مزمور 25 (24 في الأجبية) – تفسير سفر المزامير
هذا المزمور هو صلاة جميلة، نموذج نتعلم منه الصلاة، فيه عناصر الصلاة المطلوبة.
آية (1): إليك يا رب أرفع نفسي.”
1إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي = الصلاة ليست مجرد وقوف أمام الله، ولكنها رفع للنفس أي عدم الانشغال بالأرضيات وشهوات العالم، فمثل هذه الشهوات تربط النفس بالأرض وتمنعها عن الإرتفاع إلى فوق (كو1:3-10). وبعد أن يرتفع القلب عن الأرضيات، يجب أن ينشغل الذهن بالتفكير في السماويات، بالمسيح الذي فدانا (لذلك نضع دائماً صورة المسيح المصلوب في كل كنيسة) (1كو1:2 ، 2 + غل1:3). وحين نرفع أيدينا في الصلاة فلنفكر في أننا يجب أن نرفع عيوننا وأفكارنا وقلوبنا للسماء وبذلك لا نسمع ما قيل في (إش13:29) وهذا ما نسمعه في القداس “إرفعوا قلوبكم” ويجيب الشعب “هي عند الرب” ولأن رفع القلب هو هبة إلهية نسمع الكاهن يقول “فلنشكر الرب” الذى أعطانا هذا .
الآيات (2، 3): “يا إلهي عليك توكلت. فلا تدعني أخزى. لا تشمت بي أعدائي. أيضًا كل منتظريك لا يخزوا. ليخز الغادرون بلا سبب.”
نجد هنا داود يشتكي من الأعداء، ربما إبشالوم أو شاول أو أي عدو آخر.. وربما أعداء روحيين، ونحن لنا أعداء كثيرين مثل الشيطان، الموت، الذات وشهواتها للعالم. والنفس التي ارتفعت عن الأرض إلى محبة الله تدرك قوته فتتكل عليه لينجيها من أعدائها وهي لن تخزى أبدًا أمام أعدائها الأشداء. ولنلاحظ قوله الغادرون بلا سبب= فلا سبب لعداوة الشيطان ضدنا، ولكن الله معنا. ما أحلى أن نصلي لله بثقة فيه واتكال عليه.
الآيات (4، 5): “طرقك يا رب عرفني. سبلك علمني. دربني في حقك وعلمني لأنك أنت إله خلاصي. إياك انتظرت اليوم كله.”
هنا يطلب داود الإرشاد الإلهي، هو يقف كتلميذ أمام معلمه ليتعلم، يتعلم كيف يصلي وكيف يتضع، وكيف يحمل الصليب وكيف يخدم، علمني يا رب كيف أسلك في طريقك هنا نتعلم من داود أن الصلاة ليست كلامًا فقط بل نسمع صوت الروح القدس يعلمنا. وداود لا يتعجل أي شيء، بل هو ينتظر الرب النهار كله= فالله يعطي التعليم في الوقت المناسب. ونلاحظ أن أهم مصادر التعليم هو التأمل في الكتاب المقدس بروح الصلاة. دربني في حقك= فالله المعلم يدربنا ويروض أجسادنا لنخضع له ويصير لنا طريقه ونتقدس. والتعليم هو إعطاء الوصية ، أما التدريب للإنسان فهو ترويض للإنسان الذي يحمل طبيعة متمردة ورثها من أبيه آدم. وكون داود ينتظر الرب النهار كله فهذا يعني أنه يظل عمره كله يتعلم ويقبل التدريب ولا يظن أنه صار كاملًا لا يحتاج لتعليم (في12:3-18).
آية (6): “أذكر مراحمك يا رب وإحساناتك لأنها منذ الأزل هي.”
أذكر يا رب مراحمك= الله يُسَّر بأن يطالبه الابن بحقه في المراحم والرأفات، بكونه منبع الحب الأزلي، هذه الطلبة تؤكد إيمان من يصلي بها وثقته في وعود الله بمراحمه لأولاده.
آية (7): “لا تذكر خطايا صباي ولا معاصي. كرحمتك أذكرني أنت من أجل جودك يا رب.”
من شروط الصلاة المستجابة، الإعتراف بالخطية (إش5:6)، وهكذا قال بطرس للسيد المسيح “أخرج يا رب من سفينتي لأنني رجل خاطئ” (لو8:5). وداود هنا يذكر خطايا صباه ولا يتناساها ولذلك علينا أن نقف أمام الله ونذكر خطايانا شاكرين الله الذي غفرها، لكن لا نقف كمبررين ونظن في أنفسنا أننا أبرار. وهو يعتمد فقط على رحمة الله= كَرَحْمَتِكَ اذْكُرْنِي.
آية (8): “الرب صالح ومستقيم لذلك يعلم الخطاة الطريق.”
هذه أيضًا من شروط الصلاة الصحيحة، أن ننسب كل الصلاح لله، ورعايته لأولاده.
آية (9): “يدرب الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه.”
نرى هنا من الذي يقبل التعليم والتدريب الإلهي هم الودعاء المتضعين غير المتكبرين. التعليم هو إعطاء المعرفة ، أما التدريب فهو كيفية تطبيق المعرفة النظرية فى الحياة.
آية (10): “كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته.”
طرق الرب كلها رحمة وحق ويكتشف هذا من يبتغي حقًا أن يعرف.
آية (11): “من أجل اسمك يا رب اغفر إثمي لأنه عظيم.”
إعتراف آخر بالخطية. وهو يطلب الغفران ليس لأنه يستحق ولكن لأجل كرامة ومجد اسم الرب الذي دعي عليه، “لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي فيالسموات”.
الآيات (12، 13): “من هو الإنسان الخائف الرب يعلمه طريقًا يختاره. نفسه في الخير تبيت ونسله يرث الأرض.”
الإنسان الخائف الرب، يرشده الرب للطريق التي ارتضاها له وتثبت نفسه في خيرات الرب الروحية في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى. نسله يرث الأرض= بمفهوم العهد القديم تستمر الأرض التي أعطاها لهم الله لهم ولنسلهم ولا يأخذها منهم الأعداء. وروحيًا الآن ميراث الأرض هو ميراث نصيبنا السماوي، والنسل هم كل من عرف المسيح عن طريق شهادتنا وخدمتنا وحياتنا، فكل المؤمنين هم نسل الرسل والتلاميذ.
آية (14): “سر الرب لخائفيه. وعهده لتعليمهم.”
خائف الرب يتمتع بمجد الرب، الروح القدس يكشف له أسرار السماء (1كو9:2-13).
آية (15): “عيناي دائمًا إلى الرب لأنه هو يخرج رجلي من الشبكة.”
الذين يثبتون عيونهم على الرب دائمًا ينجوا من الشباك المنصوبة لهم. فلنثبت عيوننا على الله ولا ننشغل بالأرضيات فننجذب لخداعاتها وملذاتها فتكون لنا شركًا.
الآيات (16، 17): “التفت إليَّ وارحمني لأني وحد ومسكين أنا. أفرج ضيقات قلبي من شدائدي أخرجني.”
هنا شرط آخر للصلاة المقبولة وهو الانسحاق “القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله”. فداود يقول ها أنا إبنوَحْدٌ وَفقير = أي منفرد ومعزول أي ليس لي من ألجأ إليه سواك لتخرجني من ضيقتي، فأنا ضعيف جداً (يقول هذا وهو ملك له جيوش). وله من الأموال الكثير جدا وقادر أن يمتلك الأكثر ، ولكنه شاعر بأنه بدون الله فهو لا شئ . وكل من لم يشعر بأن الله يملأ حياته يشعر بعزلة مهما كان عدد الناس المحيطين به. وبهذا فداود كان فاهما للرسالة التى وجهها المسيح لملاك كنيسة لاودكية ” أنا مزمع اناتقيأك….لانك تقول إنى غني….” ( رؤ 3 : 16 ،17).
ملحوظة: من يأس لأنه سقط في خطية ليس له فكر مسيحي. فنحن نعلم أننا قابلين للخطية بسبب ضعف طبيعتنا والخطية الساكنة فينا. ولكن فلنسرع كما فعل داود ونعترف بخطيتنا واثقين في قوة دم السيد المسيح الذي يبررنا. وأما اليأس فيترجم أنه كبرياء.
آية (22): “يا الله افد إسرائيل من كل ضيقاته.”
هنا نصل لشرط آخر للصلاة المقبولة وهو الصلاة من أجل الآخرين وكل الكنيسة. افد إسرائيل = وهذا تم بالصليب.
ونصلي هذا المزمور في باكر فنذكر المضايقين الذين اجتمعوا حول المسيح والخلاص الذي صنعه المسيح. الابن الوحيد الفقير، الذي افتقر ليغنينا.
هل تبحث عن  المعلم رزق (رزق أغا) من شخصيات العصر العثماني

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي