لأجل حب المسيح …
لأجل حب المسيح ...
حذرنا السيد المسيح من السعي وراء المجد الباطل لهذا العالم كمكافأة لأعمالنا الصالحة، قائلا: “ﭐحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!” (متى 6: 1، 5). يرفض الله الأعمال الصالحة بدافع الرغبة في الحصول على مكاسب زمنية أو مجد العالم والمديح الباطل. في الواقع، يحاول الشيطان إغواء البشر بالأمجاد الزمنية لهذا العالم (يوحنا 12: 43؛ متى 4: 8-9). إذا، ما هو دافع الأعمال الصالحة الذي يبني ويرتقي بروح الإنسان، ويرضي الله؟ هل هو السعي وراء الأمجاد الأبدية وأكاليل السماء (رومية 2: 5-11)؟ هل هو الخوف من عذاب الجحيم الأبدي؟ أم هل هو حب الله والجار؟
الإله القدير الأبدي للكون المرئي والغير مرئي هو كامل في كل شيء. لا يفتقر إلى شيء. لديه اكتفاء ذاتي مطلق. لا يحتاج الى شيء خارج كيانه الإلهي. لذلك، لا يستطيع الإنسان أن يمنح أي ميزة أو منفعة لله بأعماله وخدماته الصالحة. “هَلْ يَنْفَعُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ … هَلْ مِنْ مَسَرَّةٍ لِلْقَدِيرِ إِذَا تَبَرَّرْتَ أَوْ مِنْ فَائِدَةٍ إِذَا قَوَّمْتَ طُرُقَكَ؟” (أيوب 22: 2-3)؟ في الواقع، لا يمتلك الإنسان شيئا بذاته. كل ما لديه وكل ما يفعله هو هبة من الله. وبالتالي، ليس الله مديونا إلى فاعل الصلاح. انه ليس مدين بأجور لأحد. ليس للبشر أي ادعاءات واستحقاقات على خالقهم. “لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا” (المَزَامير 24: 1). قال الأب الراهب بطرس البيوني: “يجب ألا ننتفخ عندما يفعل الرب شيئا بواساطتنا، ولكن ينبغي أن نشكره لأنه جعلنا مستحقين لدعوته لنا.” “هَلْ تَفْتَخِرُ الْفَأْسُ عَلَى الْقَاطِعِ بِهَا أَوْ يَتَكَبَّرُ الْمِنْشَارُ عَلَى مُرَدِّدِهِ؟ كَأَنَّ الْقَضِيبَ يُحَرِّكُ رَافِعَهُ! كَأَنَّ الْعَصَا تَرْفَعُ مَنْ لَيْسَ هُوَ عُوداً!” (إشعياء 10: 15). “لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ” (فيلبي 2: 13).
هل هناك مكافآت للأعمال الصالحة؟ يؤكد الكتاب المقدس أن هناك مكافآت للأعمال الصالحة والحياة التقية الجيدة. “لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً… وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً” (متى 6: 4، 6). كما يحذر الكتاب المقدس من العقاب لأعمال الشر. ويعتمد مدى ومستوى المكافأة على مدى ودوافع الأعمال الصالحة. “فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ (المسيح) سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ” (متى 16: 27؛ كورنثوس الأولى 3: 8، تيموثاوس الثانية 4: 8؛ الخ).
مع ذلك، يعطي الكتاب المقدس وصفا قليلا جدا لطبيعة وأحوال الفردوس والجحيم؟ لذلك، لا يُركز الكتاب المقدس على مبدأ المكافآت والعقوبات الأبدية كأساس للعلاقة بين الله والإنسان. لكن يتم التركيز على محبة الله والجار كالدافع الصحيح المقبول لطاعة وصايا الله، والحياة ألتقية، والقيام بالأعمال الصالحة. “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (يعقوب 1: 12). “أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟” (يعقوب 2: 5). المكافآت والعقوبات هي النتائج النهائية في نهاية الرحلة، وليست الدوافع في بداية الرحلة. قال بولس الرسول: وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا” (تيموثاوس الثانية 4: 8؛ كورنثوس الأولى 3: 8؛ كولوسي 3: 24).
الشخص الذي يطالب بأجر لأعماله الصالحة، ويشعر باستحقاقه مكافأة زمنية أو أبدية من أي نوع هو شخص متكبر متفاخر ببره الذاتي يشعر أنه اكتسب رضى الله. “لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذاً مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ” (غلاطية 2: 21). البر الذاتي هو خطيئة روحية خطيرة. إنه يؤدي إلى عرقلة عمل نعمة الله في حياة الشخص. قالت الأم الراهبة سنكليتيكا: “الفضيلة المُعلنة تتلاشى مثلما يفقد الكنز المكشوف قيمته. وكما يذوب الشمع عندما يكون قرب النار، كذلك يدمر الثناء نفس الإنسان وتفقد كل نتائج تعبها.”
في الواقع، مساعدة المحتاجين والمرضى من أجل الحصول على أمجاد السماء في المقابل هو شكل من أشكال الاستغلال النفعي. الشخص الذي يقدم المساعدة لا يحب حقا ولا يبالي بالمحتاجين. انه يركز فقط على استخدام المحتاجين كوسيلة للوصول إلى السماء. جميع أشكال الاستغلال بغيضة وغير أخلاقية. أنها تجرد المحتاج من إنسانيته، وتخفضه إلى مجرد وسيلة تُستخدم وتُستغل. تنبع كافة أشكال الإستغلال من الأنانية، وليست من المحبة.
لقد وعد الله بمكافآت مجانية لأعمال المحبة الصالحة التي تتم تحت تأثير النعمة الإلهية. هذه المكافآت هي هدايا ينعم الله بها على الإنسان من فضل بركته. لأن الله أمين، سوف يمنح تلك النعم والمكافآت الدنيوية والأبدية للذين يرضونه كما وعد. “لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً” (متى 6: 4، 5: 12؛ 25: 34؛ كورنثوس الثانية 9: 6؛ لوقا 6: 38). مع ذلك، السعي وراء المكافآت هو الدافع الخطأ للأعمال الصالحة. لا يحب الله المرتزقة. لا توجد أي قيمة روحية على الإطلاق لمجرد الأداء الخارجي لأعمال صالحة بدافع من الجشع والرغبة في الحصول على مكافآت زمنية أو أبدية، أو بدافع الخوف من الجحيم. أعمال البر الذاتي هي منافقة وجوفاء. “… لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ. لأَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ” (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ 16: 7؛ إشعياء 50: 11؛ 64: 6). أنها لا تؤدي إلى الإستنارة الروحية والنمو في المسيح.
يصف السيد المسيح علاقته الحميمة بالمؤمن المسيحي بأنها علاقة “صديق” (يوحنا 15: 14-15)، “أخ” (متى 12: 50)، “أبناء الله” (لوقا 20: 36)، “ابناء النور” (يوحنا 12: 36)، “وأبناء العلي” (لوقا 6 : 35). لا يتوقع الصديق أو الأخ أي أجر لمساعدة صديقه أو شقيقه، إذ أن عمله هذا بدافع حبه نحوه.
لقد أكد الكتاب المقدس مرارا أن الدافع المثالي لفعل الخيرات هو حب الله والجار. “وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ” (مرقس 12: 30-31؛ يشوع 22: 5؛ تثنية 6: 5؛ 10: 12؛ لوقا 7: 47؛ رومية 5: 5). “اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً…. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ” (كورنثوس الأولى 13: 8، 13؛ كولوسي 3: 14). “لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ” (غلاطية 5: 6، 13؛ عبرانيين 6: 10). قال السيد المسيح: “هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ” (يوحنا 15: 12، 10؛ 13: 35؛ غلاطية 5: 14).
قال السيد المسيح: “إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ” (يوحنا 14: 15، 21، 23، 28؛ 21: 17). لم يقل: “إذا كنتم تخافون عذاب جهنم فاحفظوا وصاياي.” كما لم يقل: “إذا كنتم ترغبون أكاليل وأمجاد السماء فاحفظوا وصاياي.” بعد قيامته، سأل السيد المسيح بطرس ثلاثة مرات، قائلا: “… هل تحبني …” فقط بعد أن أكد بطرس بشكل قاطع أنه يحب المسيح، طلب منه أن يخدمه (يوحنا 21: 15-17). محبة المؤمن للمسيح هي أن يعرفه ويمتلكه كروح حياته. كما يرغب الصديق أن يرى صديقه الحبيب، تشتاق النفس البشرية المُحبة بهجة رؤية الله، ليس بسبب اللهفة وراء الأجر، ولكن بدافع الحب النقي. “مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ. تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلَهِ الْحَيِّ. وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ” (المَزَامير 84: 1-2؛ 27: 4). هذا هو المستوى المثالي للأخلاق في الحياة اليومية. مع ذلك، فكر الجنة والجحيم قد يحمي الذين يحبون الله من السقوط في أوقات التجربة الصعبة (متى 10: 28؛ كورنثوس الأولى 9: 24-25). هذا الفكر العابر نافع في هذه المواقف.
قال السيد المسيح: “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً” (يوحنا 15: 5). يتحد المؤمن مع المسيح. كما تتدفق الحياة من الكرمة إلى أغصانها، تتدفق حياة الأعمال الصالحة للمسيح إلى المؤمن من المسيح. يتعاون المؤمن بحرية مع الطاقة الالهية للسيد المسيح في خضوع تام له للقيام بأعمال المحبة. هذا الاتحاد الدائم مع المسيح لا يمكن أن يتم إلا بالنعمة الإلهية. أوضح القديس أغسطينوس ذلك قائلا: “الله يتوج صلاحك، ليس كاستحقاقاتك، ولكن كهباته لك.” الصلاح هو هبة من النعمة الإلهية قبلما يكون انجازات الشخص نفسه. كل حكمة وطاقة وقدرة المؤمن لفعل الصالحات تنبع بأكملها من نعمة الله التي تهب الأعمال الصالحة. الأعمال الصالحة المقبولة للمحبة تصدر من نعمة الله المجانية. لا يمكن القيام بها بدون مساعدة النعمة الإلهية. يتم إنجازها بقوة المسيح من خلال الروح القدس بتعاون إرادة المؤمن وموافقته. ألأعمال الصالحة هي الثمار الضرورية للإيمان الحي. تستمد فعاليتها من المسيح الذي يقدمها إلى الآب، ومن خلاله تجد القبول لدى الآب. “وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَاراً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاَّتِ بِرِّكُمْ” (كورنثوس الثانية 9: 10).
العلاقة بين إله الإنجيل والمسيحيين المؤمنين هي علاقة أب بأبنائه: “أَنْتُمْ أَوْلادٌ لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ …” (التثنية 14: 1)؛ “وَأَكُونَ لَكُمْ أَباً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” ( كُورِنْثُوس الثَّانِيَةُ 6: 18؛ يوحنا 1: 12، 13)؛ “إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!»…” (رومية 8: 15-17؛ 9: 26)؛ “أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ” (يُوحَنَّا الأُولَى 3: 1)؛ “إِذاً لَسْتَ بَعْدُ عَبْداً بَلِ ابْناً، وَإِنْ كُنْتَ ابْناً فَوَارِثٌ لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ” (غلاطية 3: 26؛ 4: 7؛ إرميا 31: 9؛ متى 6: 9؛ يوحنا 8: 34-36). الله ليس فقط الرب الذي يُطاع، بل أيضا الآب المحب الذي يحبه الإنسان. إنه يتوقع أن يستجيب أبناءه بالتبني إلى محبته بمحبتهم بعضهم لبعض. يقدس الله أتباع المسيح الحقيقين، ويرفعهم إلى مستوى روحي رفيع بعلاقته الأبوية معهم.
في مثل الابن الضال (لوقا 15: 11-32)، غضب الإبن الأكبر لإستقبال أخيه الأصغر التائب العائد بالاحتفالات، بينما لم يحصل هو على أي شيء في مقابل خدماته لأبيه. ذكّره أبوه انه يشاركه في كل ممتلكاته، قائلا: “يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ” (لوقا 15: 31). ليس الأبن أجيرا، ولا يتوقع أي أجر من أبيه لخدمته. يذكر القديس بولس الرسول المؤمن بحقيقة مماثلة، قائلا: “إِذاً لَسْتَ بَعْدُ عَبْداً بَلِ ابْناً، وَإِنْ كُنْتَ ابْناً فَوَارِثٌ لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ” (غلاطية 4: 7؛ رومية 8: 17). الابن الأكبر المصاب بمرض البر الذاتي أراد مكافأة زمنية لخدمة أبيه. على الرغم من انه لم يتعدى وصايا أبيه (لوقا 15: 29)، انه لم يحب أبيه وشقيقه الأصغر. “وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً” (كورنثوس الأولى 13: 3). ينتهي مثل الإبن الضال بالابن الأكبر خارج منزل والده.
في القديم، أنعم الرب الإله على أيوب بثروة كبيرة، والنسل والصحة (أيوب 1: 2-3). ومع ذلك، عندما فقد أيوب كل هذه البركات في الإختبارات القاسية التي أصابته بتحريض الشيطان، لم يجدف على الله. لكنه استمر في الخضوع للرب وفعل الخير. انه لم يتبع الرب من اجل الحصول على أي نوع من المكافآت والكسب. قال أيوب: “… أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟…؟” (أيوب 2: 10). أحب أيوب الرب الإله ووثق به على الرغم من المحن الشديدة التي أصابته، قائلا: “إنني أثق فيه رغم أنه يقتلني…” (أيوب 13: 15).
حوالي 2000 سنة قبل المسيح، أراد الله أن يختبر إيمان إبراهيم، فطلب منه أن يقدم ابنه كذبيحة لإرضاء الله على جبل. قال الله لإبراهيم: “خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ” (تكوين 22: 2). كان إسحاق ابن إبراهيم الوحيد الذي وعده الله به من زوجته سارة في شيخوختهما. عند ميلاد إسحق، كان إبراهيم يبلغ أكثر من مائة سنة، وزوجته سارة أكثر من تسعين سنة (تكوين 17: 17 ). لم يتوقع إبراهيم أطفالا أخرى من سارة بعد إسحاق. وكان أمر الله بتضحية اسحاق يبدو متناقضا مع وعد الله لإبراهيم، ومع سمة المحبة الإلهية. ومع ذلك، كان حب إبراهيم وولائه للإله الحي أقوي بكثير من حبه لابنه الوحيد من سارة زوجته. لذلك، أطاع إبراهيم أمر الله وقدم ابنه له على الجبل. عندما رأى الله طاعة إبراهيم، أمره أن يقدم كبشا عوضا عن ابنه.
قبل اعتقاله في ضيعة جَثْسَيْمَانِي، صلى يسوع بأشد لجاجة أن يعفيه الله الآب من عذاب الصليب، قائلا: “يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ” (لوقا 22: 42؛ متى 26: 39-44؛ مرقس 14: 36-39). اختار يسوع بإرادته الحرة أن يقدم إرادة الله الآب على إرادته البشرية، فأطاع إرادة الله طاعة كاملة، وقبل العذاب وموت الصليب ليفدي البشرية الساقطة. أحب يسوع الله الآب أكثر من حياته الزمنية على الأرض. كان الدافع الرئيسي لقبوله الصليب هو حبه وولائه لله الآب. كان هذا الحب الإلهي أقوى من أي اعتبارات أخرى في حياته. عبر عن هذا عندما قال: “وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ” (يوحنا 14: 31).
في 6 ديسمبر 1273، في كنيسة سانت نيكولاس بدير الدومينيكان في نابولي بإيطاليا، بعد خدمة صلوات الصباح، تمهل القديس توما الاكويني، اعظم لاهوتي للكنيسة الكاثوليكية، ورآه دومينيك أمين الكنيسة في صلاة حارة بدموع أمام أيقونة المسيح المصلوب. قال السيد المسيح لتوما “لقد كتبت جيدا عني، ياتوما. أي مكافأة تريد لتعبك؟” أجاب توما، “أنت هو كل ما أريد يارب.” يشبه هذا ما قاله داود النبي في القديم: “وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ” (المَزَامير 27: 4). تنيح توما وذهب ليكون مع الرب في الأبدية بعد ذلك بثلاثة أشهر في 7 مارس 1274.
“أعظم مكافأة لكفاح الإنسان ليس ما يحصل عليه في المقابل، بل المرتبة التي يرتفع إليها بكفاحه” (جون راسكين). أعمال التقوى الصالحة المقبولة لدى الله ليست لأجل الحصول على أجر زمني أو أبدي، وليست بدافع الخوف من عقاب زمني أو أبدي، ولكن بدافع محبة الله والجار. الصالحات، ثمار الإيمان الحي، تمجد الله الآب. قال السيد المسيح: “بِهَذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تلاَمِيذِي” (يوحنا 15: 8). كل شيء لمجد الله.

هل تبحث عن  بركة يعقوب هي إعلان المسيح لكل الأمم. الأمر الذي تحقق الآن

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي