مريم والحياة فى ناصرة الجليل
يذكر القديس لوقا فـى إنجيلـه “مكثت مريم عندهـا نحو ثلاثـة أشهر ثم رجعت الى بيتهـا”(لوقا56:1)،وهذا يعنى أن القديسة مريـم مكثت فى بيت زكريـا الكاهن حتى حضرت ميلاد يوحنا الـمعمدان،ثم رجعت الى بيتهـا فى الناصرة.
وبدأت تظهر علامات الحبل الإلهـي،وبدأ معهـا حيرتهـا. ان خطيئة الزنـا فى الشريعة اليهوديـة عقوبتها الرجم بالحجارة وعلى مشهد من الناس”يخرجون الفتاة ويرجمها رجال مدينتهـا بالحجارة حتى تموت لأنهـا عملت قباحـة فى اسرائيل بزناهـا فتنزع الشر من وسطك”(تثنية الإشتراع20:22-21).ماذا تفعل مريـم؟. أتبوح بهذا السر الإلهـي؟. انهـا لا تملك فهو سر عَلَوي ولـم يُكشف إلاّ لأليصابات ومن الروح القدس فقط. ولكن مريـم ترى يوسف فـى حيرتـه. ويوسف الذى يقول عنـه الكتاب “البار” ماذا يمكن أن يقول؟. أيشك فى هذه العذراء التى نشأت فى هيكل اورشليم وتغذّت بالترانيم والشعائر وعاشت حياتهـا فى بتوليـة وطهارة؟وقد يتسآل يوسف أيـمكن أن يحدث هذا؟،ومـريـم لـِمـا لا تنطق وتبوح بسر هذا الحبل؟ولكن مريـم العذراء كانت صامتـة، متأملـة، ومتفكرة فـى قلبهـا،وتواظب الصلاة.
لقد أكدّ أكثـر علـماء الكتاب الـمقدس أن القديس يوسف لـم يشك لحظة فى طهارة العذراء،فهو يؤمن تماما بفضيلتهـا ولم يفترض أي إفتراض وإمتنع أن يوجـه أي سؤال لهـا، فربـما سؤالـه قد يسبب أي ألـم. ويؤكد هذا الـموقف صدق برارتـه “فهّم أن يخليهـا سراً”(متى19:1)، فهو من حقـه أن يُشهر أمر مريـم وأن يشكوهـا الى شيوخ الـمدينة، ولكنه تنازل عن حقـه حتى لا يقضي عليهـا أدبـياً وجسديـاً.
وكان قرار السيدة العذراء هو ايضا الصلاة وترك الأمور للعناية الالهية.
ولم يخب أمل مريم ولا يوسف ففى اللحظة التى أوشك فيها يوسف ان ينفذ قراره كقول الكتاب الـمقدس:”هـّم”،”وفيما هو متفكر فى ذلك” ظهر له ملاك الرب فى حلم قائلاً:”يايوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ امرأتك مريم فإن المولود فيها انما هو من الروح القدس وستلد إبناً فتسميه يسوع لأنه هو الذى يخلص شعبه من خطاياهم”(متى 20:1-21).
ها هو ملاك الله يحمل البشرى ليوسف، يحمل الحل والخلاص.ان بشارة الملاك هذه تشابه فى عناصرها كل ما سبق وان ذُكر فى الكتاب المقدس عند ظهور ملاك الله ليحمل بشرى بميلاد شخص أوتكليف بمهمة إلهية. ومن تلك العناصر ان يُدعى بالإسم واللقب والدور المطلوب.جاءت أولى الكلمات ليوسف :”يايوسف ابن داود”(متى 20:1) بنفس الأسلوب الذى جاء به ملاك الرب الى جدعون قائلاً:”الرب معك أيها الجبـّار”(قضاة12:6) ليشير الى الدور الذى سيقوم به جدعون فى خطة الله.
ثم قال له ملاك الرب: “لاتخف” وهو نفس التعبير الذى جاء كثيرا فى العهد الجديد فمثلا عند البشارة بميلاد يوحنا المعمدان لزكريا الكاهن “فقال له الـملاك لا تخف يا زكريا”(لوقا13:1)،
وعند البشارة بميلاد يسوع للعذراء مريم”فقال لها الملاك لا تخافى يامريم”(لوقا30:1).فقول الـملاك ليوسف “لا تخف” لا يعني تخفيف الخوف والقلق والشك، ولكن كان للتأكيد والشرح ليوسف ان هذا الإرتباط بمريم العذراء هو إختيار سماوي كما شرح الملاك روفائيل لطوبيا الإبن عن زواجه من سارة ابنة رعوئيل التى كان قد عقد لها على سبعة ازواج فماتوا(طوبيا15:6-17).
وعندما يعلن له الـملاك انه”ابن داود” اي انه من سلالة الـملوك،تلك السلالة الطاهرة التى جاء عنها فى النبؤات انه سيأتى منها شيلو المخلص كما جاء على لسان يعقوب قبل موته:”لايزول صولجان من يهوذا ومشترع من صلبه حتى يأتى شيلو وتطيعه الشعوب”(تكوين10:49)، وها هو قد آتى ملء الزمان. لقد أعطى الله ليوسف كرامة أخرى فلقد أعطاه أن يشترك مع مريم فى التسمية فلقد أمر الـملاك مريم قائلاً:”وتسمينـه يسوع” (لوقا31:1)، وأمر يوسف قائلاً:”فسمّيه يسوع”(متى21:1)، فلا مريم ولا يوسف قد إختارا هذا الإسم بل أعلنتـه السـماء لهـما.وبالفعل بعد ولادة الطفل وبلغ يومه الثامن “دعي اسمه يسوع كما سماه الملاك قبل الحبل به فى بطن امـه”(لوقا31:2) وفى انجيل متى جاء”فسمّاه يسوع”(متى 25:1). فعندما أزال شكه قال له “يايوسف ابن داود لاتخف ان تاخذ امراتك لان الذى حبل بـه فيها هو من الروح القدس فلمّا إستيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته”(متى20:1و24) منفذاً أحكام الله.