المزمور السابع والثلاثون
1. المزمور السابع والثلاثون هو مزمور تعليمي أبجدي أنشده أحد معلمي الحكمة متوقفًا في مجموعة من الحكم على جزاء الأشرار والأبرار: الأشرار يستأصلون، والذين يرجون الرب يرثون الأرض.
2. مصير الأشرار ومصير الأخيار.
آ 1- 11: لا يجب على البار أن يشغل باله بسعادة الأشرار. والسبب: إنهم يُقطعون سريعًا ويذبلون كالعشب. فليتوكّل على الرب وينتظر، وليفوّض طريقه إلى الرب.
آ 12- 15: محاولات الشرير: يكيد للصديق، فيضحك منه الرب لأنه رأى أن يومه آت.
آ 16- 20: مقابلة بين البار والشرّير ومصير كل منهما: سواعد المنافقين تخسر، أما الصدِّيقون فالرب يعضدهم. قليل الصديق يكفيه لأنه سيتكاثر، أما كثير المنافق فهو كالدخان.
آ 21- 29: الحكيم يروي اختباره عن حياة في البرارة: لم أرَ صديقًا مخذولاً.
آ 30- 40: سلوك الأبرار والأشرار. اختلاف في طريقة حياتهم واختلاف في نهاية حياتهم: رأيت المنافق معتزًا مثل شجرة ناضرة، ثم اجتزت فلم يكن. أما الصدِّيقون فيخلصهم الرب لأنهم اعتصموا به.
3. إذا قرأنا آيات هذا المزمور وجدنا فيها حكَمًا تتعلّق بمصير الأشرار البعيدين عن الربّ، ومصير الأبرار الأمناء له ولعهده. لقد علّم الأنبياء وبوضوح أن اسرائيل إن بقي أمينًا على العهد يكون له الخلاص وبركات الله، أما إن نقض العهد فسيسقط في الشقاء. والفرد الذي يكون أمينًا لوصايا الله، يجازيه الله خيرًا بينما يجازي المنافق شرًا. ولكن اختبار الحياة اليومية والتفكير بمصير كل انسان جعل النبيّ إرميا (12: 1) يقول: “أريد أن أحاجك: لماذا ينجح طريق المنافقين ويسعد جميع الماكرين”؟
كيف العمل، والوحي لم يعط تعليمًا واضحًا عن عالم ما بعد الموت؟ سيعلم المرتّل أن الله عادل وليس بظالم، وأن سعادة المنافقين لا تدوم طويلاً وشقاء الأبرار أمر عابر. والأمثلة عديدة على ذلك ومنها اختبار صاحب المزامير: كنت صبيًا وقد شخت ولم أر صدِّيقًا مخذولاً.
نجد في هذا المزمور اختبارًا ناقصًا، ولكن الفكرة اللاهوتيّة التي نستخلصها تدلّ على حب الله لأحبّائه: نتيجة الأمانة للعهد بقاء في النعمة، ونتيجة خيانة العهد سقوط في عالم الشقاء. السعادة هي الحياة مع الله، والشقاء هو البعد عنه. هذا ما يعلمه المرتّل، دون أن يتوقّف على أجرة يقبضها أجير أو على امتلاك أرض، ولو كانت أرض الميعاد.
4. نستنتج من هذا المزمور بعض التعاليم اللاهوتية الأساسيّة.
– إله العهد يبقى أمينًا لمواعيده.
– الأمين للعهد يحفظ نفسه في نعمة العهد، وناقض العهد يسير إلى الهلاك. هذا التعليم سيتعمّق فيه العهد الجديد الذي يعلمنا أن حياتنا تتعدّى وجودنا على الأرض.
وهكذا نستطيع أن ننشد المزمور 37 على لسان يسوع، معلّم الحكمة، الذي يعطيه أبعادًا واسعة عندما يحدّثنا عن الودعاء الذين يرثون الأرض (مت 5: 5) وعن اللعنات التي تنصبّ على الأغنياء والضاحكين (لو 6: 24- 26). ونتذكّر كلماته عندما نقرأ عن الغني الجاهل (لو 12: 16- 21) وعن ذلك الغني الآخر الذي يرفض مدّ يد المساعدة إلى لعازر الفقير (لو 16: 19- 31).
5. الأبرار والأشرار، جماعة قمران ومضطهديهم
نجد في مز 37 معارضة بين الأبرار والأشرار، بين مصير هؤلاء ونهاية أولئك. وهذا ما نكتشفه أيضًا عند جماعة قمران. فالأبرار في هذا المزمور هم جماعة مختاري الله، جماعة مساكين الرب. يضطهدهم الناس، ويجرّبهم الرب، ولكن الثواب محفوظ لهم. يسمّون “مرتديّ البرّية” فينطبق اسمهم على الاشارة الموجودة في وثيقة صادوق (دمشق) (اكتشفت في القاهرة وتحدّثت عن معلّم البرّ). يقوم على رأسهم كاهن هو معلّم البرّ الذي عرَّفنا إليه تفسير حبقوق. هؤلاء يضطهدهم شرير مشهور ورجل كذّاب، ويضطهدهم بنو اسرائيل الأشرار والكفّار في افرائيم ومنسى. أما مواضيع تعاليم الأشرار فهي: تعليم كاذب وعنف على العهد. وستدوم المحنة وزمن السوء أربعين سنة، أي مدّة جيل واحد. بعدها يزول كل كفر ويفنى الكفّار كما فني العبرانيّون خلال الأربعين سنة التي أقاموا خلالها في البرّية. ولكن في تفسير حبقوق سيمارس الوثنيّون الجائرون حكم الله فيعاقبون الذين يرفعون يدهم على الكاهن وعلى الرجال الذين يؤلّفون مجلسه. يمكننا أن نرى في هذا الكلام تلميحًا إلى وصول الرومان مع قائدهم بومبيوس. ونشير هنا أخيرًا إلى أن التوبة تبقى ممكنة. فالمرتدّون في البرّية هم الذين كفروا بشرّهم وتابوا إلى الشريعة كما تفسِّرها جماعة قمران.
6. ما يرى وما لا يرى
نجد أيضًا في هذا المزمور تعارضًا بين الإيمان وبين العيان. أي بين ما وعد به الله فنؤمن به إيمانًا ثابتًا، وما نستطيع أن نراه بعيوننا. يتساءل المؤمن: هل مواعيد الله صادقة أم لا؟ وهنا نكتشف ما يميّز الايمان في بني اسرائيل. هناك الحاجة لأن يتوافق ما يرى مع ما لا يرى. فعلى الاله الذي يصلّي له المؤمن سرًا أو في الهيكل أن يفعل بطريقة منظورة وفي التاريخ. وهناك إرادة أن يأخذ المؤمن التاريخ في مجمله فلا يحكم على واقعة واحدة أو انطلاقًا من شخص واحد. بل ينطلق من مجمل الأحداث ليستنتج قاعدة عامّة، ويفسّر داخل تلك القاعدة الحالة الخاصة به