مُبطل آيات المُخادعين ومُحمِق العرّافين.
مُرجِع الحكماء إلى الوراء ومُجهِل معرفتم.
مُقيم كلمة عبده ومُتمم رأي رُسله
( إش 44: 25 ،26)
يلفت النظر بشدة في سفر أستير، ترك الله لهامان الشرير ينجح في مخططه باستصدار قرار يقضي بإبادة جميع اليهود (3: 12،13)، مع أنه كان قادراً على منع الملك من الموافقة، فقلبُ الملك في يد الرب كجداول المياه حيثما شاء يميله ( أم 21: 1 )، بل الأعجب أن الله سبق وترك الملك يعظم ويعلّي هامان ليجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه (3: 1)، بل وسمح الرب أن يكون لدى هامان كل هذه الفضة التي تكفيه لإنجازه غرضه (3: 11)، ألا يثير هذا أحياناً حيرة البار وربما غيظه وغضبه، إذا لم يكن فاهماً لسياسة الله؟
لكن مَنْ يقرأ بدقة أحداث السفر، سيجد أن الله قد أعد العُدة لمواجهة هامان وشره قبل سنين كثيرة من مجرد ورود هذه الفكرة الشريرة إلى ذهنه، فرفض وشتي، ووصول أستير إلى العرش، وخيانة بغثان وترش (2: 21) وحرص مردخاي على حياة الملك؛ كلها كانت بترتيب الله، بل كانت أدواته في تحويل شر هامان لخير شعب الله. ولو حاولنا توضيح هذا بتشبيه بسيط نقول: لقد كان الله يعمل بكلتا يديه، باليُسرى يمسك بحبل طويل مربوط في نهايته الشرير وكل الأشرار، يتركهم يمرحون بل ويعربدون كما يشاءون، ولكن في اللحظة المناسبة يجذب الحبل جذبة خفيفة فيقع الشرير. لكن في نفس الوقت هو باليد اليُمنى يصنع ويخلق الأحداث والظروف التي ستُبطل مفعول شر الأشرار، بل وتحوله لخير الأبرار، وذلك قبل سنوات من مجرد تفكير الشرير بالشر.
ويُلاحظ أيضاً أن وضع اليهود بعد هذه الأحداث صار أفضل جداً من وضعهم قبلها، وكأنهم قد صاروا مدينين لهامان الشرير بهذا الخير العظيم الذي صار لهم. فالمادة الخام التي صنع الله منها الخير لهم، كانت هي شر هامان، وهذا ليس بغريب على الله، فما هي المادة الخام التي يصنع منها الآن القديسون أولاد الله، إلا الفجار الخطاة أولاد آدم الساقط، بل وأبناء المعصية! هذا هو أسلوب الله. وعليه ففي اليوم المحدد لإبادتهم، ليس فقط لم يُبادوا، بل بالحري، وقفوا هم وأبادوا خمسة وسبعين ألفاً من مُضايقيهم (9: 16)، وبدلاً من أن يكون يوما 14، 15 آذار أتعس يومين في تاريخهم، صارا هما أروع يومين. نعم تحوّل النوح إلى رقص، والمسح إلى فرح، والصوم إلى عيد.