرب يسوع لتلاميذه:”إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين،لن تدخلوا ملكوت السموات”(مت20:5
).

   
فلا عجب إذاً أن نجد الكتبة متلهفين على التخلص من يسوع(مرقس1:14 ،لو53:11 ). لقد كان تفسيره المرن للناموس، يهدد مراكزهم وسلطانهم فى المجتمع. وقد اتفق الكتبة مع منافسيهم من رؤساء الكهنة فى التآمر على القبض على يسوع(مر43:14 ). وعندما وقف يسوع أمام جميع أعضاء السنهدريم، اتفقوا جميعاً على تلفيق تهمة ضده يكون عقابها الحكم عليه بالموت(مت57:26 -66 ). وعندما أخذوا يسوع إلى هيرودس،”وقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد”(لو10:23 )، وأخيرا اشتركوا مع سائر أعضاء السنهدريم فى الاستهزاء به، قائلين له: ” أن كنت ابن الله فانزل عن الصليب..إن كان هو ملك إسرائيل، فلينزل الأن عن الصليب، فنؤمن به”(مت40:27 -43
).

 
وقبل تدمير أورشليم فى70 م. ظل الكتبة مع سائر أعضاء السنهدريم يقاومون الرسل ويضطهدون الكنيسة المسيحية، وكانوا السبب فى استشهاد استفانوس(أع12:6 -14
).

 

 

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي