مزمور مسياني:
هيكل هذا المزمور فريد في نوعه يراه البعض مرثاة لها قوتها الخاصة، ويحسبه آخرون تجميعًا لثلاثة مزامير منفصلة ، أو على الأقل لمزمورين: واحد مرثاة [1-21]، والآخر شكر [22-31]. هذان المزموران أو القسمان متمايزان عن بعضهما البعض، لاختلافهم من جهة نفسية المرتل، وأفكاره وأسلوبه[444].
يظن بعض الدارسين أن هذين القسمين كُتبا منفصلين بعد اجتياز المرتل خبرة مُرَّةً رهيبة، وأُضيفا فيما بعد إلى بعضهما البعض لاستخدامهما في الهيكل للعبادة، وقد فُسرا معًا كمزمور مستقبلي يحمل فهمًا مسيانيًا.
يتطلع آباء الكنيسة إلى هذا المزمور كمزمور مسياني، يروى بتناغم وتوافق أحداث الصلب المؤلمة جنبًا إلى جنب مع أحداث القيامة المبهجة، وأخبار الكرازة بالإنجيل (الأخبار السارة) بين الأمم لإقامة كنيسة المسيح، مملكة المجيدة!
لا يمكن لمسيحي أن يقرأ هذا المزمور إلا ويلتقي بالصلب في حيوية وقوة. “النبوة” ربما هي الموضوع الوحيد لهذا المزمور (1 بط 1: 10-11؛ لو 24: 25-26)، إذ يُحسب إحدى النبوات الكاملة عن آلام المسيح واتضاعه ومملكته المجيدة غير المحدودة بين الأمم.
ورد في العهد الجديد اقتباسات من هذا المزمور 13 مرة، منها 9 مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ ربنا يسوع المسيح مادة للكرازة بالرسالة الخلاصية لصلب السيد المسيح وموته وقيامته.
مع شعور المرتل بالعزلة التامة والتخلي عنه، غير أنه يعيش في مملكة السلام. لا نجده يُلمِّح وهو متألم إلى خطية ما، ولا يناشد بتبرئة نفسه، ولا يدافع قط ضد اتهامات باطلة، ولا ينفث غضبًا ضد أعدائه. لا نجد ذكرًا مباشرًا للأعداء، ولا طلب اللعنة عليهم كما في معظم المراثي.