مقدمة
بدأت قصة الكتاب منذ أكثر من عشرين عاماً، حينما نشر أحد الأخوية البلاميس كتاباً ضد الأجبية، فعقدنا مؤتمراً فى الإسكندرية سنة 1976، ونشرنا مقالاً فى مجلة الكرازة عنوانه “روحانية الصلاة بالأجبية” ثم توالت المقالات.
صلوات الأجبية تعنى صلوات الساعة. والأجبية أخذت اسمها من كلمة (اجب) Ajp بالقبطية، ومعناها ساعة.
صلوات الأجبية هى السبع صلوات: باكر، والثالثة، والسادسة، والتاسعة، والغروب، والنوم، ونصف الليل. وأشار إليها داود النبى فى المزمور الكبير “سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك” (مز 119: 164).
وصلوات الساعات بالأجبية تشمل مقدمة عامة، ومزامير، وطلبات، وبعض القطع، وصلوات مشتركة فى كل ساعة، وتحليل، ونهاية عاملة لكل صلاة…
وحينما نصلى بها، تتحد الكنيسة بالجامعة الرسولية فى كل المسكونة فى صلاة واحدة، بروح واحدة…
وفى هذا الكتاب نشرح لك الفوائد الروحية العديدة للصلاة بالأجبية، وقانونية هذه الصلاة، واستخدامها فى العصر الرسولى، كذلك استخدام المزامير، منذ العهد القديم فى أيام الآباء الرسل.
والصلاة بالأجبية تشمل عناصر كثيرة جداً للصلاة. وتعلمنا كيف نتخاطب مع الله. وتشمل الخشوع كما تشمل الفرح والتهليل والتمجيد والتسبيح والشكر، والإتكال على الله. كما تشمل العقيدة فى تفاصيلها، وتذكرنا بمناسبات هامة، يجب أن ترسخ فى أذهاننا باستمرار…
هى مدرسة فى الصلاة، تعلمك كيف تصلى.
وإن صليت بها، فأذكرنى أمام الله، وصلّ عنى.
يوليو1998 البابا شنودة الثالث.
لمَاذا نصَلىّ بالأجبيَة؟
نصلى بها لروحانيتها ومثاليتها، ولأسباب عديدة منها:
- – لنطيل فترة الوجود فى حضرة الله:
قد يقف إنسان ليصلى، فيقول بضع كلمات وينتهى الأمر، ولا يجد بعد ذلك ما يقوله. ولكن المصلى بالأجبية يجد مادة دسمة للصلاة، تجعله يمكن أن يقف أمام الله فى كل مرة ربع ساعة أو أكثر إن أراد. وفى هذا يمكننا أن نقول أيضاً:
+ + +.
- – الأجبية مدرسة نتعلم بها الصلاة:
ونحن محتاجون أن نتعلم كيف نصلى. يكفى أن تلاميذ الرب سألوه قائلين “علمنا يا رب أن نصلى” (لو 11: 1). بالأجبية نتعلم ماذا نقول فى صلواتنا؟ وما هو الأسلوب اللائق أن نخاطب به الله ويتدرب لساننا وقلبنا على الحديث مع الله.
+ + +.
- – والأجبية تشمل كل أنواع الصلوات:
ربما إذا صلى إنسان بدون أجبية، قد يذكر بعض طلبات وختم صلاته. أما بالأجبية، فيدرك أن هناك أنواعاً من الصلوات، منها الطلب، وأيضاً الشكر، والإتضاع وإنسحاق القلب، والإعتراف والتوبة. ومنها أيضاً صلوات التمجيد والتسبيح، وصلوات الحب والتأمل فى صفات الله الجميلة.
فأنت مثلاً عندما تقول لله “قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك وكرامتك”.. هنا أنت لا تطلب شيئاً. وليست هذه صلاة شكر، ولا توبة. وإنما هنا تمجيد لله، وتأمل فى قداسته وعظمته…
وأنت حينما تقول فى ختام صلوات الأجبية “المسيح إلهنا الصالح، الطويل الروح، الكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذى يحب الصديقين ويرحم الخطاة..” هنا تتأمل فى صفات الله الجميلة.
+ + +.
- – إذن من مزايا الأجبية أنها تعلمنا التسبيح:
تعلمنا التمجيد والتأمل فى صفات الله الجميلة.. ولهذا تكثر فى مزاميرها عبارة “سبحوا الرب”.. “سبحوا الرب أيها الفتيان” “سبحوا الرب تسبيحاً جديداً” “سبحى الرب يا أورشليم”.. فما معنى هذا التسبيح؟ وكيف يكون؟ إننا نتعلمه من صلوات الأجبية..
+ + +.
- – نصلى بالأجبية أيضاً، لأنها تشمل تفاصيل عديدة جداً.
من منا إذا صلى بمفرده من أجل غفران خطاياه، يصلى من أجل مغفرة الخطايا التى صنعها بإرادته وبغير إرادته، بمعرفة وبغير معرفة، الخطايا الخفية والظاهرة؟! ولكن هذه كلها نذكرها فى صلواتنا بالأجبية.
ومن منا إذا شكر الله فى صلواته الخاصة، يشكره كما فى الأجبية “لأنه سترنا، وأعاننا، وحفظنا، وقبلنا إليه، واشفق علينا، وأتى بنا إلى هذه الساعة”؟!
ومن منا يذكر هذه التفاصيل كلها التى نقولها فى الأجبية فى ختام كل صلاة “قدس أرواحنا، طهر أجسامنا، قوّم أفكارنا، نقِ نياتنا. اشف أمراضنا، وأغفر خطايانا. أحطنا بملائكتك القديسين، لكى نكون بمعسكرهم محفوظين ومرشدين..”.
وإلى جوار التفاصيل الأولى، من منا يتذكر فى صلواته الخاصة أن يطلب إحاطته بالملائكة القديسين، لحفظه وإرشاده؟.. ولكننا نذكر ذلك فى صلوات الأجبية…
وموضوع التفاصيل فى صلوات الأجبية طويل جداً، وأمثلته كثيرة. وخلاصته أنه يعلمنا الصلاة، والتدقيق فى كل شئ، بحيث يدخل الله فى تفاصيل حياتنا كلها. ولا نترك شيئاً دون أن نحدثه عنه…
+ + +.
- – من مثالية الصلاة بالأجبية أيضاً أنها صلاة حسب مشيئة الله.
كثيراً ما نصلى وصلواتنا لا تستجاب، لأنها ليست موافقة لمشيئة الله. ولذلك نقول فى الصلاة الربية “لتكن مشيئتك”..
أما الصلاة بالأجبية، فكلها حسب مشيئة الله. لأن غالبيتها بالمزامير. والمزامير قالها داود بالروح (مت 22: 43). وهى جزء من الكتاب. إذن فنحن فى الصلاة بالمزامير، إنما نكلم الله بكلام الله نفسه، الذى أوحى به الروح على فم داود. فنضمن أن صلواتنا تكون حسب مشيئة الله.
وباقى الصلوات وضعها آباء قديسون. وكل ما فيها يتفق مع روح الكتاب.
+ + +.
- – ومن مثالية الصلاة بالأجبية، أنها تذكرنا بمناسبات عديدة مقدسة.
وهذه المناسبات ربما ما كنا نذكرها يومياً، لولا صلوات الأجبية.
- فنحن فى صلاة باكر، نذكر أزلية الرب وتجسده، وأنه النور الحقيقى، ونطلب أن ينيرنا.
- وفى صلاة الساعة الثالثة، نذكر حلول الروح القدس على التلاميذ، ونطلب عمل الروح فينا.
- وفى صلاة الساعة السادسة: نذكر صلب الرب عنا، بما يحمل ذلك من مشاعر.
- وفى صلاة الساعة التاسعة: نذكر اعتراف اللص اليمين، وموت الرب عنا…
- وفى صلاة الغروب: نذكر الذين أتوا إلى الرب فى آخر النهار، وفى الساعة الحادية عشرة.
- وفى صلاة النوم، نذكر الموت وفناء العالم والدينونة، ووجوب الإستعداد لها.
- وفى صلاة نصف الليل: ونذكر المجئ الثانى للرب، وما يستلزمه من سهر وتوبة ودموع…
ومن منا يذكر كل هذه المناسبات، ويتمتع بتأثيرها الروحية، لو كان يصلى بدون الأجبية؟!
لا شك أن كل هذه المناسبات التى نتذكرها كل يوم، خلال صلواتنا بالأجبية، تتركز فى أذهاننا، وتصبح جزءاً من مشاعرنا وعقائدنا، وتترك فى نفوسنا أثر ثابتاً، يظهر فى حياتنا اليومية وتصرفاتنا.
+ + +.
- – ونحن نصلى بالأجبية، لأنها تحفظ عقلنا ثابتاً فى الله باستمرار.
إذ لا تمر علينا ثلاث ساعات، بين صلاة وصلاة، إلا ونعود للصلاة مرة أخرى. وهكذا نرفع قلوبنا إلى الله بالصلاة خلال فترات النهار والليل، لا تنقطع أفكارنا ولا قلوبنا ولا ألسنتنا عن الإتجاه إلى الله.
وهكذا عن طريق الأجبية نصل إلى تنفيذ الوصية القائلة: “صلوا كل حين ولا تملوا” (لو 18: 1) وكذلك وصية “صلوا بلا إنقطاع” (1 تس 5: 17).
وتنفيذ ذلك سهل: بحفظ صلوات الأجبية، وترديدها بدون كتاب، خلال ساعات النهار، ولو برفع القلب إلى الله، والصلاة فى صمت دون أن يحس أحد.. ولو إلى دقائق أو لحظات.. المهم أن تحتفظ بالوجود فى حضرة الله.
+ + +.
- – واشغال العقل بالله هكذا يمنح استحياء للفكر.
فيخجل الفكر من التفكير فى خطية، ومن التفكير فى التفاهات، نتيجة لتأثره بكلمات الصلاة التى تصحبه باستمرار.. حتى فى غير وقت الصلاة، تكون فى ذهنه، وتصد عنه شروراً كثيرة كما أنها من الناحية الإيجابية تكون مصدر تأملات…
+ + +.
- – ومن مثالية الصلاة بالأجبية أنها تحوى عنصراً وعظياً تعليمياً.
- فمثلاً صلاة باكر تشمل جزءاً من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، يقول فيه “أسألكم أنا الأسير فى الرب أن تسكلوا كما يليق بالدعوة التى دعيتم إليها، بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة محتملين بعضكم بعضاً، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل…” (أف 4: 1 – 3). إنها خطة روحية للسلوك بها أثناء النهار.
وفى نفس الوقت تقدم لنا المزمور، وفيه أيضاً نصيحة روحية نسلك بها طول النهار “طوبى للرجل الذى يسلك فى مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن فى ناموس الرب مسرته، وفى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً. يتذكر المصلى كلام المزمور هذا، فيكون عظة له فى يومه..
ثم يعود ليقرأ فى المزمور الرابع عشر “يا رب من يسكن فى مسكنك، أو من يصعد إلى جبل قدسك، إلا السالك بلا عيب، الفاعل البر. المتكلم بالحق فى قلبه. الذى لا يغش بلسانه، ولا يصنع بقريبه سوءاً، ولا يقبل عاراً على جيرانه..” إنها عظة أخرى يقولها لنفسه أثناء صلاته، ويذكر نفسه بها.
- وفى صلاة الساعة الثالثة: يستمع إلى عظة أخرى فى المزمور 23 (24)، إذ يقول “من يصعد إلى جبل الرب، أو من يقوم فى موضع قدسه: الطاهر اليدين، النقى القلب، الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل، ولم يحلف بالغش..”.
- وفى صلاة الساعة السادسة: يستمع إلى التطويبات وجزء من العظة على الجبل. ويختم مزاميره بعبارة “ببيتك تليق القداسة يا رب”…
- وفى صلاة الساعة التاسعة: عظة أخرى فى مزمور “رحمة وحكماً” إذ يقول “كنت أسلك بدعة قلبى فى وسط بيتى. لم أضع أمام عينى أمراً يخالف الناموس.. لم يلصق بى قلب معوج.. والذى يغتاب قريبه سراً كنت أطارده..” (مز100). حتى أن لم يكن المصلى بهذا الوضع، فعلى الأقل كلام المزمور يذكره بالوضع السليم.
- وفى مزامير الغروب عظات كثيرة: “هذا هو باب الرب، والصديقون يدخلون فيه” (مز117) “فرحت بالقائلين لى: إلى بيت الرب نذهب” (مز121) “إن لم يبن الرب البيت، فباطلاً تعب البناءون”…
- كذلك فى صلاة النوم درس فى التواضع فى قوله فى (مز130) “يارب لم يرتفع قلبى، ولم تستعل عيناى، ولم أسلك فى العظائم ولا فى العجائب التى هى أعلى منى”. ودروس فى الخدمة فى قول داود النبى “لا أدخل إلى مسكن بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى، ولا أعطى لعينى نوماً، ولا لأجفانى نعاساً، ولا راحة لصدغى، إلى أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب” (مز131). ودرس آخر فى الصلاة “فى الليالى ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب” (مز33).. إلخ.
- وفى صلاة نصف الليل نأخذ عظة كبيرة فى المزمور الكبير (مز119) عن العلاقة بكلام الله ووصاياه وشهاداته، بقوله مثلاً “كلماتك حلوة فى حلقى، أفضل من العسل والشهد فى فمى” “سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى”…
- – ومن مثالية الصلاة بالأجبية، أنها تعودنا حفظ كلام الله وآيات الإنجيل.
فكل صلاة تشمل فصلاً من الإنجيل. والذى يتعود الصلاة بالأجبية سيجد فد حفظت عشرة فصول من الإنجيل لساعات النهار، وهجمات نصف الليل الثلاث، إلى جوار حفظه للآيات التى يتلوها فى المزامير وهى عديدة جداً.
لذلك المواظب على الصلاة بالأجبية، تراه بالضرورة يحفظ نصوصاً كتابية عديدة جداً، وآيات من الإنجيل والمزامير يمكن أن يستخدمها فى حياته العادية، ويكون لها تأثيرها على مشاعره.
+ + +.
- – ونحن نصلى بالأجبية لأنها توحد كل أعضاء الكنيسة فى صلاة واحدة.
نفس الصلوات يصليها كل أبناء الكنيسة، فى كل أنحاء الكرازة، فى مصر والسودان وأورشليم، وكل بلاد الشرق والمهجر. نفس الصلوات فى أمريكا وكندا وأوروبا واستراليا وافريقيا. يصلى الجميع بروح واحدة وفكر واحد. فيشعرون بحياة الشركة المقدسة، تماماً كما يصلون سر الإفخارستيا بنفس القداسات، وباقى أسرار الكنيسة بنفس الليتورجيات.
+ + +.
- – وهذه الصلوات الواحدة، توحد أيضاً القلوب والمشاعر.
بل أيضاً تساعد على وجود وحدة فى الروحيات، بوحدة ألفاظ الصلاة، ووحدة العظات والتعاليم الروحية التى تشتمل عليها الأجبية، وأيضاً وحدة التأملات والمشاعر، وما تغرسه ألفاظ الصلاة فى النفوس من أحاسيس.
وبهذا كله نكون كنيسة واحدة، ليس فقط فى العقيدة والطقوس، وإنما أيضاً فى الروحيات.
ولا يمكن أن نكون هكذا، إن اقتصرنا على العبادة الفردية كل منا حسب هواه وفكره.
+ + +.
- – ونحن نصلى بالأجبية، لأنها الصلاة المثالية التى صلى بها آباؤنا القديسون.
وبهذا نحفظ التقاليد المقدسة، ولا نكون فقط كنيسة واحدة فى العقيدة والطقس والروحيات على مستوى جيلنا، إنما كنيسة واحدة على مستوى الأجيال كلها. وسنشرح هذا الأمر فيما بعد إن شاء الله بتفصيل أكثر.
+ + +.
- – ومن مثالية الصلاة بالأجبية أن تغرس فى النفوس العقائدية الإيمانية…
فنحن فى كل صلاة، نتلو أيضاً قانون الإيمان، فتنغرس تعاليمه فى النفوس، ونأخذ منه أيضاً مشاعر روحية. ونذكر الثالوث القدوس أيضاً فى تسبحة الثلاث تقديسات.
نذكر أزلية الابن ولاهوته وتجسده فى صلاة باكر، ونذكر أنه الإبن الوحيد الكائن فى حضن الآب. ونذكر صلبه وموته فى صلاة الساعة السادسة وصلاة الساعة التاسعة. ونذكر مجيئه الثانى فى صلاة نصف الليل.
ونذكر الروح القدس فى صلاة الساعة الثالثة.
ونذكر بتولية العذراء الدائمة فى أكثر من موضع.
وما أكثر أسماء الله وصفاته الموجودة فى الأجبية.
والصلاة بالأجبية أيضاً تعطينا صلة بالملائكة والقديسين.
+ + +.
- – ومن أهمية الصلاة بالأجبية أنها تنظم لنا صلواتنا.
وتذكرنا بمواعيدها، وتدعونا إليها. بحيث نشعر بالتقصير، إن مرّ علينا وقت لم نصلّ فيه. وربما لو تركنا إلى أنفسنا وحريتنا، لأهملنا الصلاة، وفقدنا المواظبة عليها.
+ + +.
- – والصلاة بالأجبية مملوءة بالمشاعر، على شتى أنواعها.
هى صلاة حب، وصلاة إيمان، وصلاة خشوع، وصلاة عزاء، وصلاة فرح وتهليل… ولعل كل فقرة من هذه الأنواع تحتاج إلى مزيد من الإستفاضة…