الادارة
نشر منذ سنتين
2
كيف يمكن لسلام اليصابات أن يؤكد حقيقة التجسد الإلهي؟

وكيف يمكن لسلام اليصابات أن يؤكد حقيقة التجسد الإلهي؟

في البشارة لم يُعلن الملاك جبرائيل عن الوقت الذي فيه يتحقق كلامه حول الحبل البتولي لمريم بيسوع المسيح، إلاَّ أن هذا السر يثبِّت ويظهر حسّيّا وقت الزيارة. فإن اليصابات تؤكد باسم العهد القديم أن الرجاء المسيحاني قد تحقق في أحشاء مريم البتول، وذلك من خلال تحيتها لمريم العذراء. ويُمكن أن نقسم سلام اليصابات إلى ثلاث أجزاء:

الجزء الأول: “هَتَفَت أليصابات بِأَعلى صَوتِها “مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ” (لوقا 1: 42).

إن كلمة مباركة هي كلمة تمجيد لله وشكر له لمريم وابنها. إنَّها بركة لأمومة مريم العذراء، إذ إن الله اختارها وميّزها من بين جميع النساء لتكون أمَّ المسيح. فالخلاص يأتي من خلال المرأة. إنما هذا لا يعني إن المرأة هي المُخلص بل المُخلص هو يسوع المسيح. لكن مريم، مثل كل أمٍ، مرتبطة بابنها في شخصيتها وتاريخها ورسالتها. ولذلك فإن البركة المزدوجة “مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ” ” توحي اشتراك يسوع ومريم في عمل الخلاص، فبركة الرب تبلغ البشر بواسطة مريم ويسوع المُتَّحدين اتحادا وثيقا.

وشهدت اليصابات وهي ممتلئة من الروح القدس بهتافها لحضور الله في أحشاء مريم، وقد ملأ الروح القدس قلبها وقادها للتسبيح على غرار أولئك الذين يُسبِّحون الله أمام تابوت العهد في المقدس مثل داود النبي (2 صموئيل 6: 16). ومن هذا المنطلق، فان مريم بمثابة تابوت العهد الحاوي حضور الله. ألم يقل لها الملاك قُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ” (لوقا 1: 35). وإن الهتاف الذي تطلقه أليصابات أمام ظهور الخلاص النهائي في مريم هو هتاف فرح بمجيء المسيح وبكثرة الأبناء الذين سيُولدون إلى الإيمان به كما جاء في نبوءة أشعيا ” إِهتِفي أَيَّتُها العاقِرُ الَّتي لم تَلِدْ إِندَفِعي بِالهُتافِ وآصرُخي أَيَّتُها الَّتي لم تَتَمَخَّض فإِنَّ بَني المَهْجورةِ أَكثَرُ مِن بَني المُتَزَوِّجة” (أشعيا 54: 1). إنه هتاف عظيم، لأنه أينما حلَّت مريم العذراء الممتلئة نعمة تملأ كل شيء بالفرح. وقد ابدى الأخ ماكس ترويان من جماعة تيزيه إعجابه في مريم فقال” مريم هي المرأة المختارة من جميع النساء، وما من أحد قَبْلها بُورك كما بُوركت، ولن يُبارك أحدٌ مثلها. مريم أم المسيح، لها وحدها كمال البركة والسعادة”.

هل تبحث عن  من رموز مريم العذراء في العهد القديم جبل دانيال

الجزء الثاني: “مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ (لوقا 1: 43).

استدركت اليصابات هذا الحدث العظيم كفرصة عظيمة لا تستحقها فأكملت هتافها ” مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ (لوقا 1: 43). وهنا نجد إشارة إلى قول داود النبي حيث يدعو المسيح رباً بوحي من الروح “قالَ الرَّبُّ لِسَيِّدي: اِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعداءَكَ مَوطِئًا لِقَدَمَيكَ ” (مزمور 110: 1) ويُفسر يسوع المسيح لليهود هذا القول: كيفَ يَقولُ النَّاسُ إِنَّ المسيحَ هو ابنُ داود؟ فداودُ نَفْسُه يَقولُ في سِفْرِ المَزامير: قالَ الرَّبُّ لِرَبِّيَ: اِجلِسْ عن يَميني حتَّى أَجعَلَ أَعدَاءكَ مَوِطئاً لِقَدَمَيكَ. فَداودُ يَدعوهُ رَبَّاً، فكيفَ يكونُ ابنَه؟ ” . يلمِّح المسيح في هذا المزمور إلى ألوهيته وتساميه (متى 22: 44). ولذلك فإن يسوع المسيح تجسد حقا. هو حقا ابن مريم. وهي حقا أمُّ الله.

أليست مريم مسكن العلي الذي يُظللها الله العلي بقدرته؟ أليست هي تابوت العهد الجديد الحامل ” حضور الله؟ تتّضح عقيدة الكنيسة الكاثوليكيّة على ضوء صرخة اليصابات: “ مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟“. هذا السؤال نجده أيضاً في سؤال داود عن تابوت العهد ” كَيفَ يَنزِلُ تابوتُ الرَّبِّ عِنْدي؟”) 2صموئيل 6: 9). مريم تكرّم لأنّها أمّ المسيح وحاملته، وجود مريم لدى اليصابات هو وجود الرب لديها، ووجود مريم في حياتنا يعني وجود الرّب معنا. من أين لي أن تأتي إليّ أم ربيّ؟: هذا السؤال نجده أيضاً في سفر صموئيل الثاني، وهو ما يؤكّد ما قلنا سابقاً، فداود قد صرخ أيضاً: “من أين لي أن يحلّ تابوت الرّب عندي؟” (2صم 6: 9). هنا يجد الإكرام لمريم معناه الحقيقي، مريم تُكرّم لأنّها تابوت العهد، حاملة الابن.

هل تبحث عن  ترائي يسوع للتلاميذ ولتوما

وفي الحقيقة، يسوع، ابنُ الله وهو جنين في بطن مريم يزور الآن أليصابات. وأليصابات بالروح القدس تخاطب مَن تفوَّقت على النساء في القداسة والطُهر، واستحقّت أن تحمل الثمر المبارَك يسوع. وهنا تتكلم اليصابات بالروح القدس وتسمّي العذراء أمَّ الرب أي ” أمّ الله ” لأن ” الرَّبّ هو اللهُ وقد أَنارَنا ” (مزمور 118: 27). هنا اليصابات تنطق بالروح وتعلن أمومة مريم لربِّها، بالرغم من عدم وجود آية ظاهرة لهذا الحدث الإلهي. إنما شهادة اليصابات بأمومة العذراء لربها انطلاقا من إصغائها لسلام مريم. وجاءت شهادة اليصابات أنَّ ابن مريم هو رب بالرغم انه لا يزال في بطن امه، وذلك بقوة وحي الروح القدس. لكن لم يلقّب يسوع ب “الرب” إلاّ بعد القيامة (أعمال الرسل 2: 36) بعد أن انتصر على الموت. ولم تكتفِ اليصابات إن تدعو مريم أمَّ الرب بل تدعوها أم “ربي” وتعني ذلك أمُّ الله الذي خلصني ونزع عنى العار ورحمني. فهل نصغي نحن لإلهام الروح القدس في حياتنا؟ فهذه البركة التي تحملها القديسة الفائقة القداسة مريم هي الثمرة المباركة، وهي التي تجعل مجيء القديسة مريم إلى أليصابات شرف عظيم لا تستحقه أليصابات.

الجزء الثالث: ” فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ ” (لوقا 1: 45).

تابعت أليصابات سلامها بتحية” فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ ” (لوقا 1: 45). إذا كان عمل الله أن يبارك ويُخلص، فإنَّ عمل الإنسان هو أن يُؤمن بالله الذي يبارك ويُخلص فيصبح الإنسان مباركا. وهكذا فان مريم العذراء وضعت ثقتها بالله وآمنت في عمله في حياتها فأصبحت مباركة. والإيمان هو دوماً فعل انطلاق نحو الآخر، هو خروج من الوحدة والعزلة والانطلاق، هو مختصر حياة مريم، أمنت فانطلقت نحو أليصابات، في خدمة اليصابات ومحبّتها.

هل تبحث عن  يونان والسيد المسيح

أجل آمنت مريم العذراء ببشارة الملاك جبرائيل لها أنّها ستلد ابنها يسوع بقدرة الروح القدس إذ قالت ” أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ”(لوقا 1: 38). استحقت مريم العذراء الطوبى والسعادة، لأنها آمنت بكلام الله وعملت به. ولا يشير هذا الكلام إلى تواضع بقدر ما هو كلام إيمان وثقة ومحبة. إن رسالة الاله المتجسد في مريم قد انطلقت منها. وفي هذا الصدد يقول المجمع الفاتيكاني ” إن المثال الكامل للحياة الروحية والرسولية هو الطوباوية العذراء مريم. فإنها، وإن عاشت حياة عائلية، قد ظلت على اتصال وثيق بابنها، وما زالت مشتركة بصورة تامة في العمل الخلاصي بطريقة فريدة”(قرار مجمعي في رسالة العلمانيين ،4).

تدعونا زيارة مريم العذراء إلى الإيمان بمولود بيت لحم، ونحن لا ندركه. وان نراه على ضعفه إلها قديرا كما آمنت اليصابات، وآمن يوحنا وهو في أحشاء امه. تدعونا اليصابات إلى اللجوء، بإيمان وتواضع وثقة إلى الله. إنه القدير والحنون الذي يستجيب الدعاء، ولا يخيب الرجاء، وان نبتهج بدنو مريم ويسوع منا كما ابتهجت اليصابات وابتهج ابنها يوحنا. وتدعونا زيارة العذراء أن ننقل إلى الناس بشرى يسوع كما نقلتها وان نشكره لله عظائمه فينا، كما شكرت. وأخيراً تدعونا لقاء العذراء مع نسيبتها أليصابات إلى قبول الآخرين والترحيب بهم متذكرين قول يسوع وصية يسوع ” مَن قَبِلَكم قَبِلَني أَنا ” (متى 10 :40).

نطلب أخيرا من العذراء أن تزورنا كما زارت نسيبتها اليصابات فنحيّها بتحية ملاك جبرائيل وتحية أليصابات وتحية الكنيسة قائلين “السلام لك يا مريم العذراء الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنتِ في النساء ومبارك ثمرة بطنكِ يسوع، يا قديسة مريم، يا والدة الله صلي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا. آمين.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي