ليل البكاء



ليل البكاء




إلهي، في النهار أدعو فلا تستجيب،

في الليل أدعو فلا هدو لي

(مز22: 2)




في تلك الليلة التذكارية، ليلة فصح إسرائيل الأول، تعَالت الصرخات في كل أرض مصر، صرخات لم تُسمع من قبل، ولن تُسمع أيضًا فيما بعد ( خر 11: 6 ، 12: 30). وكل أسرة في تلك الإمبراطورية العظيمة، جللها الحزن على بكرها الذي قصفته يد المنون بضربة واحدة. لقد اقترن ظلام تلك الليلة، ليلة الدينونة، بعويل وصراخ لم يكن منها مناص ولا مُجير. وكل ذلك كان بسبب رجل واحد منتفخ، يقف ضد الله ويقاوم إرادته تعالى.

إن فرعون بمقاومته المتهورة العنيدة لإرادة الرب يهوه، قد جلب ذلك الويل على رعاياه. وفي كبرياء واسترسال في العناد، تحدّى ذلك الملك الكبير رب السماوات القادر على كل شيء، قائلاً: «لتكن لا إرادتك بل إرادتي». لقد رفض أن يُطلق إسرائيل، بكر الله، من عبوديتهم، عالمًا بالدينونة التي ستقع على أبكار المصريين. وهكذا بسبب إرادة الإنسان المُعاندة، تلاشت أحلام أمة قوية في ذلك الليل، ليل البكاء.

ولنترك الآن مصر وعشائرها المحزونة، لنقترب من جثسيماني ورجل الأحزان. ففي بستان جبل الزيتون يطالعنا ليل آخر، كان فيه اكتئاب وحزن ودموع وعرق كالدم. فهناك في سكون ذلك البستان الواقع خارج المدينة، نسمع صوتًا واحدًا مضطربًا من فرط ما يصحبه من ألم داخلي، حارًا في تضرعه، مقدمًا بصراخ ودموع تلك الصلاة الفريدة: «يا أبتاه، إن شئت أن تُجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك».

في ليل جثسيماني نسمع ليس صراخ المعاندين وغير الطائعين بسبب خطاياهم، كما في مصر، بل أنين الإنسان المطيع الكامل أمام الصليب والموت، في ضوء علمه الكامل بكل شيء.

هل تبحث عن  رآجعلگ آصل آنآ منگ

لقد قدَّم صراخه الشديد ودموعه للقادر أن يخلّصه من الموت، وفي هذا التضرع ـ مع أن الكأس لم تعبر عنه حتى أفرغها إلى آخرها ـ سُمع للابن من أجل تقواه، فقد أُقيم في اليوم الثالث من الأموات بمجد الآب. وبعد الحزن يأتي الفرح «عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم». إن ظلمة الجلجثة في رابعة النهار قد فاقت بكثير ظلمة جثسيماني، ولكن كان من وراء كليهما نهار صحو صاف؛ صباح القيامة والمجد السماوي.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي