مزمور 39 – تفسير سفر المزامير
يقول القديس أثناسيوس وغريغوريوس الناطق بالإلهيات أن داود ألف هذا المزمور بإلهام الروح القدس وأعطاه ليدوثون الذي انتخبه داود للتسبيح.
غالبًا كان داود في ألم عظيم وهو يكتب هذا المزمور، ولكنه قرَّر أن يضبط عواطفه ويبقيها داخله، لا يتذمر ولا يشتكي أمام أعدائه، ولكن يتكلم ويفضي بما في داخله أمام الله فقط. ونجد داود هنا يشعر أن الإنسان كبخار يظهر قليلًا ثم يضمحل، فتساءل، ولماذا كل هذا الصراع على الدنيا والكل سينتهي سريعًا. وفي ألمه يردد ما قاله أيوب من قبل.. إذا كانت أيامي ستنتهي سريعًا فهل أحيا هذه الحياة القصيرة وأنا متألم بكل هذه التأديبات.
آية (1): “قلت أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني. احفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي.”
نرى قرار داود بأنه لن يتكلم، فهو لن يتهم أعداؤه، ولن يبرئ نفسه أمام الأشرار، ومن يحفظ لسانه يحفظ نفسه (يع3). ولكنه لن ولم يصمت أمام الله.
آية (2): “صمتّ صمتًا سكتّ عن الخير فتحرك وجعي.”
هنا تصوير آخر، أنه امتنع عن كلمات الخير أمام الأشرار إذ هم يسخرون مما يقول، فقرر أن لا يلقي درره قدام الخنازير (مت6:7). ولكن عدم شهادته لله أوجعته.
آية (3): “حمي قلبي في جوفي. عند لهجي اشتعلت النار. تكلمت بلساني.”
نرى المرنم هنا في صراع بين أن يتكلم وأن يسكت، له حنين أن يشهد لله، ولكنه مقتنع أن كلامه سيزيد الشرير هياجًا وسخرية. فلجأ لله ليرشده= تكلمت بلساني.
الآيات (4-6): “عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي فاعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشبارا وعمري كلا شيء قدامك. إنما نفخة كل إنسان قد جعل. سلاه. إنما كخيال يتمشى الإنسان. إنما باطلا يضجّون. يذخر ذخائر ولا يدري من يضمها.”
إذ دخل المرنم في حوار مع الله اكتشف تفاهة الحياة البشرية وقصرها. عرفني يا رب نهايتي= عرفني أنني لن أبقي هنا كثيرًا في هذه الشدائد والضيقات وسخرية من يسمع (ما قاله في آية2). ومن يدرك ما أعده الله له في الأبدية يدرك تفاهة هذه الأيام الأرضية. الإنسان إنما كخيال= هل يستطيع أحد أن يمسك ظل الأشياء، هكذا كل من يحاول أن يتمسك بأمور هذا العالم= باطلًا يضجون= باطلًا يتعبون ليكنزوا الماديات.
عرفنى يا رب نهايتى = قطعًا كل إنسان يعرف أن نهاية كل الخليقة هو الموت ، ولكن أحد حروب الشياطين هو إخفاء هذه الحقيقة عن فكر الإنسان ومحاولة الشيطان أن يشغل فكر الإنسان بملذات العالم . لأننا لو وضعنا فكرة موتنا أمام عيوننا وأنها ستأتى كلص فى ساعة لا نتوقعها لما تجرأ إنسان وأخطأ . فيكون طلب المرنم لله أن يجعله واضعا هذه الحقيقة أمام عينيه دائما ولا تشغله إغراءات الخطايا فينساها .
الآيات (7-13): “والآن ماذا انتظرت يا رب. رجائي فيك هو. من كل معاصيّ نجني. لا تجعلني عارًا عند الجاهل. صمت. لا افتح فمي لأنك أنت فعلت. ارفع عني ضربك من مهاجمة يدك أنا قد فنيت. بتأديبات أن أدبت الإنسان من اجل إثمه أفنيت مثل العث مشتهاه. إنما كل إنسان نفخة. سلاه. استمع صلاتي يا رب وأصغ إلى صراخي. لا تسكت عن دموعي. لأني أنا غريب عندك. نزيل مثل جميع آبائي. اقتصر عني فاتبلج قبل أن اذهب فلا أوجد.”
المرنم إذ أدرك تفاهة هذا العالم، وضع رجاؤه كله في الله، وليضمن نصيبه الأبدي صلَّى قائلا = من كل معاصىَّ نجني، ويعترف أن الخطية تجعله عارًا عند الجاهل. وفي (9) نجده يُسَلِّم نفسه تمامًا بين يدي الله، ويقبل منه كل تأديب حتى يخلصه من خطاياه. ولكنه في ضعف وانسحاق يرفع عينيه إلى الله ليرفع عنه تأديباته= ارفع عني ضربك. ونلاحظ أن الله يسمح بهذه الضربات والتأديبات حتى يقتنع أولاده بتفاهة الأرضيات وأنها زائلة. فالله بتأديباته يفني شهواتهم مثل العث. ويقتنع الإنسان أنه نفخة أي هو زائل سريعًا فلماذا التمسك بالأرضيات. فآية (11) تشير لفائدة الآلام. وفي (12) صلاة لله حتى يقبله ويسمع صراخه ودموعه ويكتفي بهذه التأديبات، ويكون توقف التأديبات علامة على قبول الله ورضاه عليه، وهو يطلب هذا في (13) أن يكف الله عن تأديباته ويعلن قبوله قبل أن يموت، فبعد الموت لا توجد فرصة للتوبة. ولاحظ شعوره بالغربة في هذا العالم. اتبلج= أفرح.
هل تبحث عن  استجابة الصلاة في المزمور السادس

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي