قيامة المسيح

حقيقة راسخة أم أكذوبة خادعة

إنْ كنَّا نبحث عن حقيقة هامة، تتعلق بالإيمان المسيحي، ونقضها يزعزع كل أركانه، فلن نجد في هذا المضمار أكثر من حقيقة ”قيامة الرب يسوع من الأموات“، الأمر الذي عبَّر عنه الرسول بولس بالقول: «إن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطلٌ أيضًا إيمانكم… أنتم بعد في خطاياكم» (1كو 15: 14، 17).

إنَّها النقطة المحوريَّة لكلِّ كارز، فهكذا أشار إليها الرسول بطرس في خطاباته في بكور تكوين الكنيسة: «فيسوع هذا أقامة الله، ونحن جميعًا شهودٌ لذلك… ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهودٌ لذلك… ونحن شهودٌ بكلِّ ما فعل في كورة اليهوديَّة وفي أورشليم، الذي أيضًا قتلوه معلَّقين أيَّاه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث، وأعطى أنْ يصير ظاهرًا» (أع2: 32؛ 3: 15؛ 10: 39، 40؛ إلخ).

ولقد لخَّص الرسول بولس الإنجيل الذي تسلَّمه، وصار يكرز به، بالقول: «فإنَّني سلَّمت إليكم في الأوَّل ما قبلته أنا أيضًا: أنَّ المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنَّه دُفن، وأنَّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب» (1كو 15: 3، 4).
ولأهمية هذه الحقيقة، ولكثرة ما تعرَّضت للنقض والهجوم، سوف نعرض بعض البراهين العقلانيَّة والمنطقيَّة لقيامة الرب، وكذا بعض النظريات الخاطئة التي تعارض هذه الحقيقة الهامة، وسنحاول بنعمة الرب تفنيدها ودحضها.

أوَّلاً: القيامة والبراهين الثابتة على صحتها

1- فض الختم الروماني
كان الختم موضوعًا على الحجر الذي يحرس قبر المسيح، وهذا الختم يُمثِّل سلطان وقوَّة الإمبراطوريَّة الرومانيَّة. وأي محاولة لزحزحة الحجر عن مدخل القبر لا بدّ أنْ تؤدي إلى فضّ الختم، والتعرُّض بذلك لعقوبة القانون الروماني. وكانت العقوبة لمن يعبث بهذه الأختام صارمة جدًّا، فكانت المخابرات الرومانيَّة تبحث عن المتسببين في ذلك، وإذا تمَّ التوصل لهم فهذا يعني الصلب والرأس منكَّس لأسفل. فكان الكلّ يرتعب من فض الأختام، ولا سيَّما تلاميذ الرب يسوع الذين أظهروا كل الجُبن حينما اختبأوا، وإذا افترضنا أنَّ الشجاعة حلَّت فجأة على التلاميذ وقاموا بفضّ الختم، فلماذا لم تنِل منهم الإمبراطوريَّة الرومانيَّة ولا سيَّما أنَّهم كانوا معروفين؟!

2- القبر الفارغ
إن الأحداث المسجَّلة بخصوص الدفن يمكن تصديقها تاريخيًّا. ومن ضمن هذه الأحداث ذِِكر شخصيَّة ”يوسف الرامي“ الذي قام بدفن المسيح في قبره الخاص، إذ يُكتب عنه أنَّه ”مشير شريف“ (مر 15: 43)، من أعضاء مجمع السنهدريم، ويستحيل أن تثبت أسطورة عن طبقة اليهود الحاكمة (مجمع السنهدريم). كما أنَّ غياب أيَّة قصة أخرى تُروي أحداث الدفن، تُؤكِّد مصداقية ما سُجِّل في الكتاب المقدس. فإذا كانت هذه القصة أسطورة لتوَقعنا قصصًا أخرى مختلفة ولا سيما في الأدب اليهودي، ولكننا لا نجد.

وبما أنَّ قصة القيامة ترتبط بقصة الدفن، فبذلك تكون دقة قصة الدفن تؤكِّد دقة قصة القيامة. ولقد كان مكان قبر يوسف الرامي معروفًا، وإذا لم يكن خاليًا بالفعل، لَمَا صدَّق التلاميذ، ولا آلاف من الذين آمنوا، قصة القيامة.

كما أنَّ غمالائيل، وهو أحد أعضاء مجمع السنهدريم اليهودي، افترض أنَّ قيام حركة المسيحيَّة قد تكون من الله (أع 5: 39)، ولم يكن من الممكن افتراض مثل هذا الافتراض إذا كان القبر ما زال مشغولاً، أو إذا كان مجمع السنهدريم يعرف شيئًا عن جسد الرب.

”البروباجندا“ التي قامت في البداية ضد المسيحية تؤكِّد حقيقة القبر الفارغ. فلقد ادَّعى قادة اليهود أنَّ التلاميذ سرقوا جسد المسيح، وهم بذلك لم ينكروا أبدًا القبر الفارغ، ولكنهم حاولوا تفسيره. وهو دليل مقنع أنَّ القبر كان فعلاً فارغًا. وهذا الدليل التاريخي يُعتبر دليلاً دامغًا لأنه جاء من أضداد المسيحية!

لم يذهب رسل المسيح إلى ”أثينا“ أو ”رومية“ ليبشِّروا بقيامة المسيح، لكنَّهم بشَّروا في مدينة أورشليم حيث قبر المسيح. فإذا كانت بشارتهم كاذبة لانكشفت الكذبة فورًا. لكن حقيقة القبر الفارغ كانت أقوى من أن تُنكر، كما ذكر ”بول الثوس Paul Althaus“: ”لم تكن القيامة لتصمد يومًا واحدًا، أو حتَّى لمدة ساعة واحدة في أورشليم، إلاَّ إذا كان القبر الفارغ حقيقة مُصادَق عليها لدى جميع الأوساط“.

هل تبحث عن  الأصحاح الواحد العشرين تفسير سفر التكوين

عدم اعتبار قبر المسيح مزارًا دينيًّا في القرن الأول الميلادي يؤكد أنَّ القبر كان فارغًا. فقد كانت أماكن عظام القديسين تعتبر مزارات دينية آنذاك، وكان هناك على الأقل 50 مزارًا في فلسطين في ذلك الوقت، وعدم اعتبار قبر المسيح واحدًا منهم يؤكِّد إنه كان خاليًّا من عظامه.

وهذه الأدلة على القبر الفارغ يصعب دحضها، لأنها واقفة على أساس تاريخي، ويذكر المؤرخ ”مايكل جرانت“ وهو غير مسيحي: ”لا يكون المؤرخ منصِفًا إذا أنكر القبر الفارغ“.

والآن يمكننا القول إن كل الذين يرفضون حقيقة القبر الفارغ يفعلون ذلك لانحيازهم للافتراضات الفلسفية، مثل: لا يمكن أن يكون هناك معجزات. لكن هذه الافتراضات يمكن أن تتغير في ضوء الحقائق التاريخية.

3- دحرجة الحجر
في فجر الأحد، كان أول ما أثَّر في من اقتربوا من قبر المسيح هو الوضع الغريب للحجر الضخم على باب القبر، فيقول متَّى: «دَحرج حجرًا كبيرًا» (مت 27: 60)، ويستعمل مرقس مع كلمة ”دحرج“ كلمة يونانية أخرى تعني أن مدخل القبر كان منحدرًا أو مائلاً قليلاً. ثم عند مجيء المريمات، يذكر لوقا كلمة يونانية مختلفة تعني أن الحجر كان منفصلاً، أي كان يبعد قليلاً عن القبر كله. أمَّا يوحنا فيقول صراحة: «مرفوعًا عن القبر»، أي بعيدًا عنه تمامًا.

والسؤال هنا: كيف أتى التلاميذ وتسَّحبوا على أطراف أصابعهم بجانب الحراس النيام، ثم دحرجوا الحجر وسرقوا جسد المسيح، دون أنْ ينتبه الحراس؟!

4- الأكفان الموضوعة في القبر
كانت العادة عند اليهود أنْ يضعوا الأطياب (ومن ضمنها المر وهو مادة صمغية) بين طيات الأكفان حتى تلصق الأكفان ببعضها، فيَصعُب بعد ذلك فكُّها. ويسجِّل البشير يوحنا: «ثم جاء سمعان بطرس يتبعه (أي يتبع يوحنا)، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده. فحينئذ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن» (يو20: 6-8).

من هذا نفهم أنَّ المسيح قام، وانسلَّ بجسده من الأكفان، حيث بقيت هي محتفظة بشكلها (كالشرنقة). وليس أحد بالسذاجة التي تجعله يعتقد أنَّ من سرق جسد المسيح قام بفك الأكفان الملتصقة، وأخرج جسد المسيح، ثم قام ثانية بلصق الأكفان كما كانت، ثم لف المنديل ووضعه وحده بعيدًا وأخذ الجسد وفرَّ هاربًا!! أ ليس من الأسهل أنْ يسرق الجسد مع الأكفان؟؟!!

5- كثرة الشهود على ظهورات الرب يسوع
عند دراسة أي حدث تاريخي، من المهم أنْ نعرف كم عدد شهود العيان الذين ما زالوا أحياءً عندما نُشرت الأخبار عن ذلك الحدث. فإذا كان العدد كبيرًا فإنَّ الثقة بهذا الحدث تكون كبيرة، لأنَّ الشهود سوف يفنِّدون الأخبار غير الدقيقة.
كما علينا أن نقول: ليس القبر الفارغ هو الذي أنشأ الإيمان بالمسيح المُقام، بل ظهور المسيح الحرفي هو الذي جعل التلاميذ يؤمنون أنه بالحقيقة قام.

ولنلاحظ أنَّ أول الذين ذكروا كشهود على القبر الفارغ وظهور المسيح كانوا من نساء وليس من رجال، وهذا يضيف قوة إلى مصداقية هذا الحدث؛ حيث لم يكن للنساء أيَّة مكانة في المجتمع اليهودي في القرن الأول، حتى أنه لم يكن يُعترف بشهادتهن في المحاكم، فذكرهن كشهود لن يضفي أيّة قيمة، بل بالعكس. فما الدافع من ذكرهن هنا إلا إذا كان هذا ما حدث فعلاً؟
وفي حديث الرسول بولس لتأكيد حقيقة القيامة، وهو يعدِّد بعض الذين حظوا برؤية الرب بعد القيامة، يقول: «وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن»، كما لو كان يقول: ”إن كنتم لا تصدقونني، اسألوهم“.
وعلينا أن نلاحظ أنَّ الأناجيل الأربعة كُتبت أثناء فترة حياة من عاصروا القيامة.

هل تبحث عن  الإبركسيس فصل من أعمال آبائنا الرسل الأطهار ( 21 : 1 - 14 ) يوم السبت

6- كان اتباع المسيح يُضطهدون ويُقتلون عند إعلانهم القيامة
لقد هرب التلاميذ عند القبض على الرب يسوع وأخذه للمحاكمة قبل الصلب، فواضح أنَّهم كانوا خائفين لئلاَّ يُسجنوا أو يُقتلوا بسبب تبعيتهم للمسيح، حتى أنَّ بطرس أنكر أنَّه يعرف الرب. وبعد صلب المسيح ودفنه ظلُّوا مختبئين وهم مرتعبين ومُحبَطين، حتَّى ظهر لهم الرب يسوع وتأكَّدوا من أمر قيامته. عندئذ نسوا خوفهم وذهبوا من مدينة لمدينة يشهدون عن قيامة المسيح مُضحيِّن بأنفسهم. ما الذي كان يدفعهم إلى ذلك إذا كان المسيح لم يقُم حقًّا؟! فهم لم يحصلوا على ثروة أو مكانة عالية، بل بالعكس فقد ضُربوا ورُجموا، وأُلقوا للأسود وتعذَّبوا وصُلبوا بسبب بشارتهم!

8- صمت الأعداء
لم ينفِ الأعداء قيامة المسيح، بل ظلوا صامتين، وأمام كلمات الرسول بطرس الواضحة عن حقيقة قيامة الرب في عظته: «يسوع الناصري… الذي أقامة الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه … فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعًا شهودٌ لذلك» (أع 2: 22-32)، لم يقاوم أحد بطرس، ولا نفى أحد ما أعلنه عن قيامة المسيح. وكان كل آمالهم أن يضغطوا على الرسل ليلزموا الصمت، حتَّى لا يهيجوا الرأي العام عليهم. إذ نسمع رئيس الكهنة يقول لهم: «أما أوصيناكم أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم، وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان»، ونلاحظ أنَّه أشار إلى حقيقة موت الرب، ولم ينفِ حقيقة أنَّه قام من الأموات. ثم إننا نسمع جواب بطرس والرسل الصريح له: «ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع …» (أع 5: 29-31).

وفي أعمال 25، عندما أراد فستوس أن يوضِّح الدعوى المقامة من اليهود ضد بولس قال: «كان لهم عليه مسائل من جهة ديانتهم، عن واحد اسمه يسوع قد مات، وبولس يقول إنَّه حي» (أع 25: 19)، ولم يقدر اليهود أن يُفسِّروا سر القبر الفارغ. لقد اتهموا بولس بمسائل كثيرة، ولكنَّهم صمتوا أمام موضوع القيامة، أمام شهادة القبر الفارغ.
إنَّ سكوت اليهود يتحدَّث بصوت أعلى من كلام المسيحيين عن صدق القيامة. كان يمكن أن تكون قصَّة القيامة أضعف ما في المسيحيَّة، وكان يمكن للأعداء أن يُصيبوها في مقتل، لو أنَّ القيامة لم تكن قد حدثت حقًّا، ولكن الأعداء ظلوا صامتين من جهتها!

ثانيًا: القيامة والنظريات التي تنفيها

1- ربما أخطأت النساء – اللواتي بلَّغن عن الجسد المفقود- معرفة القبر
وهذا يعني أنَّ التلاميذ هم أيضًا أخطأوا في القبر، ولكن بالتأكيد لم تُخطئ السلطات اليهوديَّة أو الحرَّاس الرومان في القبر، فإذا أخطأ التلاميذ والنساء في القبر، لأسرع اليهود والرومان في إظهار جسد المسيح لإبطال إشاعة القيامة.

2- ربما أُصيب بالهلوسة أولئك الذين ادَّعوا رؤية المسيح المُقام من الأموات
لو أنَّ ما رآه الرسل مجرَّد هلوسة، فإن إرساليتهم تكون باطلة من أساسها! ويكون إيماننا المسيحي ظاهرة مَرضيَّة نشرها جماعة من المرضى العصبيين! فهل كان ما رآه التلاميذ مجرَّد هلوسة، رؤى لا يسندها الواقع؟
إنَّ وصف العهد الجديد ينفي هذه النظريَّة، إذ إنَّ المهلوسين لا يمكن أن يُصبحوا أبطالاً! ولكن الذين شاهدوا المسيح المُقام كانوا أبطالاً ذهبوا للموت بأقدام ثابتة من أجل ما رأوه.

ونظرية الهلوسة تناقض بعض ما يقوله الأطباء النفسيون عن الرؤى إنَّ المصابين بالهلوسة هم عادة أصحاب خيال واسع ومتوترون. ولكن المسيح ظهر لعدد كبير من الناس المختلفين في أمزجتهم، فمريم المجدليَّة كانت تبكي، والنسوة كن خائفات ومندهشات، وبطرس كان نادمًا، وتوما كان شكَّاكًا، وتلميذا عمواس كانا يفكران، والتلاميذ في الجليل كانوا يصيدون؛ ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء من المصابين بالهلوسة!

هل تبحث عن  الأب الكاهن قدسأبونا القس بطرس نبيل

الهلوسة ترتبط باختبارات الفرد الماضية المترسِّبة في عقله، وعلى هذا فمن غير المحتمل أنَّ شخصين تصيبهما الهلوسة ذاتها في الوقت ذاته، ولا سيما أنَّ فكرة قيامة الرب لم تكن مُدركَة بعد عند التلاميذ! حتى بعد أن صارت حقيقة، وأخبرت النساء بها بعضًا من التلاميذ، لم يستطع تلميذا عمواس أن يصدّقوها (لو 24: 21-24).

لقد ظهر المسيح لأكثر من خمسمائة شخص في مرَّة واحدة، وليس من المعقول أن يكون هؤلاء جميعًا مصابين بذات الهلوسة!!
وإذا افترضنا أنَّهم أصيبوا بالهلوسة، فلماذا لم يُظهر اليهود جسد المسيح المائت؟!

3- إغماء المسيح
تقوم نظريَّة الإغماء على أنَّ المسيح لم يمت على الصليب، لكنَّه أصيب بالإغماء من الإعياء الشديد وفقد الدم. فاعتقد الجميع أنَّه مات، لكنَّه عندما دخل القبر أفاقته رطوبته ورائحة الأطياب، فقام وظهر لتلاميذه الذين ظنُّوا أنَّه قام من الأموات.
وللردِّ على هذه النظريَّة نقول:

إنَّ المسيح مات فعلاً على الصليب بشهادة العسكر الرومان، ويوسف ونيقوديموس.
أ ليس غريبًا أنَّ هذه النظريَّة لم تخطر ببال أحد من معاصري الصلب، أو من جاءوا بعدهم طيلة القرون السابقة، رغم مقاومتهم الشديدة للمسيحيَّة؟!
قاسى المسيح آلامًا متنوِّعة قبل الصلب: من ترحيلات مضنية اجتاز فيها، وبعد ذلك تعرَّض للجلد الروماني القاسي، ثم آلام الصلب الرهيبة. لذلك لا يمكن أن يحتمل كل هذا الألم ويبقى حيًّا!
هل ممكن بعد إغمائه أن يُطعن بالحربة في جنبه للتأكد من موته، ثم يضعونه في قبر حجري مغلق بدون علاج لجروحه، ملفوفًا في قماش ملتصق بالأطياب.. ثمَّ يفيق بعد ذلك؟!
وكيف كان يقوم من إغمائه، ضعيفًا، مجروح القدمين؛ ليفك الأكفان المربوطة بإحكام حوله، والمثقلة بنحو خمسين كيلوجرامًا من الأطياب، وليزحزح الحجر الضخم عن القبر، ثم يمشي المسافات الطويله على قدميه الجريحتين من المسامير الغليظة؟! وكيف للجريح الجائع المنهك القوى أن يتغلَّب على الجنود الرومان الذين يحرسون القبر؟! وكيف يظهر في نفس اليوم لتلاميذه بالصورة القويَّة التي شدَّت ولاءهم وعبادتهم؟!

4- ربما سُرق جسد المسيح

وعن هذه النظرية نقول:

اتَّخذ اليهود والرومان احتياطات كثيرة حتى لا يُسرق القبر، ولا سيَّما في اليوم الثالث أي اليوم المتوقَّع فيه قيامة المسيح كما بلَّغ اليهود بيلاطس: «فمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلاَّ يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه، ويقولوا للشعب: إنَّه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرّ من الأولى» (مت 27: 64).
جُبن التلاميذ برهان على عجزهم عن مهاجمة الجنود الرومان لسرقة الجسد، فلم يكن مزاجهم النفسي يسمح لهم بعمل شيء مثل هذا. لقد هربوا عند محاكمة المسيح، وبعد صلبه اختبأوا في عليَّة!
لو أنَّ العسكر كانوا فعلاً نائمين، فكيف عرفوا أنَّ الذين سرقوا الجسد هم التلاميذ؟! ثم إنه لم يكن ممكنًا أنْ ينام كل الحراس، لأن هذا كان يعني توقيع حكم الإعدام عليهم طبقًا للنظام الروماني.
لم يكن التلاميذ قد أدركوا بعد معنى القيامة، بل إنهم اندهشوا عندما عرفوا أنَّه قام، فكيف يزوِّرون فكرة القيامة بالسرقة (انظر لوقا 24)! ومن الواضح أنهم وهم في هذه الحالة ما كانوا ليزوّروا ويخدعوا، ليقنعوا الناس بما لم يدركوه بعد؟!
وإذا قاموا فعلاً بسرقة الجسد فكيف تحمَّلوا بعد ذلك الاضطهاد من أجل التبشير بقيامة المسيح؟ أ لم يكن يدفعهم هذا إلى الاعتراف بحقيقة الأمر لينجوا من الموت والعذاب؟!

من كل ما سبق، يستطيع كل ذي عقل أن يحكم يقينًا إن كانت القيامة حقيقة راسخة أم أكذوبة خادعة.

بقلم
يوسف عاطف

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي