مزمور 11 - مشورة زائفة




مشورة زائفة:

“على الرب توكلت

فكيف تقولون لنفسي انتقلي على الجبال مثل العصفور؟!” [1]

يذكر داود مشورة أصدقائه [1-3]، الذين أشاروا عليه أن يترك بلده، ويلجأ إلى أحد الجبال. الكلمة العبرية المرادفة لكلمة “اهربوا” تعني يتذبذب أو يترنح أو يسير في خط ملتوٍ zigzag كما لو كان في حالة فزع تظهر عليه نتيجة محاولته لمناورة عدوه الماهر. ولكن كانت إجابة داود: “على الرب توكلت”. كان أصدقاء داود شديدي الشبه جدًا بزوجة أيوب. الجبن دائمًا خطير، لا شيء يعادله في الضرر. إنه من الأعمال الإجرامية النابعة عن عدم الإيمان. كل مشورة بترك موقع العمل هي تصرف شرير أحمق. ما قاله أصدقاؤه قد أحبطه وجرح مشاعره كمؤمن يضع ثقته في الله.
ربما كان داود في ذلك الحين يعمل في القصر الملكي؛ لو أنه هرب لأُتهم بالتقصير في عمله والجبن؛ لكن ما شغل النبي لا اتهام الناس وإنما أعماقه الداخلية التي ترفض الشك في حماية الله له.
لسنا ننكر أن داود النبي هرب أكثر من مرة من وجه شاول مضطهده وأيضًا من وجه ابنه المتمرد أبشالوم، إذ يوجد هروب شرير وهروب مقدس:
1. الهروب الشرير، هو ذاك الذي يقوم على الخوف الداخلي وفقدان الاتكال على الله والثقة في عنايته وحمايته. هذا ما رفضه داود النبي!
2. الهروب المقدس، هو ذاك الذي فيه نهرب من وجه الشر، لا عن عدم ثقة وإنما لعدم تبديد الوقت في مقاومة الشر. فقد هرب ربنا يسوع المسيح إلى مصر من وجه هيرودس (مت 2: 13)، وطُلب من لوط أن يهرب إلى الجبل (تك 19: 17)، كما سألنا السيد المسيح أننا إذا ما طُردنا من مدينة نهرب إلى أخرى (مت 10: 41). الهروب من مجالات الخطية خاصة المحبوبة لدينا هي علامة حبنا لله لا عدم ثقتنا في خلاصه لنا (2 بط 2: 20)، فقد ترك يوسف ثوبه بجانب امرأة فوطيفار وهرب (تك 39: 15)؛ وفي سفر الرؤيا هربت المرأة من وجه التنين إلى البرية (رؤ 12: 6).
* إن كنت طاهرًا حتى الآن، فلتكن أكثر طهارة بتجنب مثل تلك المناظر. لا تبتهج بالمناقشات الباطلة، ولا تحتج بالأعذار غير النافعة، وإنما ليكن لك عذر واحد… أترك الزانية المصرية (كيوسف) كمن يهرب من بين يديها عاريًا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
* لكي تهرب من سيدتك المصرية أترك الثوب الذي يخص هذا العالم.
القديس جيروم
* تُشبه النفس بالعصفور [1]… يوجد عصفور صالح يقدر بالطبيعة (الروحية) أن يطير؛ ويوجد عصفور شرير لا يقدر أن يطير بسبب النجاسات الأرضية؛ هذا الأخير يُباع بفلسين (لو 21: 6)… ما أبخس ثمن الخطايا؟
القديس أمبروسيوس
هكذا لسنا نهرب خوفًا أو تشككًا في إمكانية الله لخلاصنا وإنما إن هربنا إنما نهرب من الشر إلى الله. يعلمنا داود النبي أن نستمر في جهادنا ولا نأبه للمضايقات المحيطة بنا، مهما طال زمن جهادنا، ومهما ثقلت علينا الضيقات، واثقين في الله وفي وعوده.
كان داود رمزًا للسيد المسيح ابن داود، الذي أتى إليه بعض الفريسيين وإقترحوا عليه أن ينسحب لأن هيرودس كان يطلب أن يقتله، لكنه رفض، متنبئًا أمامهم أنه موشك أن يدخل في طريق الألم والصلب (لو 13: 31-32). ونحن أيضًا يلزمنا ألا نهرب إلى جبالنا (برّنا الذاتي)، بل نتكل على الرب السماوي بكونه برّنا.
يرى القديس أغسطينوس أنه يجب علينا أن نصعد إلى الجبل الواحد، ملجأنا، السيد المسيح، أي نكون فيه وننعم بالعضوية في كنيسته. بمعنى آخر، الجبل المقدس هو السيد المسيح، وأيضًا هو كنيسة المسيح. أما الهراطقة فإنهم يحاولون خداعنا بالصعود إلى الجبال، أعني قبول التعاليم الباطلة.
من خلال الكنيسة – الجبل المقدس – نرتفع إلى السماء بعينها، إلى مسيحنا السماوي وكنيسته التي هي أيقونة السماء؛ أما تعاليم الهراطقة فترفعنا إلى جبال الكبرياء.
هل تبحث عن  أبانا الذي ف السموات ياتشيل معايا ياتشيل عنى

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي