admin
نشر منذ سنتين
2
مزمور 47 - التنبوء بمُلك الله الجامع
التنبوء بمُلك الله الجامع:

“يا جميع الأمم صفقوا بأيديكم؛
هللوا لله بصوت الابتهاج” [1].

1. لغة هذا المزمور مستعارة من نصرات الملك على أعدائه، ولكن بروح النبوة، حيث يرى المرتل المسيا الملك يدخل معركة حاسمة ليُحطم مملكة إبليس العدو الحقيق، ويقيم مملكته. لقد رأى بعينيه الداخلتين الملك الأعظم والمعركة الأخطر والنصرة الفائقة التي انتهت بقيامة السيد المسيح الذي حطم “الموت” كآخر عدو للبشرية، وانطلق إلى سمواته ليحمل مؤمنيه إلى حيث هو جالس، وبصعوده انتشرت الكرازة به، وملك البرّ على الأمم، وتحولت حياة المؤمنين إلى ملكوت الفرح والبهجة.
إذن هذا المزمور هو “نشيد عسكري”، فإلى يومنا هذا يستخدم التصفيق بالأيدي والهتاف في الجو العسكري والسياسي (عد 23: 21؛ يش 6: 16، 20؛ 1 صم 10: 24، عز 3: 12).
2. يُطالبنا المرتل أن نحتفل بمُلك المسيا بتصفيق الأيادي مع أصوات الابتهاج أو هتاف الفرح. ليرتبط عمل الأيادي بعمل الحنجرة والفم، فإن التصفيق بالأيادي إنما يُشير إلى إعلان ملكوت المسيا على جميع الأمم خلال كرازتنا للغير بالسلوك العملي… يرون المسيا ملكًا على قلوبنا وأعضاء جسدنا وكل إمكانياتنا، هذه جميعها التي تُفرَز لحساب ملكوته بحبنا إن أمكن لكل إنسان في العالم. أما عمل الحنجرة أو الفم واللسان فهو الشهادة لملكوته… حيث تلتحم شهادة العمل بشهادة الكلمة.
بمعنى آخر لنسبح للملك الغالب، معلنين فرحنا بالحياة العملية كما بكلمتنا!
3. يردد هذا المزمور كلمة “هللويا”، وهي تعني “سبحو ليهوه”، وتحمل روح الفرح المرتبط بالغلبة أو النصرة، فالمؤمن يرى في إلهه الساكن في أعماقه الغالب الذي خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ 6: 2).
* لا تبتهجوا بالفم بينما تكون الأيادي عاطلة؛ إن ابتهجتم “صفقوا بالأيادي”.
ما هي أيدي الأمم؟ إنها سلوكهم بالأعمال الصالحة.
* (لتبتهجوا) بالصوت كما بالأيادي. إن كان بالصوت وحده، هذا ليس حسنًا، لأن الأيدي متراخية! إن كانت بالأيدي وحدها، هذا أيضًا ليس حسنًا، لأن اللسان أخرس! لتتفق الأيدي مع اللسان. ليكن هكذا الاعتراف مع العمل! “اصرخوا لله بصوت النصرة”.
القديس أغسطينوس
* يُعلمنا الكتاب أن نرنم للرب، وأن نرقص بحكمة كقول الرب لحزقيال أن يضرب بيده ويخبط برجليه (حز 6: 11). لا يطالب الله بحركات مضحكة يقوم بها جسد ثائر، ولا يطلب تصفيق النساء… إنما يوجد رقص وقور، حيث ترقص الروح بسمو الجسد بالأعمال الصالح، عندما نعلق قيثارتنا على الصفصاف .
القديس أمبروسيوس
* حيث أن بشارة الإيمان بالمسيح قد انتشرت في العالم كله حتى آمن أناس من كافة الأمم، لهذا تدعو النبوة كافة الأمم جملةً وإجماعًا إلى التسبيح لله بفرح وسرور.
يقول النبي صفقوا بأيديكم التي تنجست بذبائح الأصنام، والآن قد تطهرت بالمعمودية، أي اصنعوا أعمالًا مرضية لله تبهج الملائكة وتحزن الشياطين فتكون مثل تصفيق الغالبين الذي يُسر الأصدقاء ويحزن المغلوبين.
أصواتكم التي كانت قبلًا مجدفة، صارت الآن صلوات وتسابيح مبهجة؛ هللوا بها لله، أي لربنا يسوع المسيح الذي هو عالٍ مع أنه اتضع بتجسده إنه مهوب ولو أنه قبِل الإهانة باختياره.
أنثيموس أسقف أورشليم

“لأن الرب عالٍ ومرهوب،
ملكُ كبير على كافة الأرض” [2].

هذه اللغة لا تناسب إلا مُلك المسيح، الذي يُدعى ملكًا عاليًا ومهوبًا (عب 12: 28، 29؛ تث 4: 24؛ 9: 3؛ 10: 17-21؛ نح 1: 5؛ صف 2: 11). مسيحنا إله محب البشر، يبذل ذاته من أجل كل أحد، يترفق بالخطاة، ويهتم بخلاصهم دون أن يجرح مشاعرهم، وفي حبه هو أيضًا إله مهوب، قدوس لا يقبل الشركة مع الفساد؛ هو نور لا يطيق الظلمة، وهو الحق الذي لا يشترك مع الباطل، والطريق الملوكي الذي لا يعرف الاعوجاج. لنحبه ونخفه في نفس الوقت، فإن محبتنا له دون الخضوع لإرادته والطاعة لوصيته هو استهتار واستخفاف. لنعبده بالحب مع خوف ورعدة!
لقد ملك الرب على خشبة الصليب، حيث سجل محبته لنا في كمالها بدمه المبذول، وأعلن مهابته وعدله، محطمًا بصليبه قوات الظلمة… بهذا يعلن الصليب أنه “ملك كبير على كافة الأرض“، وليس على أمة واحدة؛

وكما يقول القديس أغسطينوس: [لا يكفيه أن تخضع أمة واحدة له، ولهذا دفع ثمنًا عظيمًا، قدَّمه من جنبه، ليقتني العالم كله].

“أخضع الشعوب لنا،
والأمم تحت أقدامنا” [3].

كلمة “أخضع” هنا تعني قبول كلمة الرسل ليدخلوا في قطيع المسيح الوديع، حيث يترك الأمم روح الغطرسة والكبرياء ومقاومة الكنيسة لينحنوا ويحملوا صليب مسيحها بفرح وابتهاج. لهذا يرى بعض الآباء أن العبارة تعني خضوع الشياطين والخطايا التي كانت تسيطر على الأمم الوثنية، وسقوطها تحت أقدام الصليب. فمع خضوع الأمم بالإيمان بروح الحب والطاعة انهار شرهم وانسحق تحت قدميْ الكنيسة.
المتحدثون هنا هم الرسل الذين لا يتكلمون بروح التشامخ والكبرياء، وإنما في دهشة عجيبة لعمل صليب المسيح في حياة الوثنيين. فبينما هم يقاومونه إذا به يجتذبهم إلى روح الخضوع الكامل للكارزين ليصيروا كأنهم عند أقدامهم؛ ويفرح الرسل لأنهم يحملونهم معهم ليخضع الكل عند قدميْ المصلوب.
* نجد القديسين، بصوت المرتل، يرتفعون مقدمين تسابيح الشكر صاعدة إلى المسيح الذي يكللهم، قائلين: “أخضعَ الأمم لنا والشعوب تحت أقدامنا”! إن مسعى القديسين وغايتهم الجادة أن يجعلوا الذين يتعلمون على أيديهم شركاء النعمة المعطاة لهم بواسطة المسيح. ويمكن لأي أحد أن يتعلم من الرسالة التي بعث بها الطوباوي بولس إلى البعض، قائلًا: “مشاق أن أراكم لكي أمنحكم هبةً روحية لثباتكم” (رو 1: 11).
القديس كيرلس الإسكندري
“اختارنا ميراثًا له،
جمال يعقوب الذي أحبه” [4].

في النص العبري: “يختار لنا نصيبنا، فخر يعقوب الذي أحبه. سلاه”… إن كنا نفرح لأن الله قد اجتذب بصليبه الأمم ليصيروا أعضاء في كنيسته المقدسة، خاضعين للرسل… فإن سرّ فرحنا الحقيقي هو “عمل الله”، فقد خطط تدبير خلاصنا، وأعطانا ذاته نصيبًا له، وقبلنا نحن نصيبه وميراثه!
في الترجمة السبعينية: “اختارنا ميراثًا له”… فإن كان الأمم يخضعون للكنيسة بالإيمان بعريسها، فإنه لا فضل للداخليل في الإيمان في شيء، لأن الروح القدس هو الذي يجتذبهم والرب يختارهم… هو اختارنا، وهو الذي أحبنا أولًا، وهو الذي عكس جماله علينا، وأعطانا بركةً أن نُحسب ميراثًا له!

هل تبحث عن  القديسين البارين حنة ويوحنا (القرن9م)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي