منشأ الزراعة في الكتاب المقدس




منشأ الزراعة:





إن دراسة الزراعة في الكتاب المقدس تتضمن دراسة منشأ الزراعة. ويخلص معظم العلماء إلي أن الزراعة قد بدأت في الشرق الأوسط، حيث بدأوا في إنتاج الحبوب عن طريق حرث الأرض باستخدام حيوانات الجر، وبالطبع كان هناك أساليب أخري لانتاج الغذاء ظهرت فيما بعد في مناطق أخري مثل جنوبي شرق أسيا وغيرها من البلدان وليست المشكلة هي مكان منشأ الزراعة، ولكن المشكلة هي هل اشتغل الإنسان بالزراعة منذ نشأته، أو أنه كان يكسب قوته بطرق أخري.
I- السجل الكتابي للزراعة:

يقرر سفر التكوين أن الإنسان- منذ البداية – عرف الحيوانات المستأنسة والنباتات واعتني بها واستخدمها. فمن الواضح أن آدم مارس زراعة البساتين فبل السقوط (تك 2: 9, 15). وبعد أن طُرد آدم من جنة عدن، واجه بيئة عنيدة تطلب منه كدًا شاقًا ليحصل علي قوته (تك 3: 17-19). كما انه من الجلي أن قايين كان يزرع الأرض، وأن هابيل كان يربي قطعان الأغنام فقد ” كان هابيل راعيًا للغنم، وكان قايين عاملاًَ في الأرض” (تك 2: 4). فأقوال الكتاب المقدس تؤيد القول بأن البشر قد اكتسبوا قوتهم أساسًا من زراعة المحاصيل وتربية الماشية.
II- النظرية غير الكتابية للزراعة:

يعتقد علماء الآثار والأنثروبولوجيا ومؤرخو ما قبل التاريخ أن تاريخ الإنسان سلسلة من التطورات الحضارية، يطلق عليها بعامة العصر الباليوليثي، والميزوليثي، والنيوليثي (أي العصور الحجري القديم والأوسط والحديث). ومن خلال العصرين الحجريين القديم والأوسط كان الإنسان صائدًا للحيوان وجامعًا للثمار، وبدأ الإنسان الرعي في العصر الحجري الحديث أي منذ نحو عشرة آلاف عام. ويقبل معظم المؤرخين القول بأن الإنسان الأول تخلي بالتدريج عن اعتماده علي صيد الحيوانات البرية والتقاط النباتات البرية، وبدأ في إنتاج طعامه من الأنواع المستأنسه من الحيوان والنبات. وفي هذا الصدد يقدم العلماء حضارة النطوفيين في فلسطين دليلًا علي هذا الأنتقال. والسؤال هو: هل بدا الإنسان أصلًا صائدًا أم زارعًا؟
ج- الآراء التاريخية عن الزراعة:

إن دراسة موضوع الزراعة في الكتاب المقدس لاتترك مجالًا واسعًا للإجابة علي هذا السؤال الذي لم ينل حقه من الدراسة. ونحن نؤمن بصحة ما يقوله الكتاب المقدس، وأن البيانات الأركيولوجية غير كاملة ومعرضة لتأويلات مختلفة. وعند تمحيص الآراء القديمة يكتشف الإنسان أن الكتبة المسيحيين لم يولوا حياة الإنسان الاقتصادية إلا القليل من الاهتمام. ومن خلال التقاليد العبرية واليونانية، افترض “ترتليانوس” أن البشرية كانت تعيش علي الحبوب والثمار قبل الطوفان.
وقد سادت هذه الفكرة بين رجال الكنيسة الذين اعتقدوا أن الإنسان لم يصبح آكلا للحوم إلا بعد الطوفان. وقد اتفق “نوفاتيان” في القرن الثالث الميلادي مع هذا الرأي بتأكيده أن الإنسان قبل الطوفان كان يأكل الثمار، لكنه بعد الطوفان أكل اللحوم والحبوب والنباتات. ورأي أوغسطينوس أن آدم قد مارس الزراعة لكنها لم تكن مرهقة، بل كانت عملًا تعاونيًا إلي أبعد حد.
وقد صارت هذه الآراء تقليدية في الكنيسة رغم الرآي الغالب القائل بأن الإنسان بعد أن مر في مرحلة الصيد تحول إلي الرعي وأخيرًا إلي الزراعة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، عارض عارض ألماني يدعي “جورج جرلاند” (Gerland) الرأي الشائع بقوله: “كانت الزراعة هي الحرفة الأولي للبشرية، ومن ثم فإن الترتيب التقليدي لمراحل نشاط الإنسان من صيد إلي ترحال إلي زراعة، لا يمثل التطور الحقيقي .. فقد كان البشر في الأصل يعملون بالزراعة، ثم انقسم الناس فيما بعد إلي جماعات، واضطروا تحت ضغط الحاجة إلي القوت، إلي أن يتحول بعضهم إلي الصيد، والبعض الآخر إلي تربية الحيوان ورعايته..” ويقدم “جرلاند” مفتاحًا للإجابة علي سؤال نشأ عن إدعاء علم الآثار بأن الإنسان الأول كان صائدًا، فبالنظر إلي حكم الله علي الإنسان وعلي البيئة التي حولة- بعد السقوط – ليس عجيبًا أن يتخلي الإنسان عن العائد الضعيف والبطئ من الزراعة، ليتجه إلي الصيد الأيسر نسبيًا. ويبدو هذا واضحًا من القصاص الذي أوقعة الله علي قايين بعد أن قتل اخاه هابيل: “فالآن ملعون أنت من علي الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك، متي عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها، تائهًا وهاربًا تكون في الأرض” (تك 4: 11, 12). وواضح أن الصيد أكتسب أهمية بعد ذلك من وصف نمرود: “وكوش ولد نمرود الذي ابتدأ يكون جبارًا في الأرض، الذي كان جبار صيد أمام الرب. لذلك يقال كنمرود جبار صيد أمام الرب” (تك 10: 8, 9).
وعندما تحول الإنسان |إلي الصيد، لعله نسي الزراعة والرعي، أو علي الأقل أصبحت الزراعة والرعي أقل أهمية بالنسبة لحياته الاقتصادية، وبخاصة في الظروف الصعبة المناطق المرتفعة. وبدون اهتمام الإنسان وانتقائه للأصناف والعناية تدهور بها الحال وتحولت الحيوانات والنباتات إلي الحالة البرية التي كانت عليها أصلًا. وهناك أمثلة تاريخية لهذه العملية، فمثلًا عندما |أدخل الأسبان الحصان إلي أمريكا، هربت بعض الجياد لتكون قطعانًا برية في غربي أمريكا. أما فيما يختص بالنباتات، فيتفق علماء النبات علي أنه لولا رعاية الإنسان وعنايته لتدهورت النباتات من جراء تنوع الأمشاج والعوامل الوراثية. “إن التدهور في الأداء يصبح واضحًا حالمًا يقل الانتخاب بواسطة الإنسان أو ينعدم”.
هل تبحث عن  عذراً فقد أخذني حبيبي وربي من كل البشر

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي