مثل اللُّؤلؤة الثمينة

نصُّ الإنجيل
مَثَلُ ملكوتِ السمَاواتِ كَمَثَلِ تاجرٍ كانَ يَطلُبُ اللُّؤْلُؤَ الكريم فَوَجَدَ لُؤْلُؤَةً ثَمينة , فمضَى وبَاعَ جَميعَ ما يَملِكُ واشتَراها. (متى 13/45-46)

الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يعرض على الإنسان المسيحي لُؤْلُؤَةً ثمينةً للغاية, وهو مُستعدٌّ لأن يبيعها بثَمن أدنى بكثير من قيمتها الفِعليَّة. فالمسيحي الواثق بالله تاجرٌ ماهر لا يَدَعُ هذه اللُّؤْلُؤَة تُفلِت من بين يدَيْه, بل يضحِّي بكُلِّ ما يملكُه ويشتريها لأنَّها ستكون مصدرَ غِناه وسعادتِه الأبديَّة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

اللُّؤْلُؤَة الثمينة هي الحياة الأبديَّة
شبَّه يسوع ملكوت السمَاوات باللُّؤلؤة الثمينة. واللُّؤلؤَة الثمينة في هذا المثل هي الحياة الأبديَّة.
إن الحياة الأبديَّة هي الحياة السعيدة عند الله في المدينة السماويَّة مقرِّ الهناءِ الدائم والفرح الصافي والبهجةِ التي لا تنتهي ولا يشوبها كَدَر. وقد وصفها يوحنَّا الرسول في سفر الرؤيا فقال: “ورأَيْتُ المَدينةَ المقدَّسةَ أُورشليمَ الجديدةَ نازلةً من السماء .

وسمعتُ صوتاً يهتِفُ : هوذا بيتُ اللهِ والناس . يسكُنُ اللهُ مَعَهُم، ويكونونَ لهُ شعْباً . اللهُ مَعَهُم ويكونُ لهُم إِلهاً .
ويُكَفكِفُ كُلَّ دَمعَةٍ تسيلُ مِنْ عيونِهم . ولم يبقَ لِلموتِ وجودٌ , ولا لِلبُكاءِ , ولا لِلصُراخِ , ولا للألَمِ , لأنَّ العالَمَ القديمَ قد زال . وكانتِ المدينةُ المقدَّسَةُ تَتَلأْلأُ مِثْلَ أَكْرَمِ الحِجارة , وبها غِنىً عن ضِياءِ الشمسِ والقمر, لأنَّ مَجْدَ اللهِ أَضاءَها .” ( سفر الرؤيا 21/3 و 23 )
إن كلَّ سعادةٍ أرضيَّة, مهما كانت عارمة تذوبُ أمامَ سعادةِ السماء, لأنَّ سعادة الأرض زائِفة ومؤَقَّتة وممزوجة بالخوف من المستقبل المجهول, ومعرَّضة حتماً للفناء والموت.
أمَّا سعادة الحياة الأبديَّة فهي التمتُّع بالجمالِ اللاَّمتناهي, جمالِ الله, وجمالِ يسوعَ الممجَّد, وجمالِ حُبِّ الله للإنسان. فكُلُّ جمال أرضي, مهما سمت روعَتُهُ, ظِلٌّ شاحب وفانٍ أمامَ جمالِ السماء الدائم وغير المحدود. وهذا الجمال هو مصدر سعادةِ المسيحي المقيم عند الله للأَبد.

هل تبحث عن  فأنتم بين يــدي فلا تخافـــــوا

ضرورة التضحية لبلوغ الحياة الأبديَّة

إن هذا التاجر الماهر كان يطلُب اللؤلؤ الكريم, فلمَّا وجدَ لؤلؤَةً كريمة عرَفَ على الفور قيمتها الغالية, فضحَّى بكُلِّ ما كان يملك واشتراها. فلا بدَّ للمسيحي من التضحية ليملُكَ لؤلؤة الحياة الأبديَّة. والتضحية التي يجب أن يتحمَّلها المسيحي تقتضي منه أن يقوم بأمورٍ ثلاثة, وهي:
1- أنْ يحفظ الوصايا العَشْر التي أعطانا الله إيَّاها بوساطة موسى النّبي. قال يسوع للشابِّ الغني: ” إِنْ أَردْتَ أَنْ تدخُلَ الحياةَ فاحفظِ الوصايا . “( متى 19/17 )
2- أنْ يحبّ الآخرين محبة صادقة. فإنَّ الحياة الأبديَّة حياةُ محبَّة. ولن يتمتَّع بالحياة إلاَّ من أحبُّوا إخوتهم, ولا سيَّما إخوتهم البائسين. يقول يسوع في يوم الدينونة للذين مارسوا المحبَّة: ” تعالَوا يا مُبارَكي أَبي فرِثوا الملَكوتَ المُعَدَّ لَكُم منذُ إِنشاءِ العَالمِ , لأَنِّي جُعتُ فأَطعمتموني… ” ( متى 25/34 )
3- أن يحمِلَ صليبَهُ ويتبعَ يسوع باستسلامٍ كامل إلى مشيئةِ الله. قال يسوع: “مَنْ لم يحمِلْ صليبَهُ ويَتبَعْني فليسَ أَهلاً لي . مَنْ حَفِظَ حياتَهُ يفقِدُها ومَنْ فَقَدَ حياتَهُ في سبيلي يحفظُها . ” ( متى 10/38-39 )
إنَّ المسيحي الواثق بحُبِّ يسوع له يقبل هذه التضحية ويُمارسُها بكُلِّ رضى لأنَّه يؤمن بأنَّ يسوع الفادي لا يريد له إلاَّ الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

موقف المسيحيين من قبول التضحية
إن المسيحيين بالنسبة إلى قبول التضحية لأجل بلوغ الحياة الأبديَّة ثلاث فئات:
1- الفئة الأولى ترفض التضحية لأنَّها تدَّعي أن وصايا الله نيرٌ ثقيل, وأن توجيهات الكنيسة تقيِّد حُرِّية الإنسان الشخصيَّة. فهي لا تفكِّر في الحياة الأبديَّة, بل تبتغي سعادة الأرض وحدَها, وتسعى للتمتُّع بها بأكبرِ قدْرٍ من المستطاع.
2- والفئة الثانية تقبل التضحية وهي مُرغَمة, وتتصرَّف تُجاه الله بعقليَّة العبيد. فما دام الله يأمر, ولا مجال لمقاومة إرادته, فإنَّها ترضخ لأوامِرِه وتَصبِر على أحكامِه, فتُطيعُ وصاياه, وفي نفسِها مرارةُ الطاعة وألمُ الانقياد لشريعة الله. إنَّها تنسى أنَّنا أبناء الله الأحبَّاء، وأنّنا لسنا عبيداً مُقيَّدين.
3- والفئة الثالثة تقبل التضحية بحُبٍّ وفرح, لأنَّها تؤمن بأن الله الذي يعرض التضحية على المسيحي لا يستعبده ولا يقيِّد حرِّيته بأوامِرِه, ولا يحمِّلُه فرائض ثقيلة عديمة المنطق أو معاكسة لرغباته المُحقَّة, بل يدعوه بالتضحية إلى أن يحيا الحياة السعيدة مع يسوع الحيّ والمثال الأعلى للتضحية بالذات في سبيل سعادة البشر. قال لنا :

هل تبحث عن  أكتر وصية متكررة في الكتاب المقدس

” احمِلوا نِيري … لأنَّ نِيري لطيفٌ وحِمْلي خفيف ” (متى 11/29-30)
كما انَّها تؤمن بما عبَّر عنه بولس الرسول في رسائِله مرَّاتٍ كثيرة, وهو أن تحمُّلَ شدائد الدنيا في سبيل الحياة الأبديَّة أمرٌ طفيف مقابل المجد الأبدي الذي أعدَّه الله لنا: ” وأَرى أَنَّ آلامَ هذه الدنيا لا تُوازي المجدَ الذي سيتجلَّى فينا. ” (رومة 8/18)

التطبيق العملي
1- الحياة الأبديَّة هي اللُّؤلؤَة الثمينة التي يعرض الله عليك شِراءَها لكي تتمتَّع بها مدى الأبديّة، وثَمَنُها التضحية التي يطلُبها منك يسوع. فلا تتردَّدْ للحصول عليها في القيام بهذه التضحية فتعيش عيشةَ التقوى والمحبَّة والعِفَّة والأمانة لله.
2- وتذكَّرْ أن المكافأة التي أعدَّها الله لك أعظمُ بكثير من كُلِّ تضحية تقوم بها في سبيل تتميم إرادتِه تعالى.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي