الكلمة الأولى:
لنستمع إلى المعلم المنازع: فمن قلبه الدامي تتفجَّر ينابيع الحبّ والرحمة. جسده البتولي يرتجف ويرتعش. وبنظرات ملؤها الحنان يتطلع إلى العالم الجاني, وسط آلام مبرحة ومؤثرة, يصرخ إلى أبيه السماوي بزفرات كئيبة وتعطفات إلهية:
يا أبتِ, لا تغضبك أشواك إكليلي الحادة. أنا بحثت عنها وطلبتها, وما هي إلا ثمرة مُرة لشقاء الإنسانية التي انفصلت عنك بذنوبها. إنما سامح الكبرياء التي سببتها. واغفر للكثيرين الذين ينكرون أنك أرسلتني. سامح خاصة جبانة الأصدقاء الذين تركوني, وضراوة الجلادين الذين عذبوني. يا أبتِ القدوس, إغفر خطايا العظماء المتسلطين, ولا تذكر خطايا الفقراء المساكين. كن رحوما, يا أبتاه, وسامح هذه النفوس لأنها خاصتي. لا تنتقم منها, بل اشفق وارحم. لا تنظر إلى خطايا العالم, بل إلى دمي المسفوك على الصليب تعويضا عن الإهانات الجارحة التي تلحق بك وبمجدك العظيم.
يا يسوعي المصلوب, دعني أتحد معك بصلاتك. اني أركع أمام صليبك المقدس, مُنْحَنِيَ الرأس, وقلبي يخفق حبًا ويتفطر حزنا لرؤيتي إياك متروكا من نفوس فديتها بدمك … ولكن, إذا سمحت لي في هذه الساعة, أن أضم دموعي إلى دموعك, أتوسّلُ إليك لأجل الذين لا يصلون … وأباركك عوض عن الذين يلعنونك … واسبحك بالإتحاد مع كل النفوس المؤمنة قاطبة … فاقبل صراخنا هذا من قلوب دامية تسألك المغفرة!
الكلمة الثانية:
ما ألطف يسوع, وما عمق محبة قلبه الأقدس! ما كدنا نسأله نعمة التوبة للخطأة, حتى رنَّ صوته الرقيق في آذاننا, كأنشودة السلام تبشِّرُ بانعطاف السماء إلينا. فاللص التائب, المصلوب على يمين فادينا الحبيب, نطق بإسم جميع الخطأة الهالكين: “أذكرني يا ربّ في ملكوتك!” … فلنستمع معه إلى جواب الفادي:
إن التوبة فتحت سماء قلبي … فانتظري أيتها النفوس واعملي بمشيئة الآب … عن قليل تضمحلّ أحلام هذه الحياة, وترتلين مع طغمة التائبين نشيد المراحم الإلهية … تعالي واحتمي في جراحاتي التي فَتَحَتْهَا معاصيكِ …لا تخافي! إنّ بابَ رحمتي مفتوحٌ أبدًا للجميع … فكلميني عمّن تريدين … تكلّمي ولا تترددي … فإني تواقّ لصلواتك ومناشداتك.
يا قلب يسوع, حلاوة الخطأة التعيسين, هوذا خاطئ يبتهل إليك. يا قلب يسوع, حبيب الفقراء المنبوذين, هوذا فقيرٌ واقفٌ على بابك. يا قلب يسوع, طبيب النفوس السقيمة, هوذا مريض يأتي لزيارتك. يا قلب يسوع, طريق التائهين النيِّر, هوذا شريدٌ يعود إليك. يا قلب يسوع, بلسم القلوب الباكية, هوذا بائس يقرع بيت قربانك. يا قلب يسوع, صديق النفوس الأمين, هوذا صديق ناكر المعروف يبكي على قدميك. يا قلب يسوع, الراحة الوحيدة في ضيقات الحياة, ها هي نفس تعبة تطلب نجدة ساعدك. يا قلب يسوع المنازع, رجاء المحتضرين الوحيد, إرفق بمن يعالجون سكرات الموت الرهيب. إجعلهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة على ثقة من رحمة قلبك الإلهي. إرحمهم يا يسوع, وعِدهم, كما وعدت اللص التائب, بدخول فردوسك السعيد. أرسل لهم ملاك الجسمانية, وقرِّب من شفاهم كأس دمك المقدّس ليشفي نفوسهم.
الكلمة الثالثة:
بماذا أكافئك, يا يسوع, على إعطائك إياي أمك, وأنا الفقير العاجز … إني أحتضنها بكلِّ ما فيَّ من حُب, وأقدم لها بيتي … وإقرارًا بفضلك العظيم, أقدِّمُ لك بيديها أوجاع المتألمين. أستحلفك باسم مريم الواقفة تحت الصليب تتجرَّع معك آلام الخلاص, أن تَرُقَّ لهذه النفوس, فتنيرها وتمسح دموعها. بحق مريم الشهيدة التي رافقتك على درب الجلجلة, لطِّف دموع أمهات كثيرات يبكين ولدا عزيزا … أعضد اللواتي يُقاسينَ الأحزان الخانقة في سبيل أولادهنَّ الشاردين. استمع إلى تضرعات والدتك القديسة لخير الذين افتديتهم على الصليب.
الكلمة الرابعة:
يا عابري الطريق, تأملوا وانظروا … ما أقسى استشهاد يسوع على الصليب … تركه الجميع, حتى الذين أجلسهم على مائدته وأشبعهم من خمر حبِّه. لكن هنا ما هو أشدُّ تمزيقا وألمًا! ويسوع يشاركنا مشاعره النابضة بصراخه المتقطع الصاعد من أعماق صدره:
يا راعيَّ الصالح, إنَّ صراخك الأليم يتردَّد عبرَ الأجيال, ويلج إلى أعماق النفوس. إنك تتألم لموت الكافر بعيدا عنك. وما أكثر العائشين في الظلمات بلا إيمان ولا رجاء. أذكرهم جميعًا يا من تألَّمتَ من تركِ أبيك. كن مباركا ولا تدعهم يبتعدون عنك. أسألك لأجل فاقدي الإيمان, لأجل مفسدي التعليم وناشري الضلال, لأجل مضطهدي كنيستك, لأجل لاعني صليبك ومذبحك, اجذبهم جميعا إليك, واغفر لهم بحق رحمتك ونزاع قلبك المعبود.
الكلمة الخامسة:
يا يسوع, نحن تعبون من اجتياز بريَّة هذا العالم, وعطاش إلى الماء الحي الذي وعدّتَ به. نحن عطاش إليك … ولا يروي عطشنا هذا إلا إنتصار قلبك المقدس الذي ضحَّى بكل نقطة دم وماء, عندما طعنه المبغضون الحاقدون, لنروي به نفوسنا الظمأة. يا يسوع الحبيب, تعال وتمِّم مواعيدك, واملك علينا بجمال ومحبة قلبك وحنانه.
الكلمة السادسة:
لقد أتمّ يسوع مشيئة الآب الذي أرسله, وأتمّ نبوءآت العهد القديم فيه. بموته على الصليب وهب لنا الحياة وأتمَّ سرَّ الفداء المقدس. فلم يبقَ بعد إلا أن يهتف:
يا يسوع الحبيب, إنَّ قلبك هو إرث لنا. فيه كمَّلت عملك, وقدَّست من يسير وراءَك على طريق التضحية. استكملْ عملك بانتصار كنيستك المقدسة. إخزِ القوى التي تناوئها, وشتت بروحك الإلهي جيش الظلام الذي يحاربها. تكلَّم يا رب فيتهلل شعبك على الأرض, ويمجِّدك مؤمنيك من أقصى الكون إلى أقصى أرجاء المعمورة.
يا ربّ, تمم عملك وخفف عذابات النفوس المطهرية. إرحمها وعجّل خلاصها. ترأف بنفوس أهلي وأصدقائي والمحسنين إليّ … وحتى المبغضين. إنها في هذا الوقت تنتظر سقوط ندى صلواتي على نيرانها الملتهبة. لا تنسَ موتانا يا يسوع, لقد دعوتهم أنت إليك: فأعطهم الراحة الدائمة وليشرق نورك عليهم.
الكلمة السابعة:
إن الطبيعة في حداد, وقد غشيها الظلام الكثيف … في هذه الساعة من الجمعة العظيمة صمتت أناشيد أورشليم السماوية … وهبطت السماء بكاملها على الأرض … وجثا الكون على أقدام المصلوب يقطف خفقان قلبه الأخير. فقد حانت الساعة المقدسة ليُسلِمَ فيها يسوع الروح بصوت عظيم يدوِّي في الأعالي:
يا يسوع, يا حُبًا يفوق كلَّ حب, إقبل بقلب القديسة مريم أم الأوجاع, تقدمة ذاتي بأسرها. لست أنا الذي أحيا بل أنت الذي تحيا فيَّ. فتنازل واستمع إلى صلاتي: أن تضعني في قلبك المجروح إلى الأبد, وأسعد بلقائك وجها لجوه في الحياة الأبدية.