admin
نشر منذ سنتين
2
مزمور 146 (145 في الأجبية) – تفسير سفر المزامير

حياة التسبيح

تعتبر المزامير الأخيرة في النسخة العبرية 146-150 مزامير تسبيح، أو مجموعة هالليل Hallel، تشبه مزامير هالليل المصرية (113-118) ومزمور هالليل الكبير (136). يبدأ كل مزمور من المزامير الخمسة بالدعوة لتسبيح الرب، كما تنتهي بـ”هلليلويا”. لا نسمع فيها عن صراعات أو آلام أو متاعب. ليس فيها أنين، وإنما تسابيح مفرحة وشكر على خلاص الله. إن ما يشغل المرتل هو فرح القديسين بمجد الله.

مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

مفتاح مزامير التسبيح

تعتبر كلمة “سبحوا” أو مشتقاتها أو ما يعادلها هي مفتاح هذه المزامير.
في المزمور 146 وردت في الآيتين الأولى والثانية،
وفي المزمور 147 وردت في الآيات 1، 7، 12.
وفي المزمور 148 وردت في ثلاث آيات.
وفي المزمور 149 وردت كلمة “غنوا” في الآية 1، و”ليسبحوا” في الآية 3.
وفي المزمور 150 وردت معدل مرتين في كل آية.
يستطيع المرتل أن يقول: “أما أنا فتسبيح للرب”، يربط التسبيح بكل جوانب حياته.
1. لا حياة بدون تسبيح [1-2]. إذ يود المرتل أن تكون حياته إعدادًا للأبدية، يريد ألا يتوقف عن التسبيح مادام موجودًا. فكل ما في السماء هو تسبيح، وأما جهنم فلا تعرف التسبيح قط، لا وجود له فيها. وعلى الأرض يمكن أن للإنسان أن يسبح أو يتوقف عن التسبيح.
2. التسبيح يشجع على الإيمان بالله والثقة فيه [3-4]. فمن يثق في طبيعة السماوي لا يتوقف عن مدحه والتسبيح له في أعماقه، كما أمام الآخرين، وإذ يسبحه ينمو بالأكثر إيمانه به. أما من لا يثق في طبيعة السماوي متكلًا على أصحاب السلاطين أو الإمكانيات الزمنية، فيقلل من التسبيح لله حتى يتوقف تمامًا.
3. التسبيح يشجع على الرجاء [5-7]. التسبيح يملأ النفس فرحًا، ويبث فيها الرجاء في الرب، فتسبح الرب في كل الظروف.
4. التسبيح يشجعنا على المحبة لله والناس [8-10].
كأن التسبيح يرتبط بالحياة نفسها كما بالإيمان والرجاء والمحبة.
من الجانب الليتورجي ينقسم المزمور إلى خمسة أقسام.

1. الشعب: دعوة للتسبيح الدائم
1-2.
2. نصيحة كهنوتية: عدم الاتكال على البشر
3-4.
3. تطويب كهنوتي
5.
4. الشعب: اعترفوا بالإيمان
6-9.
5. لحن ختامي
10.
من وحي المزمور 146
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

العنوان

هَلِّلُويَا.
جاء عن الترجمة القبطية والسبعينية: “مرسوم بهللويا. لحجَّي وزكريا”.
يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن كلا من النبيين حجَّي وزكريا كانا يسبحان به بعد رجوع اليهود من سبي بابل.

مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

1. الشعب: دعوة للتسبيح الدائم

سَبِّحِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ [1].
يبدأ المزمور بحوار المرتل الممتع مع نفسه. يبدأ بدعوة نفسه وسط آلامه وضيقاته لكي تسبح.
قبل أن يدعو الإنسان غيره للتسبيح يليق به أن يدعو أعماقه لممارسة التسبيح، فمن جانب يدرك المؤمن أن يؤكد لنفسه علاقته الشخصية الدائمة مع الله، ومن جانب آخر فإن التسبيح كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أقوى سلاح لمقاومة إبليس. ومن جانب ثالث فإن المؤمن يصير نموذجًا عمليًا لمن هم حوله.
يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا ليس الجسد ليقدم النصيحة للنفس، لأن النفس هي التي تصدر النصح والأوامر للجسد، وليس العكس. يشَّبه النفس بالذهب والجسد بالرصاص، فإن الذهب وإن أصابه صدأ، فهو أثمن من الرصاص، حتى وإن بدا نقيًا ولامعًا. هنا النفس (أو العقل) تنصح ذاتها.
* انظروا فإن المزمور يعلن: إنه صوت شخصٍ يشجع نفسه لكي تسبح الله، قائلًا لنفسه: “سبحي يا نفسي الرب”. لأنه أحيانًا في الضيقات والتجارب التي للحياة الحاضرة تصير نفوسنا مضطربة، أردنا أو لم نرد… فلإزالة هذا الاضطراب يقترح (المرتل) الفرح، لا كواقعٍ حقيقيٍ بل في رجاءٍ، ويقول لنفسه وهي مضطربة وفي قلقٍ وحزنٍ: “ترجي الله، فإني أعترف له”[1].

القديس أغسطينوس

* “سبحي يا نفسي الرب”. لم يقل المرتل: “سبح يا جسدي”، وإنما “سبحي يا نفسي”، ليس لأنه يدين الجسم، إنما لأنه يلوم أعمال الجسد.
تشجع النفس كيانها بغيرةٍ، وكأن داود يقول: “سبح الرب يا داود”[2].

القديس جيروم

أُسَبِّحُ الرَّبَّ فِي حَيَاتِي.
وَأُرَنِّمُ لإِلَهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا [2].
جاءت كلمة “يهوه” أو “الرب” ثلاث مرات في الآيتين 1 و2، وذلك كما تكررت ثلاث مرات في البركة الخاصة بالكهنة (عد 6: 24-26)، حيث يُقدم التسبيح للثالوث القدوس، ويقوم الثالوث بتقديم البركة للشعب كما للمؤمن.
إن كان المسيح هو حياتنا، فإننا إذ نلتصق به ونقتنيه في أعماقنا نتمتع بالحياة، وتمتلئ نفوسنا فرحًا، فتسبح في كل حين!
إذ ننشغل بالخطية ونلتصق بها نُحسب أمواتًا وغير موجودين، فلن نستطيع التسبيح حتى وإن رددت أفواهنا وألسنتنا كلمات التسبيح!
* تجمع (النفس) ذاتها كما في حالة صحية، وتقول: سبحي يا نفسي الرب”… وعندئذ إذ انحدرت وصارت عاجزة عن القيام كما يجب تجيب العقل: “أسبح الرب في حياتي”. ماذا يعني “في حياتي”؟ لأنني الآن أنا في موتي…!
تجيبك نفسك قائلة، أسبح قدر ما استطيع، فإني هزيلة وفقيرة وضعيفة. لماذا؟ “ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغربون عن الرب” (2 كو 5: 6).
“في حياتي”… إن كان الالتصاق به هو حياة، فإن التغرب عنه موت. ولكن ماذا يريحكم؟ الرجاء! الآن تعيشون في الرجاء، وفي الرجاء تسبحون، في الرجاء تغنون. موتكم نابع عن حزن هذه الحياة. إنكم تحيون في رجاء الحياة العتيدة.
وكيف ستسبحون الرب؟ “أرنم لإلهي مادمت موجودًا[3]“.

القديس أغسطينوس

* لاحظوا أن النفس تشبع ذاتها بغيرة، وتستجيب لهذا الحث الصادر عنها. ماذا تقول؟ إنها تقول لي: “إنني سأسبح الرب في حياتي. الآن لا استطيع أن أسبح، فإنني تحت ضغط الخطايا. عندما أحاول أن افتح شفتيّ للتسبيح لله، الشعور بخطاياي يختم عليهما ويغلقهما.
سأسبح الرب في حياتي“. بحقٍ يقول المرتل: “سأسبح” وليس “أسبح”. عندما أكون مع ربي، عندئذ أسبحه في حياتي.
الآن أنا في الموت؛ لا استطيع أن أتفوه بالتسبيح.
في حياتي سأسبح. حياتي هي المسيح. لنسبح الرب في الحياة… عندما نتمم أعمال البرّ، نكون أحياء، وعندما نخطئ نكف عن ذلك[4].

القديس جيروم

* الآن – كما أشير على الدوام – يشير إلى التسبيح بالأعمال (في حياتي)، وذلك كما يقول المسيح: “فليضئ نوركم قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات” (مت 5: 16). وبولس بدوره يقول: “مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم” (1 كو 6: 20). وكما قال (المرتل) في المزمور السابق: “في كل يوم أسبحك” (مز 145: 2)، هكذا يقول هنا: “أرنم لإلهي مادمت حيًا” [2][5].

القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

2. نصيحة كهنوتية: عدم الاتكال على البشر

لاَ تَتَّكِلُوا عَلَى الرُّؤَسَاءِ،
وَلاَ عَلَى ابْنِ آدَمَ،
حَيْثُ لاَ خَلاَصَ عِنْدَهُ [3].
يدعونا الروح المقدس أن نسبح الله كل أيام حياتنا. من علامات هذا التسبيح عدم الاتكال على الذراع البشري، مهما كان مركز الإنسان أو سلطانه أو إمكانياته، فإنه عاجز عن تقديم الخلاص لنفسه كما لمن هم حوله.
جاء بقية المزمور يوضح لماذا الله وحده دون الإنسان يستحق الاتكال عليه. يليق بنا ألا نتكل على ذراع بشر، حتى على الرؤساء، فإنهم عاجزون عن تحقيق خلاصهم، فكيف يخلِّصون الغير؟
* الآن خلال نوع من الضعف تدخل نفس الإنسان في ضيقٍ هنا، فتيأس من الله، وتختار الاعتماد على إنسانٍ.
إن قيل لإنسان ساقط في نوعٍ من الحزن: “يوجد إنسان عظيم يمكنك به أن تتحرر”، يبتسم ويفرح ويرتفع. لكن إن قيل له: “الله يحررك”، يصير في برودة لا يتكلم، بسبب اليأس.
عندما تنال وعدًا من إنسانٍ مائتٍ تفرح، فهل عندما تنال وعدًا من الخالد تحزن؟
إنك تنال وعدًا أن تتحرر من إنسانٍ يحتاج إلى التحرر معك، ومع ذلك تتهلل كما لمعونةٍ عظيمةٍ، وها أنت تنال وعدًا من المحرر (الإلهي) الذي لا يحتاج إلى من يحرره، ومع ذلك تيأس كما لو كان تافهًا!
ويل لمثل هذه الأفكار، فإنها تجول بعيدًا. حقًا في داخلها حزن وموت عظيم! إنه لن يترك عمله (الإنسان) مادام عمله لا يتركه[6].

القديس أغسطينوس

* “لا تتكلوا على الرؤساء”. ما بالنا نترك إلهنا المشفق علينا، ونلقي رجاءنا على بشرٍ مثلنا مائتين، مع علمنا أننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضًا، فتضيع علينا مصالحنا، وربما يصيبنا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا إليهم. وما الذي يمنعنا من استدراك خطايانا، والعودة إلى صوابنا، ونلقي رجاءنا على إلهنا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

* إن كنا قد تخلصنا من حماية والدينا، يلزمنا أيضًا ألا نحتاج إلى خدمات الرؤساء[7] الذين بكل شكرٍ يبتهجون بتقديمهم احتياجاتنا مجانًا. فإننا إذ نقتات بغناهم نتحرر من الاهتمام بإعداد الطعام، لكن ترعبنا لعنة النبي القائل: “ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان” (إر 5:17) و”لا تتكلوا على الرؤَساءِ” (مز 3:146)[8].

الأب إبراهيم

* ما هو معنى: “لا خلاص عنده“؟ حتى خلاصهم ليس تحت سلطانهم، ولا يقدرون أن يدافعوا عن أنفسهم. إن ضربهم الموت، ففي الحقيقة يصيرون في سكون أكثر من الحجارة…
الآن ما يعنيه هو هذا: كيف يُمكن لمن هو عاجز عن الدفاع عن نفسه أن يسحب الآخرين (من الخطر)؟
لا يمكن ذلك بكل الطرق، فإن هذا الرجاء غير ثابت وغير سليم. هذا ما توضحه الطبيعة. لذلك فإن بولس في حديثه عن الرجاء في الله قال: “والرجاء لا يخزى” (رو 5: 5)، أما الأمور البشرية، فمن الجانب الآخر، أضعف من الظل. أقصد بذلك، لا تقل لي إن هذا حاكم، فإنه حتى الحاكم لا يزيد عن أن يكون غريبًا، يتعرض كغيره لعدم الثبات.
لا يمكن الاعتماد على إنسان أيًا كان مركزه أو قدرته أو إمكانياته. فمن جهة، هذه كلها غير دائمة. ومن جانب آخر، حتى الحاكم نفسه قد يتعرض للغدر والخيانة من الحراس أنفسهم، فإن كان يعجز عن حماية نفسه، فمن يحرسه؟ هل يستطيع أن ينقذ الآخرين؟ من جانب آخر، فإن كان هذا الحاكم نفسه سيموت ويتعرض للهلاك، فكم بالأكثر تكون وعوده واهية ومعرضة للدمار[9].

القديس يوحنا الذهبي الفم

تَخْرُجُ رُوحُهُ، فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ.
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ [4].
شتان ما بين ذراع البشر ومسيحنا ذراع الله. فالبشر يموتون، فترجع أجسامهم إلى التراب، أما مسيحنا فمات، ولم يرَ جسده فسادًا، بل ووهبنا الحياة المُقامة هنا، كما يق يم أجسادنا عند مجيئه الثاني.
يعجز عظماء هذا العالم عن مساندة أحدٍ، خاصة بعد خروج نفوسهم من أجسامهم، كما تبطل كل تهديداتهم، وتزول كل أحلام يقظتهم.
* كثيرون يضعون رجاءهم في رئيسٍ. اليوم هو موجود، غدًا لا يوجد بعد. اليوم يتقدمه جيش، بالليل ينام في قبره[10].

القديس جيروم

* بالموت تنحل كل الأشياء، اسمعوا النبي ماذا يقول: “في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره”[11].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* بخصوص نفوسنا يقول الكتاب: “تخرج روحه، فيعود إلى ترابه” (مز 146: 4). ويقول ثانية عن نفس الروح: “وجابل روح الإنسان في داخله” (زك 12: 1).
وعن الملائكة يقول في سفر المزامير: “الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار” (مز 104: 4). وعن الرياح يقول: “وروح عاصف بها تكسر سفن ترشيش” (مز 48: 7)، وأيضًا “النار والبرد والضباب والروح العاصف” (إش 12: 2). وعن التعليم الصالح يقول الرب نفسه: “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يو 6: 63) بدلًا من أن يقول “هو روحي”. أما الروح القدس، فلا ينطق به اللسان، إنما هو روح حيّ يهب الحكمة في الكلام متحدثًا وواعظًا بنفسه[12].

القديس كيرلس الأورشليمي

* الخطط التي تتحدث عنها هي تلك الخاصة بهذا العالم، بخصوص البيوت والممتلكات، الآباء والأبناء، والمعاملات التجارية. هذه جميعها تتدمر فورًا عندما تعبر النفس من الجسم، ولا يعود يُذكر شيء من هذا أو يكون موضع اعتبار[13].

الأب دوروثيؤس من غزة
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

3. تطويب كهنوتي

هل تبحث عن  حاشَ لَكَ يا رَبّ! لن يُصيبَكَ هذا!

طُوبَى لِمَنْ إِلَهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ،
وَرَجَاؤُهُ عَلَى الرَّبِّ إِلَهِهِ [5].
الاتكال على إله يعقوب هو طريق السعادة والعون والرجاء.
* ماذا ينبغي علينا أن نفعل إن كنا لا نضع رجاءنا في بني البشر، ولا في الرؤساء؟
“طوبى لمن إله يعقوب معينه”، ليس هذا الإنسان أو ذاك، وإنما “طوبى لمن إله يعقوب معينه”…
لقد صار يعقوب إسرائيل، أي “رؤية الله”، وبهذا ينتهي كل تعبٍ وكل التنهدات، وتبطل كل مضايقات الهموم، ويتبع ذلك تسابيح سعيدة (مطوّبة)[14].

القديس أغسطينوس

* لنا معين واحد، له السلطان أن يخلص. “رجاؤه على الرب إلهه”[15].

القديس جيروم

* إذ حاول أن يثنيهم عن الاتكال على الرجاء البشري، الآن يشير إلى المأوى الآمن والبرج المنيع، مقدمًا لهم نصيحة. هذه هي أفضل نصيحة تفوق الكل، حيث تقود الناس بعيدًا عن الطريق غير الموثوق فيها، والتوجه إلى الطرق القوية؛ يحطمون ما لا طائل تحته، ويقيمون ما يمكن الاعتماد عليه، يدحضون ما هو مخادع، ويقيمون ما هو نافع[16].
* أنصحكم ألا تتركوا كل شيءٍ لله وأنتم تغطون في النوم في عدم اكتراث. ولا عندما تجتهدون في سعيكم تظنون أن بمجهوداتكم يتحقق كل العمل. الله لا يريد منا أن نكون كسالى. فإن الله لا يتمم كل العمل بنفسه… ولا إرادته أن نكون مكتفين بأنفسنا تمامًا، إذ لا يترك الله العمل كله لنا وحدنا[17].
* ليس أحد يمارس حياة صالحة، ويقلق من جهة المستقبل… هل واقعنا الصالح يكمن في الرجاء؟ نعم، لكنه ليس رجاءً بشريًا الذي غالبًا ما يبطل ويترك خلفه الارتباك فقط. رجاؤنا هو في الله، لذا فهو أكيد وثابت[18].

القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

4. الشعب: اعترفوا بالإيمان

الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ،
الْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا.
الْحَافِظِ الأَمَانَةَ إِلَى الأَبَدِ [6].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: “الحافظ العدل إلى الدهر”. وجاءت الترجمة عن القديس أغسطينوس “الحافظ الحق إلى الأبد”.
يقدم لنا المرتل الأسباب التي تجعلنا نتكل على الله. أولها أنه الخالق كلي القدرة. إن كان قد خلق السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها، ماذا لا يقدر أن يفعله؟
أيضًا، إذ هو أمين في وعوده، ومخلص في محبته، يُمكن الاعتماد عليه والثقة فيه. لن يقدر أن يكذب أو يتراجع في وعوده. ليس من خطرٍ نخشاه عند اتكالنا عليه. إنه لن يخفق في تحقيق وعوده.
إن كانت السماوات والأرض قد بقيتا كل هذه القرون الطويلة، فكم بالأكثر يبقى خالقها أمينًا في وعوده إلى الأبد.
* لنا يا إخوتي الله العظيم، لنبارك اسمه القدوس، الذي تفضل وجعلنا مقتناه. كل ما ترونه قام بخلقه.
إنكم تُعجبون من العالم، لماذا لا تُعجبون من خالق العالم؟
إنكم تنظرون إلى فوق وتدهشون، إنكم تتأملون كل الأرض وترتعبون، متى يمكنكم أن تحتوي أفكاركم اتساع البحر…؟
انظروا، فإن الذي صنع هذا كله هو إلهكم! ضعوا رجاءكم فيه، فتسعدون[19].

القديس أغسطينوس

* إن قورنا بالسماء والأرض والبحر، فإننا نحن البشر في خلقتنا نكون نملة أو حشرة. هل يُعقل أن الذي خلق السماء والأرض ليس له سلطان أن يخلص الإنسان الذي خلقه؟
“الحافظ العهد إلى الأبد”. إن كنا نُُسحق بالباطل والخداع، فلنحزن على ذلك.
الرب هو الحافظ للحق كل الأبدية.
قد يكذب أحد علينا، وقد يُصدَّق الكذاب أكثر منا نحن الذين نُخبر بالحق، يلزمنا ألا نيأس، فإن الرب حافظ الحق إلى الأبد…
بلياقة قيل “يحفظ”. إنه يحفظ الحق، ويحفظه في خزنته، ويرد لنا ما قد خزَّنه بعيدًا عنا.
“حافظ الحق إلى الأبد”. المسيح هو الحق؛ لتنطق بالحق، والحق يحرس الحق لنا.” (الرب) يجري عدلًا للمظلومين” (راجع مز 146: 7). فإنه وإن تأخر العدل في مجيئه لا تفقد الرجاء، فإنه بالتأكيد سيأتي، ويقدم خلاصًا ويحقق عدلًا للمظلومين…
المسيح هو الحق. لننطق بالحق. فإن الحق (المسيح) يحفظ الحق لنا[20].

القديس جيروم

* إن كانت أعمال (الله) باقية يكون هو نفسه دائمًا وصاحب قوة؛ ولكي يبرهن أنه هكذا، فإن أعماله تُظهر قوته[21].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* أم أيُّ إنسانٍ منكم إذا سأَلهُ ابنهُ خبزًا يُعطيهِ حجرًا؟ وإن سأَلهُ سمكةً يُعطيهِ حيَّةً؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يَهَبُ خيراتٍ للذين يسأْلونهُ.
لكن كيف يستطيع الأشرار أن يعطوا عطايا صالحة؟! لقد دعاهم أشرارًا، لأنهم لا زالوا إلى الآن محبين للعالم وخطاة. وقد دعيت الأشياء صالحة بحسب مشاعرهم، فهي رغم كونها صالحة حسب طبيعتها، لكنها أمور زمنية خاصة بهذه الحياة الواهية.
غير أن الأشرار لا يعطون هذه العطايا من عندهم، لأن للرب الأرض وملؤها (مز 1:24). الذي صنع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها (مز 6:146).
فإن كنا ونحن أشرار نعرف كيف نعطي ما يسألونه منا، فلا نخدع أبناءنا، بل نعطيهم أشياء صالحة ليست منا بل من الرب، فكم بالأكثر يكون رجاؤنا في الرب أن يعطينا عندما نطلب منه أمورًا صالحة[22].

القديس أغسطينوس

الْمُجْرِي حُكْمًا لِلْمَظْلُومِينَ،
الْمُعْطِي خُبْزًا لِلْجِيَاعِ.
الرَّبُّ يُطْلِقُ الأَسْرَى [7].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: “الرب يحل المقيدين.
إذ يقول المرتل: “الحافظ العدل أو الحق إلى الأبد، يتساءل القديس أغسطينوس ما هو هذا الحق الذي يحفظه؟ وأين يحفظه؟ جاءت العبارة التي تليها كإجابة على هذين التساؤلين.
إنه مدافع عن العاجزين عن حماية أنفسهم أو عن الدفاع عن أنفسهم. يحسب قضاياهم قضاياه هو شخصيًا. يبدو كأن الأمواج ضدهم والرياح تحطمهم، لكن النصرة لهم أكيدة في الوقت المناسب.
إن يعول الجياع والعطاش روحيًا وجسديًا. يحضرنا إلى وليمته، ويدخل بنا كما إلى سماواته، لنتمتع بخبز الملائكة.
يميز القديس أغسطينوس بين نوعين من الجائعين، فالله يعطي الطعام المادي لأي جائع، أما الجائعين إلى البرَّ، فيقدم لهم طعامًا خاصًا يشبعهم.
إنه محرر الأسرى من الضغوط البشرية، وقيود الخطية، وقبضة العالم، وعبودية إبليس، بل ومن مذلة الأنانية التي تحطم قلوبنا.
يوضح القديس أغسطينوس معنى المظلومين هنا، فإنه ليس كل من يعاني من متاعب يُحسب مظلومًا يدافع عنه الله. إنه يدافع عن المتألمين عن ظلم، وليس عن خطأ ارتكبوه. فاللصوص يعانون أمورًا كثيرة، وأيضًا الأشرار من زناة ومخادعين، لكنهم ليسوا مظلومين يدافع الله عنهم.
* “الصانع الحكم للمظلومين“. إنه ينتقم للمظلومين. يأتي إليكم صوت الرسول: “الآن فيكم عيب مطلقًا، لأن عندكم محاكمات بعضكم مع بعض. لماذا لا تُظلمون بالحري” (1 كو 6: 7). إنه يحثكم ألا تنزعجوا، وإنما تُظلمون. ليس كل انزعاج هو ظلم…
اهتموا بما تفعلونه، لا بما تعانون منه. فإن فعلتم أمرًا مستقيمًا تُظلمون، أما إن فعلتم شيئًا خطأ، فإنكم تعانون عن حقٍ[23].
* يليق بنا أن نكون جائعين إلى الله[24].
* كان جسمنا زينة لنا، الآن أخطأنا، بهذا صارت له قيود موضوعة علينا. ما هي القيود؟ فسادنا![25]

القديس أغسطينوس

* هذا هو دوره، هذا هو طبعه، هذه هي سمة الله الخاصة، إنه لا يتجاهل المتضررين، ولا يترك المحزونين، يرفع يده لصالح الذين هم ضحايا المتآمرين، ويفعل هذا على الدوام[26].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* إن كان العدل يتأخر لكنه قادم، لا تفقد الرجاء. بالتأكيد هو قادم (راجع حب 2: 3)، ويجلب الخلاص. “المجرى حكمًا (عدلًا) للمظلومين…”
“المعطي خبزًا للجياع”… للجياع، وليس للعنفاء…
لنجوع إلى المسيح، وهو يعطينا الخبز السماوي…
“الرب يطلق الأسرى” إن كان هذا الخبز، الكلمة الإلهية، والتعلم السماوي، ينعش النفس، فإنه يحرر أقدامنا فورًا من أغلالها. الرب يحرر الأسرى. كان لعازر مربوطًا بقيودٍ، وقال الرب: “حلوه” (يو 11: 44). الرب يحل القيود[27].
* لما كان “الرب يطلق الأسرى” (مز 146: 7)، ويجد راحته في المنسحق الروح والمرتعد من كلمته (إش 66: 2)، فإنه قد يقول لي أنا الراقد في قبر الخطية: “جيروم! هلم خارجًا” (يو 11: 43)[28].

القديس جيروم

الرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ الْعُمْيِ.
الرَّبُّ يُقَوِّمُ الْمُنْحَنِينَ.
الرَّبُّ يُحِبُّ الصِّدِّيقِينَ [8].
جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: “الرب يحكم العميان، الرب يحب الصديقين”.
يهتم الله بالعميان روحيًا وجسديًا، البعض يفقد البصر أو البصيرة منذ ميلادهم، والبعض خلال بعض الأحداث، والآخرون بمحض اختيارهم. ليس شيء مستحيل بالنسبة له، يود بالأكثر أن يفتح البصيرة الداخلية لكي تعاينه. إذ يقول: “طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله” (مت 5: 8).
كما يرفع المنحنين بسبب ما أصابهم من حالة يأس وإحباط، تحت ثقل القلق والمتاعب والأحزان.
يعلن الله محبته واحتضانه للصديقين الذين يطيعون وصيته، ويُسرون بمشيئته.
* لم يرد أن يقول: “الرب ينير العميان”، لئلا تفهموا هذا أنه خاص بالجسد، وذلك كما استنار الرجل (الأعمى) بواسطة الرب، إذ طلى عينيه بالطين حين تفل، وشفاه. فلا تطلبوا أن تنظروا إلى شيءٍ مثل هذا عندما يتكلم (الله) عن أمورٍ روحية، إذ يشير إلى نوع من نور الحكمة به يستنير الأعمى[29].

القديس أغسطينوس

* “الرب يهب بصرًا للعميان“… بحسب العبرية واليونانية، ماذا قال؟ “الرب يجعل العميان حكماء”. لو أنه كان يتحدث عن عيني الجسد، لقال: “الرب يعطي بصرًا للعميان”، لكن بالحقيقة كلماته هي: “الرب يجعل العميان حكماء”.
يقول الرب: “إن كنت أعمى يليق بك ألا تخطئ؛ فإن قلوبنا تصير في عمى بسبب ظلمة الخطايا. الغباوة والحماقة هما ظلمة عيوننا. لذلك عندما نقتات في جوعنا، وتتحرر أقدامنا من قيودها، فإنه بعين قلبنا نبدأ نرى النور الذي فقدناه في وقتٍ ما، وننمو في الحكمة.
أخيرًا نصير بحقٍ حكماء، ماذا بعد ذلك؟ “الرب يقوِّم المنحنين“. حتى إن كنت منبطحًا، لكن في سلامٍ، فإن الرب يمد لك يده.
“الرب يحب الصديقين” أرى هنا أمرين يلزم أن يكونا في الاعتبار: إنه يحب ويحمي. من يحب إنما كمن يحب نفسه، ومن يحمي إنما يصون من كان في خطرٍ. الرب يحب الصديقين. يحب الرب الإنسان الصديق والكامل، ويحرس الغريب الذي لم يدخل خدمة الرب [9][30].

القديس جيروم

* بعد قوله: “يحب الصديقين“، يظهر أنه يعين كثيرين على أساس أنهم في بؤسٍ فقط. يعطي طعامًا كقوتٍ بسبب جوعهم، وليس من أجل فضيلةٍ منهم. ويحرر الذين في عبودية بسبب أنهم مقيدون، هذا يفعله، لا لفضيلة فيهم، وإنما لأنهم في كارثة. يهب بصيرة (حكمة) للعميان بسبب عجزهم[31].
* ليس أحد يمارس حياة صالحة يقلق من جهة المستقبل… هل صلاحنا بحق يعطي رجاءً؟ نعم، لكن ليس رجاءً بشريًا يبطل، ويسبب وراءه ارتباكًا. رجاؤنا هو في الله، فهو أكيد وثابت[32].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* كما أن الآب هو “الحكيم وحده” حسب تعبير بولس، فالابن هو حكمته، “المسيح قوة الله، وحكمة الله” (1 كو 1: 24).
وكما أن الابن هو الحكمة، فإننا إذ نقبل روح الحكمة يصبح لنا الابن، وفيه نصير حكماء. لأنه هكذا كُتب في المزمور المائة والخامس والأربعين: “الرب يطلق الأسرى، الرب يحكم العميان” (مز 146: 7-8)، وعندما يعطي لنا الروح القدس… يصبح الله فينا، لأنه هكذا كتب يوحنا: “إن أحب بعضنا بعضًا، فالله يثبت فينا. بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا، أنه قد أعطانا من روحه” (1 يو 4: 12-13). وعندما يكون الله (الآب) فينا يكون الابن أيضًا فينا، لأن الابن نفسه قال: “الآب وأنا نأتي، وعنده نصنع منزلًا” (يو 14: 23).
وأيضًا كما أن الابن هو الحياة، لأنه قال: “أنا هو الحياة” (يو 14: 6)، فإننا نحيا بالروح القدس. إنه يقول: “الذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادهم المائتة، أيضًا بروحه الساكن فيكم” (رو 8: 11)، وعندما نحيا بالروح القدس، يكون المسيح نفسه حيًا فينا، لأنه يقول: “مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ” (غل 2: 20).

القديس أثناسيوس الرسولي

* الرب هو دائمًا محب للبشر، ويريد أن يعين الساقطين كما يسبح داود في المزمور. لكن الجاحدين، لأنهم لا يرغبون في سماع صوت الرب، ولا يحتملون أن يروا السيد معترفًا به من الكل أنه الله وابن الله، فهم كتعساء يتجولون مثل الخنافس، باحثين عن حجج للكفر مع أبيهم الشيطان[33].

البابا أثناسيوس الرسولي

* ما هذا الذي يأمرنا به الرب قائلًا: “اغسلي من الشر قلبكِ يا أورشليم لكي تُخلَّصي. إلى متى تبيت في وسطكِ أفكاركِ الباطلة؟!” (إر 14:4)، بينما يسأله النبي قائلًا: “قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله، اغسلني فأبيضَّ أكثر من الثلج” (مز 51)؟!
ما هذا الذي قيل: “ازرعوا لأنفسكم نور المعرفة”[34] (هو 12:10)، وقد قيل عن الله: “المعلم الإنسان معرفةً” (مز 10:94)، “الرب يفتح أعين العمي” (مز 8:146)، أو ما نقوله في صلواتنا بالنبي: “أَنِرْ عينيَّ لئَلاَّ أنام نوم الموت” (مز 3:13)؟!
في هذا كله إعلان عن نعمة الله وحرية الإرادة، حتى متى رغب إنسان في السلوك في طريق الفضيلة، يقف سائلًا مساعدة الرب. فلا يقدر أن يتمتع بالصحة الجيدة بإرادته، وبرغبته يتحرر من الضعف. لكن الأمر الصالح الذي نتوق إليه من جهة الصحة لا أناله ما لم يهبه الله الذي يمنحنا متعة الحياة ذاتها ويقدم لنا الصحة المملوءة نشاطًا.
من الواضح أنه خلال سمو الطبيعة التي وهبها لنا صلاح الخالق أحيانًا تثور فينا بداية الإرادة الصالحة، والتي لا نقدر أن نحققها عمليًا أو نتممها بغير قيادة الرب. ويشهد بذلك الرسول القائل: “فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحُسنَى فلست أجد” (رو 18:7)[35].

الأب شيريمون

* ها هو إذن قد صنع معنا رحمةً، وشفانا من مرضٍ خطير بهذا المقدار، فلنسمعه وهو يقول: “ها أنت قد برئتَ، فلا تخطئ أيضًا، لئلاّ يكون لك أشرّ” (يو 5: 14). ليتنا نتواضع في كل الأمور، لأنّ المتواضع يرقد على الأرض، والذي يرقد على الأرض، فإلى أين يسقط؟ لكن واضحٌ أنّ الذي هو مرتفعٌ يسقط بسهولةٍ. فإن كنا قد رجعنا وصحّحنا أنفسنا، فهذا “ليس منا، هو عطية الله” (أف 2: 8)، لأنه قيل: “الرب يُقيم الساقطين، ويُعطي حكمةً للعميان الخ.” (راجع مز 146: 8).

القديس برصنوفيوس

الرَّبُّ يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ.
يَعْضُدُ الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ.
أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ [9].
يهتم الله بالغرباء، خاصة الأسرى، يعزيهم لكي يشعروا أنهم يجدون راحتهم فيه أينما وُجدوا.
يسند الله من لا عون له مثل اليتيم والأرملة.
أما الأشرار الذين يحسبون أنهم فوق القانون، ليس لأحدٍ سلطان عليهم، فإنه وإن أطال أناته عليهم لعلهم يرجعون إليه ويتركون طريق الشر، تصطادهم شرورهم، وتنتهي حياتهم بالدمار.
* كل كنيسة من الأمم هي غريبة. فقد جاءت إلى الآباء وهي ليست من نسلهم حسب الجسد، إنما صارت ابنة لهم بالتمثل بهم. يحفظها الرب وليس إنسان ما.
“ويعضد اليتيم والأرملة”: لا يفكر أحد أن الرب يعضد اليتيم بميراثٍ له، والأرملة ليقدم لها عملًا. بالحق الرب يعضدهم، ويعمل في الجنس البشري، يقدم خيرًا، ذاك الذي يعتني باليتيم، ولا يترك الأرملة. ولكن بنوعٍ ما نحن جميعًا أيتام، ليس لأن أبانا ميت، بل لأنه غائب (عن حياتنا)…
“وطريق الخطاة يبيد”: ما هو طريق الخطاة؟ الاستخفاف بالأمور التي نقولها… ما هو ملكوت السماوات؟! ماذا تكون عقوبة جهنم؟! إنها خزعبلات المسيحيين. ما أراه هو ما أحياه. لنأكل ونشرب، فإننا غدًا نموت (1 كو 15: 32).
احذروا لئلا يقنعكم مثل هؤلاء الناس إلى عدم المبالاة. ليتهم لا يدخلون إلى قلوبكم من خلال آذانكم…
ألا تصدقون ما يقوله الرب إلهكم: “واسع الباب، ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه” (مت 7: 13) هذا الطريق يبيده الرب[36].

القديس أغسطينوس

* إنه يعضد اليتيم والأرملة، اليتيم الذي فقد الله الآب خلال الخطية، والنفس الأرملة التي فقدت المسيح عريسها…
“أما طريق الأشرار فيحطمه”. لم يقل المرتل إنه يحطم الخطاة… إن كان المسيح هو طريق الأبرار، فطريق الأشرار هو الشيطان، فهو يحطم طريق الأشرار[37].

القديس جيروم

* لقد كنتِ تتمتعين بالكرامة بوجود زوجكِ الطوباوي معكِ، كما كنتِ موضع عنايته وغيرته. حقًا لقد تمتعتِ بما كنتِ تتوقعينه من زوج.
أما الآن وقد أخذ الله زوجكِ لنفسه، فإنه يحتل مكانه بالنسبة لكِ. هذا لا أقوله من عندي، بل يقول النبي الطوباوي: “يعضد اليتيم والأرملة” (مز 9:146). وفي موضع آخر يقول: “أبو اليتامى وقاضي الأرامل” (مز 5:68). وهكذا نجد الله يهتم بهذه الفئة من البشرية بغيرة كما عبر عن ذلك بعبارات كثيرة[38] .

القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

5. لحن ختامي

هل تبحث عن  بابا الكاثوليكالبابا بيوس الخامس

يَمْلِكُ الرَّبُّ إِلَى الأَبَدِ، إِلَهُكِ يَا صِهْيَوْنُ،
إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. هَلِّلُويَا [10].
يختم المزمور ببث روح الرجاء في حياة الإنسان التقي المُسبح لله، فإنه إذ يلتصق بالأبدي الذي يملك في السماء، وينعم الإنسان بالأبدية المفرحة.
يرى القديس جيروم أن تعبير “إلى دورٍ فدور” في كل الكتاب المقدس يرمز إلى شعبين: اليهود والأمم.
* عندما يهلك طريق الخطاة عندئذ يملك الرب إلى الأبد. لم يقل النبي: إنه يملك في العالم الحاضر، وإنما إلى الأبد…
ما دامت أقدامنا تسير في طريق الشيطان لا يملك المسيح فينا.
إني أفسح المجال للغضب ضد أخي باطلًا، إني بهذا أسير في طريق الشيطان، فلا يملك المسيح فيّ[39].

القديس جيروم

* عندما يبيد الله طريق الخطاة [9]، ماذا يبقى لنا؟ “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت” (مت 25: 34). “يملك الرب إلى الأبد”… لا تظنوا أن الأبدية ترتبط بكلمات محدودة… لتحبوا الأبدية، فتملكوا بلا نهاية، متى كان المسيح هو نهايتكم (غايتكم)[40].

القديس أغسطينوس

* إن كان (الله) يملك إلى الأبد ويبقى إلى الأبد، فلا يوجد مجال للحدس… هذا هو الطريق – في الحقيقة – الذي به نعيش الحياة الحاضرة في أمان عظيم، وننال الخيرات التي لا يُنطق بها. شاكرين نعمة ربنا يسوع المسيح ورأفاته، له المجد والسلطان مع أبيه الذي لا بداية له، والروح القدس واهب الحياة، إلى أبد الأبد، ودهر الدهور آمين[41].

القديس يوحنا الذهبي الفم
مزمور 146 (145 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير - حياة التسبيح

من وحي المزمور 146

أما أنا فتسبيح للرب!

* هب لي يا ابن داود أن أحمل روح التسبيح.
فاقتدي بداود مرتل إسرائيل الحلو.
كانت حياته كلها تسبيح حتى في وسط ضيقاته.
قيثارته وربابه ومزماره لم تفارقه.
بل تحول كل كيانه إلى قيثارة، يعزف عليها روحك القدوس.
تأهل بروح التسبيح والشكر لنقاوة القلب.
وبنعمتك تأهل أن تصير حياته تسبحة مفرحة.
* لأصرخ مع المرتل، قائلًا:
سبحي يا نفسي الرب!
أدعو أعماقي أن تتحول إلى خورس تسبيح.
فأتهيَّأ للشركة مع السمائيين،
وبالنعمة أتمتع بعربون السماء!
فالسماء بيت التسبيح، وجهنم مسكن الجحود!
من تسبح أعماقه للرب يرتفع قلبه إلى السماء،
ولن تقبل جهنم دخوله إليها،
فإنها تلفظ المسيحيين الحقيقيين والشاكرين!
* أسبح الرب في حياتي.
إلهي أنت هو حياتي، بك تتهلل نفسي.
بك أقدم ذبيحة شكر لا ينقطع.
بدونك أموت، فأقدم جحودُا واضطرابًا.
أحمل رائحة الموت والظلمة، فيهرب التسبيح من قلبي!
ما دمت بك أحيا، أختبر الحياة المقامة.
تمتلئ نفسي تهليلًا، وتبث روح الفرح في كل أحبائي.
قل كلمة، فأخرج من قبر الخطية،
وتنحل رباطات العدو لأتنسَّم الحرية،
وينطلق كل كياني ليسبحك، حتى يلتقي بك وجهًا لوجهٍ.
لا أعرف للتسبيح وقتًا دون وقتٍ آخر،
بل تذوب أعماقي حبًا وفرحًا بحضورك فيَّ!
تقيم ملكوت الفرح في داخلي،
ولا يجد التذمُّر والجحود موضعًا في أعماقي!
أرنِّم مع المرتل، قائلًا:
“أرنم لإلهي ما دمت موجودًا”.
* تسبِّحك نفسي على الدوام،
من أجل القيثارة العجيبة التي وهبتني إيَّاها،
ومن أجل روحك القدوس الذي يعزف عليها،
يضرب على أوتار حواسي وعواطفي وأفكاري،
يضرم مواهبي وإمكانياتي وطاقاتي،
إنها عطاياك لي، أوتار روحية ثمينة،
لن يقدر أن يعزف عليها آخر غير روحك القدوس،
فيُلحِّن سيمفونية سماوية يُسرّ بها الآب.
تُدهش الطغمات السمائية، وتحطِّم قوات الظلمة!
يا للعجب روحك يُخرج من الآكل أُكلًا،
ومن التراب والمزبلة من يجلس مع أشراف شعبك!
هذه هي التسبحة التي لن يقدر أن ينشدها بشر!
هي أنشودة تكلفتها دمك الثمين!
* إذ تحوَّل المرتل إلى تسبحة شكر فريدة،
ارتفع عقله مع قلبه وكليتيه وكل حواسه إليك.
لم يعد يتكل على الرؤساء ولا على بني آدم،
صرت يا مخلصي أنت رجاءه وخلاصه وفرحه!
يسبِّحك، لأنك الخالد واهب القيامة والخلود،
أما البشر فتخرج روحهم، ويعودون إلى ترابهم!
* لأسبِّحك يا خالقي، فأنت حافظ الأمانة إلى الأبد.
قد تضطرب نفسي إلى حين،
لأن العالم كثيرًا ما يصدِّق الكذب ويرفض.
لا أرتعب بل أسبِّحك لأنك أنت هو الحق.
لألتصق بك فأسلك بالحق، أي فيك!
وأنت تحفظ الحق إلى الأبد.
* أسبحك، فأنت تجري الحكم للمظلومين.
قبلت الظلم لتحتضن المظلومين وتقيمهم متهللين بك.
أنت معطي خبزًا للجياع.
صرت الخبز النازل من السماء، تدخل بنا إلى وليمتك السماوية.
هب لي أن أجوع إليك، وأعطش إلى روحك القدوس
أقتنيك مجَّانًا، فأشبع بك ولا أجوع إلى العالم.
وأشرب من ينابيع روحك القدوس.
أنت تطلق الأسرى.
تحررنا من مذلَّة الأنانية التي تحطِّم قلبي بقيودها المرَّة.
* أسبحك يا إله المستحيلات.
كنتُ أعمى بسبب دنس الخطايا،
فقدتُ نور الحق، وصرت في ظلمة حالكة.
افتح عينيَّ قلبي، فأرى النور.
أراك يا نور العالم، وأرى الكل بك وفيك.
حقًا أنت تحكم العميان، إذ تحل يا حكمة الله فينا!
أسبحك، إذ تتطلع إلى نفسي المنحنية حتى التراب.
وحدك قادر أن ترفعني من ثقل المخاوف واليأس.
تحطم اليأس والإحباط، وتهبني الرجاء المفرح.
ماذا أطلب منك يا محب الصدِّيقين،
هب لي مخافتك، فأتمتع بدفء حضنك الإلهي.
قدِّسني بروحك القدوس فاستعذب حبك.
* أسبحك يا من تحفظ الغرباء.
احفظني حتى ألتقي بك وأتحد معك.
تعزٍّيني في غربتي حتى أرجع إلى وطني السماوي.
أسبحك يا من تعضِّد اليتيم والأرملة.
أنت ميراث الأيتام، وملازم الأرامل.
عضِّدني حتى أرجع إلى بيت أبي السماوي.
اسندني حتى أدخل حجال العُرس.
* أسبحك يا ملكي وإلهي من دورٍ إلى دورٍ.
أسبحك في هذا الجيل كابن لك،
وأسبحك في جيل الأبدية كابن للقيامة.
* إلهي لألتصق بك، فأنت هو حياتي.
تتهلل أعماقي بك، فأسبح اسمك القدوس.
قد يئن جسدي وسط الضيق.
لكن نفسي تتأمل حبك،
فتسمو فوق كل آلام الجسد.
ليس لي ما أعمله أفضل من التسبيح!
أنت هو حياتي وفرحي،
أسبحك كل يوم مادمت مقيمًا فيّ!
ملكوتك المفرح يعلو بي فوق كل الأحداث.
يسحب قلبي وفكري وكل أعماقي إليك.
أعيش كما في وسط السمائيين.
لا يعرف القلق له موضعًا فيّ.
* أسبحك متهللًا بسكناي في أحضانك.
لا أتكل على ابن آدم مهما كانت إمكانياته.
ولا أستجدي عاطفة إنسان ٍأو حنوه.
يعطيني اليوم ويقاومني غدًا.
يفتح مخازنه لي الآن،
ولا أدري أين يكون غدًا.
تخرج روحه، فيعود جسده إلى ترابه.
تئن نفسي إذ تبحث عنه، فإذا هو ليس موجودًا.
أما أنت فتضمني إليك،
بك أتحدى الموت نفسه!
بك تُفتح لي أبواب السماء أبديًا.
أسبحك لأنك معيني القدير.
* تسبحك نفسي وتتهلل بك.
إن حلّ عليّ ظلم،
فأنت وحدك مجري حكمًا للمظلومين.
أنت تشبع كل احتياجات نفسي وجسدي.
تقدم لي طعام الملائكة،
وتهتم حتى بخبزي المادي.
تحرر نفسي من كل عبودية،
إذ تهبني سلطانًا أدوس على الحيات والعقارب.
تفتح بصيرتي، فأرى السماوات ببهائها العجيب.
بكلمة تشفي كل انحناء أو اعوجاج فيّ.
في وسط غربتي ترافقني في الطريق،
فتستريح نفسي برفقتك.
كثيرًا ما أعاني من المذلة.
تارة أحسب نفسي يتيمًا،
وأخرى تشعر نفسي أنها مترملة.
أنت أبي السماوي،
وعريس نفسي الأبدي!
* أسبحك على الدوام وإلى الأبد.
نفسي مملوءة فرحًا بك.
نفسي تشتاق للقاء معك وجهًا لوجه.
لك كل تسبيح وشكر يا ملكي وإلهي.

هل تبحث عن  انجيل لوقا الإصحاح الرابع والعشرون

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي