لماذا أنا بالذات؟ إرميا ورفضه

لماذا أنا بالذات؟ إرميا ورفضه
لقد حظي بإعداد وتجهيز إلهي خاص، لقد تعيَّن من الرب نبيًّا من بكور حياته، وهو ما زال صبيًّا صغيرًا، وعندما تردَّد في قبول دعوة الرب لكونه لا يعرف أن يتكلم لأنه ولد، جاءه تشجيع قوي من الرب: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ… لاَ تَخَفْ… أَنَا مَعَكَ» (إر1: 7، 8). وأتخيل إرميا الشاب الغضّ بدأ خدمته بحماسة كبيرة، ومشاعر متأججة، وتوقعات رائعة، ولِِمَ لا؟ أَ لم يُرِه الرب قضيب لوز، مؤكدًا له أنه ساهر على كلمته ليجريها، وإن كان سيذهب للشعب برسالة تحذير وقضاء، أليس ليجنِّبهم ويلات كثيرة ستنصب عليهم إن لم يسمعوا لأقوال الرب على فمه؟ فحتمًا سيصغون له وسيرحبون به وسيستجيبون لرسالته، إنه يُحب شعبه، وبالتأكيد سيلاقي صدى لمحبّته.

وإذ بنبينا يُفاجَأ بجفاء وصدود، ويتعرض لسلسلة من الاضطهادات العنيفة، والعداء من الكل: عائلته وأهل بلده (11: 18-23)، الشعب (18: 18، 19)، فشحور بن إمِّير الكاهن (20: 1، 2)، الكهنة والأنبياء (26: 8، 9)، وأخيرًا الرؤساء (37: 11-16؛ 38: 1-4).

وأمام عنف وقسوة ما تعرَّض له، اكتنف إرميا كثير من الحيرة والارتباك. وتزاحمت الأسئلة في ذهنه: أ لم يرسله الرب؟ أوَ لم يشجِّعه ليذهب إلى الشعب؟ أكان الرب يقصد له كل هذا الهوان والمذلة؟ ثم لماذا أنا بالذات الذي يحدث معي كل هذا؟ لقد شعر أنه يجتاز فيما لم يجتز فيه أحد من قبل، وأن الرب جعله هدفًا له، فانهالت عليه كل أنواع المصائب والمتاعب، ولقد عبَّر عن هذا في مراثيه بالقول: «أنا هو الرجل الذي رأى مذلَّة بقضيب سخطه» (مرا3: 1-18).

لكن عندما تحوَّل عن نفسه، وكفَّ عن رثائها، وتأمَّل صلاح الرب يقول: «أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو». لقد ردَّد في قلبه أمرين عن الرب يُعبِّران عن صلاحه غير المحدود والذي لا يتغيَّر على الإطلاق، وهما: “إحسانات الرب، ومراحم الرب”. فرأى في إحسانات الرب كم الخيرات والبركات التي تغمره دون استحقاق فيه، ورأى في مراحم الرب كيف أنه لم يُعامله بما يستحق. وإذ أدرك أن ما يناله من الرب من إحسان ومراحم يطغي على ما يتحمله من اضطهاد وضيق، نسمعه يقول: «طَيِّبٌ هُوَ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يَتَرَجُّونَهُ لِلنَّفْسِ الَّتِي تَطْلُبُهُ. جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ» (رجاء قراءة مراثي 3: 1-38).

هل تبحث عن  اليوم الثامن هو بدء أسبوع جديد وزمن جديد

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي