“عندما يقترب مني الأشرار ليأكلوا لحمي،
الذين يضايقونني وأعدائي هم ضعفوا وسقطوا.
وإن يحاربني عسكر فلن يخاف قلبي.
وإن قام عليّ قتال فبهذا أنا أرجو” [2-3].
اقترب إليه الأشرار ليأكلوا لحمه ويفنوه، وكان أعداؤه قادرين، لكن إلهه القدير هو أقدر منهم. لقد اعتاد الأشرار أن يذبحوا شعب الله ويأكلونهم كخبز (مز 14: 4). هم فاعلوا شر (26: 5)، يؤذون (إر 25: 6) ويضرون (1 صم 26: 21) ويضغطون (مز 44: 2)، يسببون ضيقًا (أم 4: 6) ويغيظون الآخرين (عدد 20: 15)… فما هو موقف القدير؟ أنه لم يمنعهم من ممارسة شرهم قسرًا، إنما بحبه الخلاصي قدم جسده الواهب الحياة مأكلًا، حتى نتقبل نحن أعضاء جسده أن نقدم أجسادنا طعامًا لاخواتنا في البشرية بروح الحب الباذل، يأكلوننا فيتحولون من ذئاب مفترسة إلى حملان وديعة. لهذا يقول ربنا يسوع لتلاميذه: “ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب” (مت 10: 16).
إذًا ليأكل الأشرار لحمي، فإن المسيح الساكن فيَّ قادر أن يُحوّل حياتهم الشريرة إلى حياة مقدس… يعرف كيف يصيرني إناءّ يحمل آلامًا من أجل المسيح. لقد كان شاول الطرسوسي مضطهدًا للكنيسة يأكل لحوم أبنائها، لكنه أخيرًا تحول إلى بولس الرسول الذي قيل عنه: “لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي” (أع 9: 16). أكل الوثنيون لحم القديس مرقس بالإسكندرية حتى سال دمه في شوارعها، فتحولت الإسكندرية إلى مدينة مقدسة تضم كنيسة المسيح الحية.
* “عندما يقترب مني الأشرار ليأكلوا لحمي” [2]. حينما يقترب الأشرار ليتعرفوا عليّ ويهينونني ويتبجحون عليّ لأنني أسعى نحو ما هو أفضل ليس فقط يزعجون نفسي بأسنانهم اللعينة بل وأيضا يضايقونني بالرغبات الضآلة… يعثرون ويسقطون…
* ما معنى “لحمي“؟ إنها غرائز طبيعتي الدنيا. ليثر (الأشرار) ويسعوا ضدي فإنهم إنما يُفنون فيَّ ما هو مائت (شهواتي الجسدية)، لكن يبقى فيَّ ما لا يستطيع مضطهديّ بلوغه، الهيكل الذي يسكن فيه إلهي.
القديس أغسطينوس