لقاء مع ملكي صادق:
سبق لنا الحديث عن هذا اللقاء في تفسيرنا للأصحاح السابع من الرسالة إلى العبرانيين، إذ رأينا أن قصة لقاء إبراهيم أب الآباء مع ملكي صادق بعد غلبة الأول على كدرلعومر تمثل لغزًا لدى اليهود لا يعرفون له تفسيرًا، إذ كيف يقدم أب الآباء إبراهيم الذي في صلبه كهنوت لاوي العشور لرجل غريب؟ ولماذا ظهر هذا الملك والكاهن في الكتاب المقدس واختفى فجأة ولا يعرف أحد أباه أو أمه أو نسبه؟ ولماذا لم يقدم ذبيحة دموية كما كانت عادة ذلك الزمان؟
أسئلة لا يجد لها اليهود إجابة، لكن الرسول يكشف عن سرها بإعلانه أن ملكي صادق وهو رمز للسيد المسيح قد فاق شخص إبراهيم الحامل للكهنوت في صلبه (سبط لاوي) ويمكننا الرجوع لتفسير العبرانيين (أصحاح 7)، مكتفيًا ببعض العبارات للآباء:
* من هو كاهن الله العلي أكثر من ربنا يسوع المسيح الذي قدم ذبيحة لله الآب، مقدمًا ذات الأمور التي قدمها ملكي صادق، الخبز والخمر، أي جسده ودمه؟! أما بخصوص إبراهيم فالبركة التي نالها إنما تخص شعبه.
* هذا هو ملكي صادقنا الذي قدم الذبيحة المقدسة التي لنا.
إنه هو القائل: “من يأكل جسدي ويشرب دمي” (يو 6: 55)، معطيًا إيانا سره هذا على رتبة ملكي صادق.
هذا وقد أوضح القديس أمبروسيوس أن ملكي صادق كان إنسانًا مقدسًا وكاهنًا لله يرمز لربنا يسوع المسيح ولم يكن ملاكًا كما ادعى بعض اليهود.
في أيجاز نورد مقارنة بين السيد المسيح وملكي صادق:
أ. من جهة الاسم “ملكي صادق” يعني “ملك البر” (رو 3: 24).
ب. من جهة العمل “ملك ساليم” أي ملك السلام (يو 16: 32).
ج. كان ملكًا وكاهنًا في نفس الوقت الأمر الذي لا يتحقق عند اليهود، إذ كان الملوك من سبط يهوذا والكهنوت من سبط لاوي، أما في المسيح يسوع فتحقق العملان معًا.
د. تقدمة ملكي صادق فردية في نوعها تشير إلى ذبيحة السيد المسيح.
ه. لم نعرف شيئًا عن أبيه وأمه ولا بداية ملكه أو نهايته، إشارة إلى السيد المسيح الذي بلا أب جسدي وبلا أم من جهة اللاهوت، بلا بداية أيام، أبدي.
ز. جاء السيد المسيح كاهنًا على رتبة ملكي صادق، وكأن الكهنوت اللاوي قد انتهى ليقوم كهنوت جديد.
ط. إبراهيم الذي في صلبه لاوي الذي يجمع العشور، يقدم بنفسه العشور لملكي صادق رمز السيد المسيح، فماذا يكون هذا الرمز؟ وكم يكون المرموز إليه؟