مــلــــكة سبـــــــأ
ملكه سبأ
ملكه سبأ

مقدمة
ملكه سبأ


لست أعلم أن هناك قصصًا كثيرة يمكن أن تثير الإنسان، أو تهز مشاعره أو تلهب خياله كقصص الرحالة المغامرين الذين شقوا طريقهم في أصعب الأماكن وأقساها وأخطرها على هذه الأرض، وقد يقرأ المرء قصص السندباد البحري أو جلفر أو روبنسن كروز فيفتن بها ولا ينساها مع السنين، رغم أنها من محض الخيال، وليست من الواقع في شيء، كما أنه يرفع في العادة إلى مصاف الأبطال ماركو بولو، وماجلان، وكولمبس، وكابتن سكوت، وغيرهم الذين شقوا طريقهم عبر المجهول، وفي قلب المتاعب والأهوال، ليكتشفوا عالمًا جديداً من قارات ومحيطات، وجبال وأنهار وثروات، وكنوز، وبشر، وغير ذلك مما أثروا به التاريخ والمدنية والحضارة والجماعات الإنسانية المختلفة على هذه الأرض!! إلا أن رحلة ملكة سبأ القديمة إلى سليمان، هي من الرحلات القليلة النادرة، التي قامت بها المرأة، سيرا وراء الحق والنور والإيمان والمعرفة، وقد أخذت هذه الرحلة مجدها العظيم، عندما ذكرها المسيح بعد ما يقرب من ألف عام، كالرحلة الخالدة التي أعطت هذه المرأة لا أن تقف أمام سليمان فحسب، بل أمام من هو أعظم من سليمان عندما تقف في يوم الدين، لتدين، وقد سارت آلاف الأميال باحثة عن الله، أولئك الذين كان المسيح في وسطهم، ومع ذلك أنكروه وجهلوه… ولهذا أرجو أن تتأمل شخصيتها العظيمة فيما يلي:

ملكه سبأ



ملكة سبأ وشخصيتها


لا يحتاج المرء إلى الكثير من التأمل ليدرك أن هذه المرأة كانت من الشخصيات غير العادية من النساء فهي أولاً وقبل كل شيء، كانت من نساء القمة أو من أعلى طبقات النساء اللواتي عشن على هذه الأرض ومع أن تاريخها الأول قبل زيارتها لسليمان لا تعرف عنه شيئًا، إلا أنه من المؤكد على أى حال أنها كانت ملكة أرستقراطية عظيمة، لها القصور والأمجاد والأبهاء، وإذا كانت هداياها للملك سليمان من الذهب وحده تتجاوز المليون من الجنيهات، فلنا أن نتصور مقدار الثروة الطائلة التي كانت تمتلكها، على أنها وأن كانت على هذا الحد من الثروة الفاحشة، فان ما هو أعظم وأجمل أنها كانت ثرية الذهن جبارة التفكير، فالمرأة التي تستطيع أن تواجه سليمان، وتناظره وتمتحنه بمسائل لا يمكن إلا أن تكون واحدة من عبقريات النساء وأفذاذهن، وأندرهن في المحاجة والتفكير والتأمل، ولا ريب أنها كانت قوية الشخصية مرهوبة الجانب، وما كان لها أن ترأس مملكة، وتقو د شعبًا، في عصر لم يكن يعطي للمرأة مكانتها وقيادتها إلا وراء رجل أو في كنف ملك، إلا لأنها كانت من أقدر الشخصيات حنكة وتدبيرًا وتنظيمًا، ومع أنه ليس من السهل على المرء أن يقطع بأنها عندما زارت سليمان لم تكن متزوجة، إلا أن عدم ذكر رجل إلى جوارها يشجع على ذلك، أو يشجع على القول أن رجلها في حالة كونها متزوجة، كان الشخصية الأضعف والأضأل إلى جوارها، على أن أهم ما في شخصية هذه المرأة، وما أعطاها النور والخلود والمجد، هو أنها كانت واحدة من أعظم الباحثين عن الحق في الأرض، اذ أن حياتها الأرستقراطية، وثروتها، وشعبها، ومملكتها، لم تعطها هذا الشبع الذي يمكن أن يملأ حياتها، قبل أن تصل إلى الحق وتدركه، وتستريح فيه ومعه إلى معنى وجودها على هذه الأرض،… إنها واحدة من ذلك الركب الهائل من جبابرة العقول، الذين يسيرون في مواكب الحياة يسألون عن الحق، وأين يكون، ولا يمكن أن يهدأوا حتى يعثروا عليه، أو يموتوا في سبيل الحصول عليه، والحق من هذا القبيل هو الطعام والشراب والثروة والغنى والمملكة والحياة بالنسبة لجميعهم.

هل تبحث عن  كلمات ترنيمة للمسيح الفادي قدموا الإكرام *

ملكه سبأ



ملكة سبأ ورحلتها


ولا شبهة في أن البحث عن الحق كان الدافع الأول والأعلى لمملكة سبأ، لتأخذ طريقها إلى أورشليم لزيارة الملك سليمان،.. ومع أن سليمان بلغت شهرته الآفاق، ومع أن فهمه وإدراكه وحكمته ومملكته ونظامه وشعبه، كل هذه كانت ولاشك، تغري الجميع ملوكًا وصعاليك، على رغبتهم في رؤياها والتمتع بما يمكن أن تعطيه للنفس من بهجة ومسرة وجلال، إلا أن هذه فيما أعتقد لم تكن الرغبة الأولى لملكة سبأ لترى سليمان وبلاده وعرشه، إذ أن رغبتها كانت أعمق من هذه كثيرًا، إنها كانت تبحث عما وراء سليمان،.. أو بتعبير أصح عمن وراء سليمان، عن سليمان وسر حياته ومجده وقوته وعظمته ولذا قيل «وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب» فلم يكن سليمان إذ هو المقصد المنشود للمرأة العظيمة، بل كان سليمان في نظرها، مفتاحًا إلى قصر عظيم، يمكن أن يدخل، وتتمتع في إبهائه بعظمه إله، هو سر الوجود، ومجد الوجود، ولا يمكن أن يعطي يسوع المسيح معنى لهذه الرحلة، وآثارها الخالدة الباقية إلى يوم الدين، مالم يكن هذا هو المقصد الأهم والأرفع والأعظم عند الملكة القديمة!! ومع أن الكثير من الحقائق والأساطير كتبت عن هذه الزيارة، فصورها البعض صراعًا ذهنيًا جبارًا بين المرأة والملك الحكيم فهي تريد أن تكشف قدرته على الفرق بين الأصل والتقاليد، فتأتي له بوردتين تضعهما الواحدة إلى جوار الأخرى، ولا يسهل للعين مطلقًا واحداهما طبيعية والأخرى صناعية أن يعرف أيتهما الأصل وأيتهما التقليد، ويفتح سليمان النافذة فتدخل نحلة تحط على الطبيعية ويعرف على التو أنها الزهرة الطبيعية.. أما هو فقد سمع بأن المرأة كانت تعاني عيبًا خلقيًا في ساقيها، فواحدة شعراء والأخرى ملساء، وكانت تغطيهما بثوب إلى الكعبين، وأراد أن يكشف الحقيقة فأمر بأن يطلق مجرى من المياه لابد أن تتخطاه وهي في طريقها إلى عرشه، وعندما جاءت إلى المجرى رفعت ثوبها قليلا، فرأى الفرق بين الساقين!.. ومهما ذكر من هذا القبيل، أو مهما قيل مما جاء في بعض التقاليد، من أن سليمان والملكة كان ذات يوم، فمر بهما أحد العمال وكان يحمل حجرًا على رأسه وقربة ماء على ظهره وكتفيه، وثيابه مهلهلة ممزقة، وطعامه وصندله مربوطين إلى وسطه، وعرقه يتصبب من جبينه فيسيل مع ما ينضح من ماء قربته على صدره ورجليه، وكان يمسك ببعض الأعشاب في يده، واذ رآه الملك على هذه الحال، استوقفه وقال لملكه سبأ : تأملي هذا الرجل هل أنا أفضل منه؟ فأنا أنسان وتراب ورماد وغداً سأصبح دودا ورمادا ومع ذلك، فأنا الأن، كأنما في وضعي هذا لن أرى الموت أبداً، مع أن موته مثل موتي، وحياته كحياتي! ثم استطرد قائلاً: ما معنى حياتنا نحن بني الإنسان إذا لم نمارس الشفقة والمحبة على الأرض.. ألسنا كلا شيء، ومثل زهر الحقل الذي سريعًا ما ييبس ويلقي في النار؟ نحن نأكل أطيب الأطعمة، ونرتدي أفخر الثياب ومع ذلك فالفساد ينخر في عظامنا ونحن أحياء! ونحن نتدهن بأفخر الأطياب وإن كنا في الوقت عينه موتى بالذنوب والخطايا ونحن في هذه الحياة، طوبى للإنسان الذي يعرف الحكمة ويطلب العطف ومخافة ال..له» أو مهما رأت الملكة من الصور الكثيرة المذهلة للعقول، عن حكمة سليمان، وبيته وطعام مائدته، وموقف خدامه وملابسهم فإن هذه كلها لم تأسر الملكة قدر انبهارها بالهيكل والذبائح والتقدمات والعبادة العظيمة، التي لم يكن لها نظير في الأمم أو الممالك الوثنية المختلفة، لقد رأت الله في كل هذه، وعند كل هذه، وكان الله هو اكتشافها الأعظم، عند ذهابها إلى سليمان، وعندما رأت محرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب لم يبق فيها روح بعد.. ولهذا قالت له: «ليكن مباركا الرب إلهك الذي سر بك وجعلك على كرسي إسرائيل». ولعل هذا يضع لنا التفسير الصحيح لرحلة الملكة التي يتنازع العرب والأحباش على مكان مملكتها، فبينما يرجح أن سبأ أو اليمن هي مكان اليمن حالياً، يقول الأحباش أنها من بلادهم… وسواء كان هذا أو ذاك، فإن الرحلة تقترب من ثلاثة آلاف من الأميال ذهابًا وعودة، ولا يمكن أن تنم بقافلة عظيمة من الجمال إلا فيما يقترب من خمسة أشهر على الأقل، وما من شك في أن الملكة عانت في هذه الرحلة من المشاق أو الأخطار ما لا يسهل تصوره لولا أنها ملكة مقدامة شجاعة جسورة إلى أبعد الحدود، وهي تنشد غرضًا من أعظم الأغراض وأقدسها في حياة الناس على هذه الأرض، غرض الوصول إلى الله، مهما دفعوا أو بذلوا في سبيل ذلك من جهد أو تعب أو مشقة أو ضيق! فإذا كانت الملكة القديمة تترك أرضها وبلادها وشعبها، وكل ما كان يحف بها من عظمة ومجد وجلال لتبحث عن الله في الأرض البعيدة، وهي تقطع الجبال والأنهار والوهاد، يكون حقًا ليسوع المسيح وهو يتحدث إلى الكتبة والفريسيين وجيلهم الشرير الفاسق، أن يذكرهم وهو يقف بينهم، وفي وسطهم، ولا مقابلة على الإطلاق، بين جهدهم وجهدها، فيقول: «ملكة اليمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان وهوذا أعظم من سليمان ههنا» أجل وهذا حق، ومن العجيب أن البعيد يسبق القريب، والغريب ابن الدار، فتتوب نينوي وتهلك أورشليم، وتحيا ملكة سبأ، ويذهب الكتبة والفريسيون واليهود إلى البوار والهلاك والضياع….

هل تبحث عن  WwW OrSoZoX CoM 23 اع 8 Acts 08

ملكه سبأ


ملكة سبأ وهداياها المتبادلة مع سليمان

لم تذهب ملكة سبأ إلى سليمان فارغة اليد أو محملة بهدايا رمزية وثمينة، ولكنها ذهبت بقافلة ربما من أعظم القوافل العظيمة والكريمة في تاريخ الهدايا بين الملوك وعظماء الأرض، ولعل الإحساس الأعمق عند هذه المرأة، وهي تقدم أفخر وأعظم ما يمكن أن يقدم الإنسان من مادة، إن المعنويات والروحيات، أعلى بما لا يقاس من أية عطية مادية يمكن أن يقدمها الناس، وإنها إذ تأخذ حكمة أو فهما روحيًا، إنما تأخذ بما هو أثمن من الذهب بل عطرًا أكثر من شذى، من أطيب العطور التي عرفها البشر على هذه الأرض، وهذا واجبنا ونحن نتقدم في الحياة، إلى من هو أعظم من سليمان إلى السيد الأمين المبارك، إلى الله الذي ينبغي أن نتقدم إليه بأنفس ما عندنا وأمجد ما نملك، ومع أن سليمان أعطى للمرأة من العطايا حسبما اشتهت، وأكثر من مشتهاها كما يقول الكتاب حسب كرم الملك سليمان فإن الله دائمًا يعطي حسب كرمه فوق ما نطلب أو نفتكر بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع، ومن ذا الذي جاء إلى السيد ليقدم قطرات قليلة من عطايا روحه ونفسه إلا ويجد نفسه وجهًا لوجه أمام نبع أبدي لا ينتهي من نهر الحياة بعينه، ومن ذا الذي التقى بالمسيح يسوع واختبره وعرف حبه وحنانه. وصليبه وشركته وروحه ورعايته وجوده إلا وخرج بإحساس الرجل الذي وازن بين ما أعطى وما أخذ فهتف قائلاً: «لكن ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح»..

هل تبحث عن  "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ"

ولعله من اللازم أن نذكر آخر الأمر أن التاريخ لم يحفظ لنا من هذه المرأة سوى رحلتها الخالدة، وما حف بهذه الرحلة من آثار بلغت مسمع الدنيا عبر العصور والأجيال، وليست هذه إلا الحقيقة التي ينبغي أن ندركها بكل يقين، أن تاريخ كل واحد منا يبدأ من رحلته مع ذاك الذي هو أعظم من سليمان، يوم نسلم الحياة له، ونتبادل الهدايا وإياه، ومهما نقدم فاننا لا نستطيع أن نعطي أكثر من قلب مهما يتسع فهو صغير، ومهما يبذل فهو محدود، وأن ما نسكبه من عصارة الحياة أو الحب أو الجهد أو الوفاء، ليست إلا قطرة واحدة من فيضان حبه ونعمته وإحسانه وجوده، في الحياة الحاضرة أو العتيدة معاً، ليت لنا مع المسيح رحلة ملكة سبأ القديمة إلى الملك سليمان الحكيم..
ملكه سبأ

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي