نظرة
أرثوذكسية لجماعة المتجددين
الأب
جورج عطية
الفهرس
مقدمة
1. من هي الكنيسة الحقيقية
2. الكنيسة الحقيقية و التسليم (التقليد)
3. تاريخ تيار المتجددين
4. علاقة المتجددين بالصهيونية المسيحية
5. مثال عن أقوال المتجددين في اجتماعاتهم
6. مناقشة موضوع التجدد والخلاص بالإيمان وحده
مقدمة
طُبع
هذا الكتاب ببركة صاحب السيادة: يوحنا (منصور) الجزيل الاحترام
ميتروبوليت
اللاذقية وتوابعها للروم الأرثوذكس
إن
موضوع التجدد ليس جديد، فهو مطروح منذ زمان طويل في العالم المسيحي. لكن بسبب طرحه
الآن أن هناك تحركاً خاصاً لأناس يسمون أنفسهم ب “المتجددين”، ليس من
الممكن أن تبقى الكنيسة مكتوفة الأيدي حياله، لأنه قد يشكل خطراً يهدد إيمان
رعاياها.
كلنا
يعرف أن أي تأسيس لطائفة وشيعة وبدعة في منطقة الشرق الأوسط وأي مكان آخر، يبدأ
على الشكل التالي: التسلل إلى الرعية أول، ثم الاتصال بمن أمكن من أبناء الرعية،
داعين إياهم لحضور اجتماعاتهم و احتفالاتهم، محاولةً منهم للتأثير على أكبر عدد
منهم لضمهم إليهم، مع التلويح لإمكانية المساعدة مادياً بطريقة غير مباشرة عن طريق
أشخاص من مناصريهم داخل الرعية.
ونحن
لا نشكك أن جماعة المتجددين يريدون تأسيس كنيسة خاصة بهم في منطقتنا لأهداف معينة
هم يعرفونها أكثر مما نعرفها نحن، كما فعلو ويفعلون في مناطق أخرى. لكننا نستغرب
أننا في حوار حالياً مع الكنائس و الطوائف عبر مجلس كنائس الشرق الأوسط، ويفترض
أنه ليس هناك بعد ما يسمى ب “الاقتناص” بالمسيحية، ومع ذلك نجد أنه
يمارس الآن من قبل المتجددين، الذين يتخذون هذا الاسم الآن كغطاء لشيع معروفة سبق
لها أن قامت بالاقتناص قبلاً.
أما
تقديم الهدايا المنوعة والتلويح بالمساعدات المادية من أجل إغراء الناس فيذكرون
بأن المسيح حين أرسل رسله للبشارة أوصاهم “9 لا تقتنوا ذهب ولا فضة ولا نحاسا
في مناطقكم 10 ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية… متى10″، كارزين و
شافين مجاناً باسم الرب وبقوته ولمجده، دون أي مساعدة دنيوية تغري الناس، ليكون
إيمان هؤلاء بالمسيح حقيق ويؤدي إلى الخلاص، وليس كما حصل ويحصل الآن مع المتجددين
وغيرهم.
أولاً:
من هي الكنيسة الحقيقة
إن
جماعة المتجددين يستندون في تأكيد صحة بشارتهم على اعتمادهم الكتاب المقدس والكتاب
المقدس وحده. ولكن جماعة السبتيين، وشهود يهوه وغيرهم من الفئات التي تسللت إلى
بلادنا يستندون أيضاً على الكتاب المقدس وحده في تعليمهم. والسؤال الذي يطرح نفسه
الآن هو: إن كان ما يدعونه صحيح، فأي واحدة من هذه الفئات يمكن أن نعتبرها الكنيسة
الحقيقة وعندها الإيمان الصحيح؟ و إذا كانوا يتفقون فيما بينهم في الاعتماد على
الكتاب المقدس والكتاب المقدس وحده، فلماذا يختلف تعليمهم اختلافاً جذرياً فيما
بينهم؟ وأين يمكن لنا أن نجد التعليم الأصلي الذي بشر به الرسل؟.و بالتأكيد لو
افترضنا أننا قد تعرفنا على فئات أخرى فكل فئة سوف تقول الكلام ذاته مدعية أن
تعليمها هو التعليم الصحيح.
هناك
إحصاء رسمي نشر منذ عدة سنوات في جريدة السفير اللبنانية يقول بأن هناك أكثر من
ألفي فئة وكنيسة مسجلة رسمياًَ في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. و طبعاً كل
منها يدعي أنه يعتمد على الكتاب المقدس. فكيف لا يتحير المؤمن ويسأل: على أي أساس
يمكن أن انتقي واحدة من هذه الفئات، وأكون متأكداً أنها كنيسة المسيح التي تقودني
إلى الخلاص وتحقيق الهدف الذي جاء من أجله الرب يسوع المسيح؟ في الواقع، هؤلاء
جميعاً يفسرون الكتاب المقدس تفسيراً بشرياً بحسب معطيات شخصية معينة لدى كل فئة
منها. لهذا هم يختلفون ولهذا لا نستطيع أن نعتمد ولا على أي من تفاسيرهم في معرفة
الحق.
ثانياً
الكنيسة الحقيقة والتسليم (التقليد)
في
مناظرة علنية مع شهود يهوه (1) طرحتُ عليهم ما يقرب مما أطرحه الآن فسألوني قائلين:
ألا تعتمد أنت على الكتاب المقدس؟. أجبتُ: طبعاُ مبل تأكيد، لكنني لا أعتمد على
الكتاب المقدس وحده بل على التسليم (التقليد) والبشارة الأولى التي بشر بها الرسل
و تسلمتها الكنيسة منهم وعاشت هذه البشارة. لهذا فكنيستي تحمل الحقيقة، لأنها هب
لأنها هي بالذات الكنيسة التي أسسها الرب يسوع وأعطاها الطريق والحق والحياة،
وبقيت منذ ألفي سنة وحتى أيامنا هذه محافظةً تماماً على ما تسلمته من الرسل. إذاً
كنيستي ليست مؤسسة على المبدأ الذي تأسست عليه الكنائس المذكورة. هذا المبدأ لم
يوجد إلا في القرن السادس عشر. هنا أتحدى أية فئة من هؤلاء الذين يدعون معرفة
الكتاب المقدس. الكنيسة الأولى التي ننتمي إليها نحن، ولا فضل لنا في هذ، لم يكن
هناك ما يسمى بالعهد الجديد من الكتاب المقدس. إذاً كيف بنى يسوع كنسته؟
يقول
في إنجيل متى (28: 19-20)” دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض… فاذهبو
وتلمذوا كل الأمم و عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع
ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر “. وفي إنجيل مرقس
“اذهبوا إلى الأرض كله وأعلنوا البشارة للخليقة كله، فذهب أولئك يبشرون في كل
مكان والرب يعينهم “و في إنجيل مرقس (16: 15-16).
إذاً
على ماذا اعتمد في تأسيس الكنيسة؟ اعتمد على البشارة الشفهية التي كانت بالروح
القدس لأن الرب بعد القيامة أوصى رُسلَه فيما هو مجتمع معهم أن لا يبرحوا من
أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعوه منه لأنهم سينالون قوةً متى حلَّ الروح
القدس عليهم و سيكونون له شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية و السامرة وإلى أقصى
الأرض (أعمال 1: 4-8). إذن لم يكتب التلاميذ الكتاب المقدس (أسفار العهد الجديد)
وحده في لبروح القدس بل كانت بشارتهم أيضاً بالروح القدس. يقول بولس الرسول”
وكلامي و كرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة
” (1كورنثوس2: 4) أما الكنيسة فقد تأسست على البشارة الشفهية وليس على
البشارة المكتوبة وما نسميه الإنجيل والعهد الجديد، إذ لم يكون موجوداً حينها.
مثلاً لنسمع ماذا يقول القديس بولس (1كورنثوس 15: 1) {“و أعرفكم أيها الأخوة
بالبشارة” -الترجمة البروتستانتية قد ترجمت: “و أعرفكم بالإنجيل”،
وهذا يصبح مغالطة إذا فُهِمَ بالإنجيل أي الإنجيل المكتوب- التي بشرتكم به
وقبلتموه وتقومون فيها وبها أيضاً تخلصون”. أي أنهم بالبشارة الشفهية التي
بشرهم بها سابقاً صاروا كنيسة وبها يتم خلاصهم. أما عن طريقة إعطاء هذه البشارة
ففي العدد (3) يقول: “فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح
مات من اجل خطايانا حسب الكتب وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب”.
الشيء ذاته في موضوع التسليم، نجده في (1كورنثوس11: 23) “لأنني تسلمت من الرب
ما سلمتكم.
أيضا
إن الرب يسوع في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبز وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو
جسدي المكسور لأجلكم اصنعوا هذا لذكري كذلك الكاس أيضا بعدما تعشوا قائلا هذه
الكاس هي العهد الجديد ” إذاً نلاحظ يا أحبائي أن هناك أمراً أساسياً بالغ
الأهمية يجهله الناس عادةً وهو التسليم (التقليد) (2). الرسل تسلموا من الرب يسوع
ثم سلموه بدورهم، كيف سلموه؟. سلموه شفهياً. لدرجة أن القديس بولس نفسه يقول: ”
نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس
حسب التسليم (3) الذي تسلمه منا ” (2تسالونيكي 3: 6)، أي تجنبو و اقطعوا
العلاقة مع الشخص الذي لا يسلك بلا ترتيب وليس حسب التسليم الذي تسلمه منّا.
نسأل:
ما هو هذا التسليم؟. في (فيليبي 4: 9) يقول الرسول بولس: ” وما تعلمتموه
وتسلمتموه وسمعتموه و رأيتموه في فهذا افعلو واله السلام يكون معكم ” تماماً
لأن القديس بولس كان ممتلئاً من الروح القدس، فليس كلامه فقط بل كل تصرفاته كانت
بالروح القدس و بالتالي فكلها تسليم. هكذا تأسست الكنيسة بناءً على الحياة
والتعليم والتصرفات التي كان يقوم بها بولس و غيره من الرسل. كان يعلمهم مثلاً كيف
يسلكون كمسيحيين وكيف تتم المعمودية وسر الشكر وما هي القيامة ومن هو المخلص
والخلاص وكيف يحيون في الكنيسة ومع بعضهم البعض، أي كان يسلمهم الإيمان والحياة
والمواهب الإلهية. كل هذا تسلموه ويسلموه فتبنى الكنيسة على أساسه.
بعد
سنوات طويلة على بدء البشارة، وبعد أن توسع عمل الرسل التبشيري والرعائي بدأت تظهر
الحاجة إلى كتابة البشارة – ولنأخذ كمثل على ذلك الرسول بولس – فعندما كان في
كنيسة معينة بدأت تصله أخبار من كنيسة أخرى أن هناك أسئلة ومشاكل تتعرض لها تلك
الأخيرة وهو لا يستطيع ترك المكان الذي هو فيه، لذلك لجأ إلى كتابة الرسائل لأسباب
رعائية. أول كنيسة كتبها إلى أهل تسالونيكي وقد اتبعها بعد حين برسالة أخرى ومن ثم
إلى كنائس غيرها. لكنه في هذه الرسائل
عينها
كان يذكرهم دائماً أنه يجب عليهم دائماً المحافظة على كل ما تسلموه منه سابق، لهذا
يقول مثلاً لأهل كورنثوس: ” فأمدحكم أيها الأخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء
وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم ” (1كورنثوس11: 2). لكن لاحظوا يا أخوة
بأن الترجمة البروتستانتية للكتاب المقدس بدل أن تذكر كلمة “تسليمات” فإنها
تستبدلها بكلمة “تعاليم” كلمة “تسليمات” هي جمع كلمة “Paradosis” باللغة اليونانية، وتعني “تسليم” اي تسلُّم
وتسليم جميع ماسلَّمهم إياه الرسول من طرق حياة ومواهب إلهية (1تيموثاوس4: 14)،
وليس فقط التعاليم. هذا تم مع كل راعٍ لكل كنيسة تأسست، وعامة مع كل مسيحي آمن من
هذه الكنائس. الجميع يتسلَّمون ويُسلِّمون. هكذا كانت و لا زالت حياة أعضاء
الكنيسة الحقيقية مستمرة عبر هذا التسليم الذي يقومون ويخلصون به كما بيَّنتُ لكم
من خلال تعليم القديس بولس خاصةً. ومع هذا فهذا الرسول كان يهمه بشكل خاص الأشخاص
الذين كانوا يتسلَّمون المسؤولية العلية، أي الذين كان يرسمهم أساقفة مكانه، مثل
تيموثاوس الذي رسمه على أفسس، تيطس الذي رُسِمَ على كريت، إلخ…….، بالطبع لم
يكن يسلم مسؤولية إلا إذا كان متأكداً أنّ الشخص الذي يستلَّم هو كفوءٌ لتعليم
الآخرين والمحافظة على التسليم (4). لذلك يقول لتيموثاوس: ” تمسك بصورة
الكلام الصحيح -لاحظوا أنه قال “الكلام” أي ما سلمه لهم سابقاً شفهياً-
الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع ” (2تيموثاوس1: 13).
كذلك يتابع في الرسالة نفسها “أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا
“(2تيموثاوس1: 13-14). المحافظة على الوديعة، التي هي التسليم، تكون بالروح
القدس إذن. على هذا المنوال عاشت الكنيسة الأولى تتسلّم وتسلِّم، بمعونة الروح
القدس، التسليم الشفهي ومن ثم المكتوب أي الرسائل والأناجيل وغيره، والتي كُتِبَت
أيضاً لأسبابٍ رعائية وتبشيرية، ولم تكن تميّز بين التسليمين المتكاملين واللذين
كانا دائماً بالنسبة إليها تسليما واحداً غير متجزئ.
في
الواقع يا أخوة أستطيع أن أقول لكم أن هذا الأمر بالذات هو ما فعلته الكنيسة
الأرثوذكسية بل بالأحرى أن نقول: الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية التي
انطلقت أولاً في أرجاء الأمبراطورية الرومانية، لهذا الكنيسة الأولى كانت تسمى
الرومانية عامةً والرومية (5) وكانت تحتوي في حضنها البطريركيات القديمة الخمس: روما
القديمة، وروما الجديدة (أي القسطنطينية)، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم. للأسف
الشديد الأول من بين هذه الكنائس الخمس المتساوية (أي روما) ولظروف تاريخية معينة،
لا مجال لذكرها الآن، لم تحافظ على التسليم بل زدات عليه وتطرَّفَت وشوَّهَت، مما
استدعى فيما بعد محاولات إصلاح عديدة في الغرب أدت في النهاية إلى تأسيس كنائس
منشقة عنها في القرن السادس عشر. وكانت نتيجة ذلك أنّ البروتستانت (أي المحتجَّين)
عندما كانوا يناقشون في البداية كنيسة روم وكانت تجابههم بأمور من تسليمها هي، أن
رفضوا الاعتراف لا فقط بما استحدثته هي بل بكل تسليم الكنيسة منذ البداية، وأعلنوا
مبدأً شهيراً جداً باللغة اللاتينية وهو “Sala scriptura” أي “الكتاب المقدس وحده”، وهكذا كان مبدأ رفض
التسليم انطلاقاً من فعل وردة فعل. ومنذ ذلك الوقت اعتمدت البروتستانتية نهج رفض
التسليم (التقليد) مما أدى إلى كلّ هذا الضياع والتّفتُّت الذي لا غنى عنه في فهم
الكتاب المقدس وتفسيره وعيش الحياة الإلهية، والذي هو الأساس الحقيقي الأول الذي
أُخِذ عن الرسل.
الكنيسة
الأرثوذكسية، والفضل لله وحده، ليست فئة من هذه الفئات بل هي الكنسية التي أسسها
المسيح ولا تزال تحافظ على التسليم الواحد الشفهي والمكتوب -كلاهما من الرسل- وهي
تحياه وتعبر عنه بالروح القدس عبر العصور بكل وسائل التعبير المختلفة من كتابة
وموسيقى و أيقونات إلخ….. محافظة على جوهره بجهاد الآباء القديسين الذين كانوا
ممتلئين من الروح القدس الساكن فيهم. لذا تحققت كلمة الرب يسوع الذي قال: ”
على هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها “(متى16: 18). لماذا
لم تستطع أبواب الجحيم أن تقوى على الكنيسة؟ لأن المسيح بالضبط، وعد بأن يكون معها.
أرسل رُسُلَه للبشارة قائلاً لهم: ” وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر
” (متى28: 20)، هو وعدهم بأن الروح القدس سيكون فيهم وسيمكث معهم إلى الأبد
ويُرشدهم إلى جميع الحق (6). لأجل هذا يقول بولس عن الرب يسوع: ” له المجد في
الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور “(أفسس3: 21). فعلاً له
المجد إذ أنه على الرغم من كل ما جابهته من اضطهادات وهرطقات ومؤامرات وضيقات تفوق
كل تصور، لمدة ألفي سنة، لا تزال الكنيسة محافظة على استقامة رأيه وحاملة للإيمان
الأول بنقائه ولحياتها الأولى بوفرتها. من البراهين على ذلك العدد الذي لايحصى من
القديسين الذين أنجبتهم الكنيسة ولا تزال، كعلامة واضحة على الحضور القوي المستمر
للروح الإلهي فيها.
———-
(1)
نشرت منشورات النور الأرثوذكسية طبعة الأولى من هذه المناظرة سنة 1986، والطبعة
الثانية سنة 1992م
(2)
للأسف نستعمل في اللغة العربية كلمة “تقليد” بدلاً من “تسليم”
وهي ترجمة غير دقيقة لكلمة Paradosis اليونانية التي تحمل المعنى الأساسي المقصود وهو تسليم
(3)
في النسخة البروتستانتية للكتاب المقدس تُستعمل عمداً كلمة “التعليم”
بدلاً من ” التسليم والتقليد”، وذلك للتعتيم على مبدأ التسليم المرفوض
من البروتستانت
(4)
“و ما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا
آخرين أيضاً ” (2 تيموثاوس 2: 2)
(5)
نسبة إلى روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية ومؤسسه، بحسب اللغتين اللاتينية
واليونانية
(6)
انظر(يوحنا 15: 16-17) و(يوحنا 16: 13-14)
ثالثاً:
تاريخ تيار المتجددين
بالنسبة
لجماعة المتجددين، ما هو تاريخها؟. ذَكَرتُ لكم سابقاً أن بداية جميع الفئات
البروتستانتية والتي سمَّت نفسها فيما بعد إنجيلية كانت في القرن السادس عشر. منذ
ذلك الحين بدأت تظهر بينها فئات ذات نزعات مختلفة وشعارات متعددة مثل ال Anabaptists الذين طالبوا بإعادة المعمودية واختبار الحياة الروحية قبل
المعمودية.في القرن السابع عشر ظهرت مجموعات ال Puritans
أي “الأطهار” المحتجين على كنيستهم الأنكليكانية. من هؤلاء الكويكرز
(المرتعدون)، والمعمدنّيون الشمولّيون والمعمدانّيون الخاصُّون، وكلُّها فئات في
أساس المتجدِّدين. في القرن الثامن عشر نشأت حركة إصلاح اسمها التَّقَويّة Pyatism، حاولت إعادة المسيحيين لحياة التقوى وإنشاء إرساليات تبشيرية
بناءً على هذا التّيار تأسست جماعات جديدة مثل ال Maravians
وكنيسة الأخوة، مما أدّى لولادة يقظة تبشيرية في انكلترا قادها “جون
ويسلي” ونشوء كنيسة ال Methodists وقد أدى تأثرهم ببعضهم البعض إلى إذكاء الحماس عند بعض الفئات،
وقيامهم باجتماعات كانوا يسمونها “إنتعاشات” رافقها ما سُمِّيَ بالتجديد
الذي أصبح هو الهدف
في
بداية القرن التاسع عشر، انتقل التجديد إلى الولايات المتحدة الأميركية، حدث ما
سُمِّيَ بالحركة الانتعاشية الأميركية التي بدأت تركِّز على ما اعتبروه الاهتداء
الشخصيّ، والولادة الجديدة بقبول الفداء الذي تحقَّق بموت المسيح على الصليب. هذه
الاجتماعات التي سُمِّيت بالإنتعاشية كانت تتمُّ في أميركا ضمن ساحات مكشوفة
وأدَّت إلى تطوير في نهج قسم كبير من الفئات البروتستانتية مما جعلنا نسمع كثيراً
عن المتجدّدين الذين اشتهروا بهذا السؤال: “هل تجدَّدتَ؟”
من
أشهر روّاد حركة المتجدّدين في أيامنا “بيللي غراهم”في الولايات المتحدة
المعمداني الأصل، ولديه أتباع عديدون أسَّسوا إرساليات تبشيرية عديدة أهُّمها
“الشباب للمسيح”، “الرؤية العالمية”. كما أنهم يعملون من خلال
عدد من الشيع الإنجيلية مثل المعمدانيين و أتباع ما يسمى ب “كنيسة الله”،
والذين بدأوا بالاقتناص في لبنان منذ أواخر التاسع عشر وبداية قرن العشرين. فيما
يخص “بيللي غراهام” أظنُّ أن اللبنانيين قد سمعوا به بشكل خاص لأنه
يُذيع بشارته مباشرةً من بورتوريكو عبر الأقمار الاصطناعية إلى أكثر من (165) بلد
في آنٍ مع، وتمّ عرض بشارته سنة 1995 في عدد كبير من المدارس والكنائس اللبنانية
رابعاً:
علاقة المتجددين بالصهيونية المسيحية
ما
يثير قلقنا بشكل خاص أن هذه الإرساليات التبشيرية التي تصدر الآن في الولايات
المتحدة تتجه إلى سار أنحاء العالم وخاصةً إلى الشرق الأوسط. في قبرص، هناك عددٌ
كبير من المراكز لهذه الإرساليات كلها موجهة للشرق الأوسط. لكن الأخطر من هذا هو
التوافق في النظرة بين اليهود الصهاينة والصهيونية المسيحية التي تسيطر على أعداد
كبيرة من بعض الفئات وخاصةً الإنجيلية في الولايات المتحدة. التحالف الفعلي القائم
بين الطرفين يجعلنا نتساءل: ما هو الهدف من مجيء هذه الفئات إلى بلادنا؟
هناك
مقالات كثيرة مكتوبة، في مجلة التايمز وغيره، عن السبحية الصهيونية وعن التحركات
الكبيرة لهذه الفئات التي تنطوي تحت ما يسمى بصورة خاصة ال Fundamentalism أي “الحرفية” و”الأصولية”، ومنها بصورة خاصة
الكنيسة التدبيرية Endespensationalism. وللأسف، هناك تلازم بين النظرة اليهودية والنظرة المسيحية لهؤلاء.
فمثلاً عند اليهود هناك الحاخام “مناحيم شنيرسون” الزعيم الروحي لحركة
“حباد”، والذي وجه نداء قبيل حرب الخليج قال فيه ان أزمة الخليج تشكل
مقدمة لمجيء المسيح المنتظر. وكما نعلم، فاليهود يعتقدون أن المسيح لم يظهر يعد
وأن ظهوره سيتم في إسرائيل. و يعتقدون أن من علامات ظهوره وقوع محنة عالمية كبيرة،
فيأتي المسيح ليخلص الإنسانية ويجدد اليهودية التي تسود العالم. لاحظوا أن هذه
النظرة تلتقي مع نظرة هؤلاء “المسيحيين” الأمريكيين الذين يقولون بأن العودة
الثانية للمسيح لها شروط وهي قيام دولة صهيون وتجمع يهود العالم فيه، ثم تتعرض
الدولة اليهودية إلى هجوم من غير المؤمنين خصوصاً من المسلمين والملحدين ثم تقع
مجزرة بشرية كبيرة تدعى “هرمجدون” بالنسبة إلى اسم السهل
“مجدو” الذي يقع بين الجليل والضفة الغربية. في هذه المجزرة تستعمل
أسلحة مدمرة كيماوية وبيولوجية و يقتل فيها مئات الآلاف من المهاجمين ومن اليهود
معاً. بعد ذلك يظهر المسيح فوق أرض المعركة ليخلص بالجسد المؤمنين، فيرفعهم فوق
سحب المعركة حيث يشاهدون بأم العين جثث القتلى و الدمار والخراب على الأرض، قبل أن
ينزل “المسيح” إلى الأرض ويحكم العالم لمدة الف سنة. الملفت للنظر في
هذا أن الأشخاص الذين سيكونون مع المسيح سيكونون من المتجددين Born again من أتباع الكنيسة التدبيرية شخصيات أمريكية بارزة منها الرئيس
الأمريكي الأسباق”رونالد ريغن”، أما أبرز وعَّظَه وهم القِسّان
“جيري فولويل” و”هول ليندسي”.
الغريب
أيضاً أنه منذ عام 1970 م، والقس المعمداني (المتجدد) “بيل غراهام”،
المذكور أعلاه، يردد في مواعظه، التي تنقلها شبكات التلفزة الأمريكية، العالم
يتحرك بسرعة كبيرة نحو”هرمجدون” وأن الجيل الحالي من الشباب قد يكو أخر
جيل في التاريخ. هناك عدة كتب لهذا الواعظ وهو يتحدث بشكل واضح عن هذا الموضوع. من
المعمدانيين المعروفين الرئيسين الأسبقين “جيمي كارتر” و”بِل
كِلينتون” لا نريد أن نتهم ونهاجم أحد، لكن لا نريد أن نكون أغبياء لدرجة أن
الماء تجري من تحتنا دون أن ندري، وبكل بساطة وسذاجة كل من يغني لنا أغنية نرقص
ونغني معه. من المفيد أن نعرف من هم أعداء الكنيسة والوطن كي نحطاط منهم. وكل
الدلائل تشير إلى أن الفئات التي تأتينا من الخارج وخاصةً من الولايات المتحدة
الأمريكية، لديها لون معين وارتباطات معينة و أهداف معينة خصوصاً إذا تذكرنا محطة
“تلفزيون الشرق الأوسط” الدينية الممولة من أمريك والتي بدأت من قبرص
لكي تُلتَقَط في جنوب لبنان، تماماً بعد الإجتياح الإسرائيلي له سنة 1982 م، ومعها
انتشرت العديد من البدع تحت الغطاء الإسرائيلي وخاصة المعمدانيين.
خامساً:
مثال عن أقوال المتجددين في اجتماعاتهم
سنورد
هنا مثالاً عن أقوال المتجددين من خلال شريط كاسيت مسجل في أحد اجتماعاتهم في قرية
“بشمزّين” في لبنان، حيث أن شاباً أرثوذكسياً من رعية بشمزّين حضر
اجتماعهم وسجل الشريط وأعطاه فيما بعد لكاهن الرعية، وقد جاء فيه ما يلي:
§
في بداية الكاسيت يوجه القسيس حديثه لله قائلاً: (نطالبك يارب أن تبارك، نطالبك يا
رب أن تبني المؤمنين، أنت يا من ترعى كنيستك… نرجوك أن تشق لكلمتك طريقاً في هذه
المنطقة يا سيد، نرجوك أن تشق طريقاً في هذه البلدة يا سيدنا لكي تجري وتتمجد و
تعظم اسم يسوع الذي صار لنا من عندك فداء، الذي صار لنا قداسة وبراً. نرجوك،
إكراماً له، أن تضع هذا الاجتماع بكل من فيه يا رب أمامك، كل نفس، نعم يارب أن
تباركها. الخاطئ الغير مخلص غير المولود ولادة ثانية أن تتعامل معه بروحك أن تجذبه
إلى صليبك،إلى صليب ابنك يسوع المسيح.) لاحظوا أنهم في البداية أظهروا كل خيرية
ولطافة لكن الكلمات واضحة: “نرجوك أن تشق لكلمتك طريقاً في هذه المنطقة
والبلدة” أي أنه يريد أن يشق المنطقة والبلدة بتأسيسه لفئات جديدة فيه، ونحن
قد شبعنا من الفئات التي تفتت الكنيسة.
§
بعدها يقول: (أنت تعلم ونحن نعلم يا رب أنه قد زاد الزؤان بيننا في هذا الوطن وفي
هذه المنطقة وفي هذه البلدة.) ثم يستشهد بقصص وأشعار….
§
وفي النهاية يقول ما هو لب الموضوع، موجهاً الكلام إلى الحاضرين وقسم منهم من غير
المتجددين: (قل له حررني يا يسوع في هذا المساء، طهرني بدمك يا يسوع، اجعلني أن
أكون ابناً لك وعندما يأتي الوقت لكي أذهب إليك… أرجو من كل شخص، احتراماً
للقدوس، للرب الموجود في وسطن، أن يحني رأسه ويغمض عينيه. هذه اللحظة من أخطر
لحظات حياتن، لحظات فيها تقرر مصيرك الأبدي. ربما تكون هذه أخر فرصة يسمح بها الله
لكي تسمع صوته ودعوته الإلهية، لكي تقبل يسوع رب ومخلصاً لحياتك فتكون مسيحياً ليس
بالاسم، بل مسيحياً حقيقي، مسيحياً لم ترث مسيحيتك من آبائك أجدادك، مع أننا
نشكرهم على تربيتهم لن، ولكن مسيحياً اختبارياً عندما تفتح قلبك الليلة وتقول: “يا
يسوع ارحمني أنا الخاطئ حررني يا يسوع هذه الليلة”. من يريد؟… من أيضاً؟…
لا تستحو، من أيضاً؟… ارفع يدك… ماذا تُبقي لآخرتك يا حبيبي… كم هي دينونتنا
نحن المسيحيين الذين نعرف عن المسيح، عن صلبه وموته و مجيئه وتجسده، دينونة هذا
الشخص ستكون عظيمة… قل يا يسوع حررني من الدينونة، طهرني من الخطايا… أخر مرة
اسأل: من يريد تسليم قلبه ليسوع فليرفع يده لأصلي لأجله… ارفع يدك يا حبيبي،
الله يباركك… من يريد أيضاً؟… ارفع يدك، الله يباركك يا حبيبي… من أيضاً؟…
ارفع يدك بدون خجل. ليباركك يسوع… من أيضاً؟… نحن لا نطلب الطائفة، يسوع لا
تهمه الطائفة، يسوع ليس عنده طوائف،يسوع يريد أن تُغّير حياتك وقلبك ويطهرك من كل
خطيئة… من يريد أيضاً سوى الذين رفعوا أيديهم؟… ليباركك الله.من أيضاً؟… من
أيضاً؟… ارفع يدك يا حبيبي. يوع يعرض عليك أعظم عطية، فهل ترفضها هذه الليلة؟…
حياة أبدية، خلاص أبدي، غفران أبدي، حرية أبدية، مجاناً…)
§
هنا تتغير لهجة القسيس فتصبح أكثر استعطاءً، كما لاحظ ناقل الكاسيت، كالبائع الذي
يدلل على بضاعته: {أخر مرة أقولها… من يريد الحياة الأبدية؟… وأن يسلم قلبه
ليسوع؟…}
§
يظهر من مجرى الحديث أن الإقبال لم يكن كما اشتهى الواعظ، لأنه يقول بعد ذلك: {الأشخاص
الذين رفعوا أيديهم فليقفوا في أماكنهم، وليرددوا الصلاة من بعدي… قف في مكانك
يا حبيبي… اخزي الشيطان وقف… لا تستحي بيسوع، هو لم يستحي بك لما حمل عارك على
الصليب… الذين قد رفعوا أيديهم فليقفوا… إن استحيت به هنا يستحي بك هناك. من
يريد أيضاً؟… قفي يا حبيبتي. وقفي يا أختي. من رفع يده فليقف… رددوا هذه
الصلاة من بعدي: “يا يسوع، يا يسوع ارحمني أنا عبدك و أَمَتَك، طهرني بدمك…إلخ”}
سادساً:
مناقشة موضوع التجدد والخلاص بالإيمان وحده
ضرورة
المعمودية للولادة الجديدة والخلاص
ضرورة
مسحة الروح القدس والمناولة للنمو والثبات في المسيح و الإتحاد معه
ضرورة
الإعمال والجهاد الروحي للحصول على الخلاص والحياة الأبدية
من
خلال ما قرأناه سابق، نلاحظ كيف أنهم يعتبرون الإنسان بناءً على حَثٍّ معًّين كما
فعل الواعظ، يصبح لديه شيء داخلي يجعله يشعر أنه قد تجدد، وعندما يقف الواعظ
والقسيس ويطلب من يسوع أن يغفر له ويجدد حياته، حينها يحصل على التجديد والتبرير
والخلاص، برأيهم هذه هي الولادة الجديدة. لا أبالغ بهذا القول، أن كل الفئات من
المتجددين تجمع على هذه الفكرة من أمثلتهم على ذلك، بولس الرسول حين رأى النور على
طريق دمشق. أوغسطين المغبوط الذي كان يحيى حياة غير مُنضبِطة وبعدها سمع صوتاً في
حديقة حين كان يقرأ الكتاب المقدس وهو في ألمٍ، حينها عَزَمَ على تجديد حياته.
وسلي الميتودي الذي ذكرناه سابقاً… الخ. بالإجمال يعتقدون أنه في وقت مُعّين
يتمّ التجديد للإنسان، لدرجة أن المتِجدّد عادةً يقول أنه حَصَلَ على التجدد
والولادة الجديدة في اليوم المعين في الساعة المعينة، أي أنه يحدد الوقت الذي
خَلُصَ فيه، لأن هذا الخلاص تم فقط بالإيمان بيسوع المسيح و هذا وحده كافٍ.
فالمسيح كما يقولون، دفع عنّا بالصليب ثمن خطايانا بدمه، لذا نحن لسنا محتاجين بعد
ذلك لا للأعمال الصالحة ولا للأسرار ولا للكنيسة ولا لأي شي آخر، فقط أنت بالإيمان
تَخلُص، مستندين بصورة خاصة على آية بولس الرسول: “بالنعمة أنتم مخلصون”
(أفسس 2: 8) و” وذلك بالإيمان ليس منكم ” بدون أن يقرأوا تكملتها.
هناك
أمثلة كثيرة من الكتاب المقدس عن أهمية الإيمان بيسوع المسيح بالذات، لأنه المدخل
الوحيد للخلاص الفعلي لكن إن كان الإيمان هو المدخل للخلاص، أي إذا آمنا بيسوع
المسيح، حينها تبدأ مسيرة خلاصن، فهذا لا يعني أبداً أننا لسنا بحاجة من جهتنا أن
نثبت في المسيح ونجاهد في كنيسته وأن نتقوى وننموا بالأسرار التي من خلالها تُعطى
النعم الإلهية المقدسة والمؤلهة. لأن التجديد والخلاص والتغيير بالحياة والتبرير و
التقديس لا يمكن أن تصير دفعة واحدة ولمجرد شعور حصل لمرة واحدة وبمعزل عن كيسة
المسيح التي أسسها هو نفسه وعن الأسرار التي أعطاها بدمه الكريم وبكل تأكيد فليس
هذه القضية فقط ضلالهم الوحيد، بل هناك ضلالات كثيرة أخرى، لكننا سوف نكتفي في هذا
الكتيب بمناقشة فهم هذه الجماعة لموضوع التجدد، لندرك كم هو مغلوط و خَطِرٌ على
حياتنا المسيحية وعلى خلاصنا.
1.
ضرورة المعمودية للولادة الجديدة والخلاص:
إنهم
يعتمدون، في موضوع الولادة الجديدة، على كلمة للرب يسوع من خلال حديثه مع
نيقوديموس: ” أجاب يسوع و قال له الحق الحق أقول لك إن كان احد لا يولد من
فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله “(يوحنا 3: 3). إذاً هناك ولادة من فوق،
ويتساءلون كيف تتم هذه الولادة الجديدة؟ والجواب عندهم هو حين يكشف الإنسان في
لحظة معينة يسوع المسيح ويعرفه ويؤمن به
في
الإصحاح نفسه من إنجيل يوحنا يكمل الرب يسوع حديثه عن الولادة الجديدة فيقول
” أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر
ان يدخل ملكوت الله ” (يوحنا 3: 5). يتجنب المتجددون عادةً قراءة هذه العبارة،
وإذا ذكَّرهم بها أحد فإنهم يغيرون معناها الواضح فيقولون أن الولادة التي تحدث لا
علاقة لها بالمعمودية. وإذا تمت المعمودية لاحقاً فما هية إلا مجرد رمز وفريضة
يقوم بها الإنسان ليس أكثر، كتعبير عن طاعته للرب يسوع الذي أوصى به، وكإعلان عن
تجدُّده. فإذا سألهم سائل لماذا لاتقرأون عبارة ” من لا يولد من الماء والروح
لا يقدر أن يدخل ملكوت السماوات ” كما هية؟ يأتون بآية من مكان آخر بأننا
” مولودون بالكلمة الإلهية ” ليضعوا مكان الماء والروح الكلمة الإلهية.
هكذا يجتزئون الآيات من هن وهناك ليحوروا المعنى بحسب ما يناسبهم، وليس بحسب إعلان
الرب الواضح والجازم. غريب أمر هؤلاء الناس الذين يدعون أنهم إنجيليون ومتجددون،
وهم يريدون أن يجددوا الناس بحسب أفكارهم وتخيلاتهم وليس بحسب الإنجيل. فلنسمع
المزيد من كلامات الإنجيل عن المعمودية بالماء والروح وعن ضرورتها التي لا غنى
عنها للتجديد و الخلاص:
أ.
يقول بولس الرسول في (أفسس 5: 25 – 27) “كما أحب المسيح أيضا الكنيسة و اسلم
نفسه لأجلها. لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة….. ” هنا عبارتا
“بغسل الماء بالكلمة” متجاورتان فلا نستطيع الإستغناء عن أي منهما لأن
كلتيهما ضروريتان للخلاص كما نرى بوضوح في (1 كورنثوس 6: 11) ” لكن اغتسلتم
بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا “
ب.
أيضا في (غلاطية 3: 26) “لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع. لان
كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح “
ج.
كذلك في (تيطس 3: 5 – 7) ” بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني و
تجديد الروح القدس. الذي أفاضه علينا بكثرة بيسوع المسيح مخلصنا. لكي نبرر بنعمته
نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية “
ولنسأل
كيف قدس المسيح كنيسته وطهّرها؟ أليس بغسل
الماء
بالكلمة، أي بكليهما معاً؟ وكيف تَقَدّس وتبَرّرَ أهل كورنثوس أليس لأنهم اغتسلوا
باسم الرب يسوع وبروح إلهنا؟ وكيف لبسوا المسيح، أليس لأنه اعتمدوا؟ و كيف خلصنا
الله برحمته، لكي نُبَرَّر بنعمته فنصير ورثة على رجاء الحياة الأبدية أليس بغسل
الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس؟
أما
بخصوص زمان الولادة الجديدة، فيمكن القول أن هناك ظرفاً معيناً في زمن معين يمكن
أن يحصل لبعض الأشخاص يدفعهم باتجاه الولادة الجديدة، ولكن الولادة الروحية ذاتها
لا يمكن أن تحدث إلا بالماء والروح أي المعمودية، تماماً كما حصل لبولس الذي بعد
أن رأى نور الرب على طريق دمشق وسمع كلامه آمن واعتمد على يد حنانيا (أعمال 9: 18).
وكذلك في أعمال الرسل بالنسبة للجموع الذين نُخِسُت قلوبهم بعد سماعهم لأول مرة
عظة بطرس الرسول عن صلب المسيح وقيامته وبأنه هو المُخلِّص فقالوا: ” ماذا
نصنع أيها الرجال الأخوة؟ فقال لهم بطرس توبو وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع
المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس ” (أعمال 2: 37 – 38).
إذاً
هناك أولاً توبة، فمعمودية أي الولادة الجديدة، و بعدها ينالون عطية الروح القدس.
وهذا طبيعي جداً وواضح من معنى كلمة الولادة ذاته فالإنسان يولد ويتبع ولادته
نُموٌّ، والنمو يتبعه رجولة وكمال. بينما يفترض المتجددون أن الولادة التي تحصل في
زمن معين تحوي في ذاتها كل شيء.
ليس
هذا فقط ولكن، كما قرأتُ في كتبهم، هم لا يقبلون أن هناك نعمة يمكن أن تحل على
المعمودية، النعمة بالنسبة لهم فقط تم عبر علاقة شخصية بين الإنسان و الله والرب
يسوع. نحن نسأل: الذي يقدر أن يعطي نعمة عبر العلاقة الشخصية مع الإنسان، ألا
يستطيع أن يعطي نعمة عبر ماء المعمودية وغيره؟… لماذا نُحِدُّ الله ونجعل عمله
ضمن أُطر معينة؟
هل
نحن أوجدنا المعمودية؟. أَم أن الرب يسوع نفسه قال: ” فاذهبو وتلمذوا جميع
الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس ” (متى 28: 19)، ” من آمن
واعتمد يخلص ” (مرقس 16: 16). كيف يمكننا أن ننكر أن هناك الإيمان والمعمودية
مع، وكلاهما ضروريان للخلاص والولادة الجديدة؟
2
ضرورة مسحة الروح القدس والمناولة للنمو والثبات في المسيح والاتحاد معه:
في
عبارة الرسول بطرس المذكورة أعلاه(أعمال 2: 37-38)، يأتي قبول أعمال الروح القدس
مباشرةً بعد المعمودية، بمثابة الهدف من الإيمان والتوبة والمعمودية وغفران
الخطايا. لكن هذه العطية والموهبة هي التي تساعد أيضاً في الثبات والنمو في المسيح
بعد الولادة الجديدة، وهي بالذات الموهبة التي أخذها الرسل بالعنصرة صارت تعطى
للمؤمنين بعد المعمودية مباشرةً. مثلاً فيليبس أحد الشمامسة السبعة، عندما ذهب إلى
السامرة وعمد أهله، حلَّ الروح القدس عليهم مباشرةً بعد وضع أيادي الرسولين الذين
أرسلهما الرسل الذين في أورشليم(1). كورنيليوس قائد المئة الكثيرون كانوا عنده
حلَّ عليهم الروح إستثنائياً قبل المعمودية من أجل إزالة ريبة بطرس والذين معه من
أهل الختان الذين لم يكونوا يتصورون أن وثنياً يمكن أن يحل الروح القدس عليه و
يقبل المعمودية والخلاص. عدا ذلك ففي الإنجيل يحل الروح القدس بعد المعمودية.
والغاية كما ذكرنا أعلاه من هذه الموهبة التي تسمى مسحة وميرون (2)، هي تنوير
المؤمن المولود جديد ومساعدته على الثبات والنمو في المسيح: (1يوحنا2: 20و27)
” وأما أنتم فإن لكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء”، “و الذي
يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيض وجعل عربون روحه في
قلوبنا” (2كورنثوس1: 21)، “بعد أن آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي
هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده ” (افسس1: 13-14). إذاً هناك آيات
عديدة تؤكد على موضوع المسحة التي تتم كما تتممها كنيستنا بناءً على تسليم الرسل،
إذ لم يكن من الممكن أن يذهب الرسول والأسقف إلى كل معمد ليعطيه المسحة، لهذا
أصبحت تتم عبر الميرون الذي يقيمه الأساقفة بصلوات معينة. نلاحظ أن هناك في
الكنيسة ثلاث أسرار ومواهب كانت ولا تزال تعطى للمُعمَّد: المعمودية والميرون والمناولة،
تماماً كما كانت تصنع الكنيسة الأولى فيعطى عبرها من الله إمكانية الولادة والنمو
والثبات في المسيح والاتحاد معه. فالناولة هي التي تعطينا بالإضافة إلى الثبات في
المسيح (1) والحياة الأبدية(2)، الوحدة الحقيقية فيما بين المؤمنين وبينهم وبين
المسيح. فعبر المناولة خاصة تصبح الكنيسة كنيسة. يسأل الرسول بولس في (كو الاولى
10: 15 – 17) ” كأس البركة التي نباركها أليست شركة دم المسيح. الخبز الذي
نكسره أليس هو شركة جسد المسيح. فأننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا
جميعا نشترك في الخبز الواحد”. ما يصنع الكنيسة إذاً هو المعمودية والميرون
والمناولة، والكنيسة كلها تنمو معاً باتجاه الحياة والكمال في المسيح والوحدة معه.
لا ينمو أحد بمفرده، أي كل واحد بعلاقة شخصية منعزلة مع الرب، بل في الكنيسة نفسها
ككل. أعطيكم مثلاً واحداً علماً أنه هناك الكثير من الأمثلة لتأكيد هذا الموضوع: “جسد
واحد وروح واحد، كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد
معمودية واحدة…. ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح وهو أعطى
البعض أن يكونوا رسل والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين لأجل تكميل
القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح إلى ان ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان
ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل إلى قامة ملء المسيح… بل صادقين في المحبة ننمو
في كل شيء الى ذاك الذي هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبا مع ومقترنا
بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة (افسس
4: 4-16). لاحظوا اننا جميعنا ننمو مع، في الكنيسة التي أسسها الرب يسوع كجسد واحد،
بروح الله الموجود في الكنيسة بالمعمودية وأيضا بهذه الأسرار المكملة لها التي
أعطانا أيها الرب يسوع التي لا يمكن أن نخلص و نثبت بدونها.
3.
ضرورة الأعمال والجهاد الروحي للحصول على الخلاص والحياة الأبدية:
يرفض
المتجددون أيضاً الأعمال وأهميته، إذ بنظرهم، طالما هناك إيمان فليس هناك حاجة بعد
إلى أعمال لنيل الخلاص ويتابعون بزعمهم أنه إذا قام الإنسان بأعمال (أي أعمال
حسنة)، فهي تأتي بشكل تلقائي نتيجة للإيمان ولكن لا يد له في الموضوع. وكأن الله
جعل الإنسان صفراً على اليسار وليس له اي دور في عملية خلاصه. فلنسأل الكتاب
المقدس والذي هو مرجعهم الوحيد،هل صحيح أنه ممكن للإنسان أن يخلص ويحصل على الحياة
الأبدية دون أن يقوم بالأعمال الصالحة؟ سوف أكتفي بأمثلة قليلة:
عندما
سأل الشاب الغني الرب يسوع: ” ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ “، أجابه
يسوع: “أنت تعرف الوصايا…. فقال هذه حفظتها منذ حداثتي، ماذا يعوزني بعد؟
“، قال له يسوع: ” اتبعني…. ” (متى 19: 16 – 22). لم يذكر يسوع
هنا الإيمان بل فقط حفظ الوصاي و الجهاد من أجل الكمال. لماذا؟… لأن الإيمان
بالمسيح متضمن بديهياً في حفظ وصاياه واتباعه، ولأنه يريد أن يشدد على دور الأعمال
الحاسم في عملية الخلاص، لأن ” ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت
السماوات، بل الذي يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات” (متى 7: 21) وكذلك
” أما الذي عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السماوات ” (متى 5: 19)
دينونتنا نحن بناءً على ماذا ستكون؟، لنسمع ما يقوله الرب يسوع: “تعالوا يا
مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني. عطشت
فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني…. الخ ” (متى 25: 34 – 36). وكذلك: ”
اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته، لأني جعت فلم
تطعموني. عطشت فلم تسقوني. كنت غريباً فلم تأووني… الخ ” (متى 25: 41- 42)
هنا المسيح سيدين بحسب ماذا؟… بحسب الإيمان أم بحسب الأعمال؟… الدينوية طبعاً
بناءً على الأعمال(3) و بالتالي فلا خلاص دون أعمال.
يعقوب
الرسول في رسالته وخاصة في الإصحاح الثاني يتكلم بتشديد على دور الأعمال وأهميتها
ضرورتها للخلاص
فيقول
في (يعقوب 2: 14)” ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيمان ولكن ليس له أعمال.
هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ “، وفي النهاية يقول: ” الإيمان بدون أعمال
ميت ” (يعقوب 2: 20)
إنجيل
يوحنا مليء بالآيات التي تتحدث عن ضرورة حفظ الوصاي والثبات في يسوع وفي محبته: ”
إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي “(يوحنا 24، 23، 14: 21)، (يوحنا 15: 4-17)…
الخ
وبالإجمال
ففي كل صفحة من الكتاب المقدس تحريض على عمل مشيئة الله ووصاياه وإتمام الفضائل،
وعن ارتباط لا يتجزّأ للإيمان والأعمال والمحبة، وكما يعِّبر بولس الرسول: ”
الإيمان العامل بمحبة “(غلاطية 5: 6). أما عند المتجددين فخلاص الإنسان يتم
بطريقة سطحية خفيفة، مجرد مشاعر وتخيلات لتجدد يظن أنه حصل في لحظات، ثم يستمر
هكذا تلقائي، إذ لا توجد بعد حاجة لأية أعمال وأي دور للإنسان من أي نوعٍ كان. لا
بل هم يرفضون علناً الجهاد الروحي تحت شعار أن الإنسان يخلص بالإيمان وحده فلماذا
يحتاج بعدُ إلى شيء آخر؟!. وأكثر من ذلك هم يؤكدون بوصفهم متجددين أنهم يعرفون
بوصفهم متجددين أنهم يعرفون منذ الآن أنهم مخلصون ولا يمكن لأي وضع كان أن يؤثر
على هذا الواقع.
ولكن
السؤال المهم: هل يتفق كلام الكتاب المقدس مع هذا الادعاء؟. سوفا أُعطي بعض
الأمثلة لأؤكد أن الإنسان بحسب الإنجيل، مدعو قبل كل شيء إلى أن يجاهد جهاداً
مُراً ليَخلُص. لنأخذ بعين الاعتبار أولاً كلمة المسيح المصلوب المحورية: ”
من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه كل يوم ويتبعني، لأن من ينكر ذاته يخلصه ومن يهلك
ذاته من أجلي يجدها “(متى16: 24-25). أليست هذه دعوة لجهاد شاقٍّ ضد الأنانية
والخطيئة يطال كل الحياة؟ المعمودية ذاتها بوصفها بداية الحياة الجديدة أليست هي
دعوة كذلك لصلب ودفن الإنسان العتيق لكي يُبطل جسم الخطيئة -بحسب بولس الرسول-
لأنه ” إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته
“(رومية6: 3-14). دعوة المسيح المحورية لحمل الصليب وراءه وإنكار الذات، يشدد
عليها في كل الأناجيل (متى10: 38-39)، (مرقس8: 34-35)، (لوقا9: 23-24 و 14: 27)،
(يوحنا12: 25-26)…، ولكن المتجددين لا يذكرونها قط في كتبهم وأحاديثهم. لماذا؟
أليس لأنها تدحضها جذرياً ادعاءاتهم؟… بولس نفسه كيف عاش؟، يقول في رسالته إلى
أهل (غلاطية 2: 20): ” مع المسيح صُلبت لكي أحي، لا أن، بل المسيح يحيا في
“. لماذا لبولس الحياة في المسيح؟ ألأنه آمن فقط أم لأنه مع المسيح صُلب!؟،
ويتابع في رسالته نفسها(5: 25): ” ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع
الأهواء والشهوات. إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح ” وبماذا
أوصى؟: ” لم تقاوموا بعد حتى الموت مجاهدين ضد الخطيئة “(عبرانيين12: 4)،
” البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكائد إبليس “(أفسس6:
11)،” فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح… وأيضاً إن
كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً “(2تيموثاوس2: 5)…. الخ
أما
بخصوص معرفة الإنسان أنه مخلص والتي يدعيها المتجددون فماذا يقول بولس الرسول
بشأنها؟:
”
أيها الإخوة ان صدف إنسان فاخذ في زلة ما فاصلحوا انتم الروحانيين مثل هذا بروح
الوداعة ناظرا الى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا”(غلاية6: 1) إذاً هناك خوف من أن
يسقط المؤمن
”
من يظن انه قائم فلينظر ان لا يسقط ” (1كورنثوس 10: 12)
من
أجمل وأعظم الآيات في هذا الشأن ما يقوله القديس بولس: ” الستم تعلمون ان
الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدا ياخذ الجعالة هكذا اركضوا لكي
تنالو وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء أما اولئك فلكي ياخذوا اكليلا يفنى واما
نحن فاكليلا لا يفنى اذا انا اركض هكذا كانه ليس عن غير يقين هكذا اضارب كاني لا
اضرب الهواء بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا اصير أنا نفسي مرفوضا
” (1كورنثوس 9: 24-27) (4)
تصوروا
أن القديس بولس نفسه رغم كل أيمانه وجهاده،كان دائماً في حالة ضبط وجهاد لدرجة أنه
بعد أن كرز للآخرين كان يخاف أن يصير هو نفسه مرفوضاً. كيف يتفق هذا مع ادعاء
المتجدد بأنه هو مخلص سلفاً؟، ولكن متى عرف بولس نفسه أنه مخلص أليس في آخر لحظة
من حياته بعد أن أعلمه الرب بذلك وبعد أن أكمل السعي؟: “قد جاهدت الجهاد
الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه الله في
ذلك اليوم “(2تيموثاوس4: 7-8). إذاً أُعطي إكليل البر لبولس بناءً على جهاده
الحقيقي طوال عمره.
للأسف
أعود وأقول أن كل هذا مرفوض من قبل هؤلاء المتجددين المتطفلين على حياة الخلاص
الحقيقية، وكأن الطريق الصعبة التي أشار إليها المسيح حتى يشفي طبيعتن ويجددنا حق
ويعطينا نعمة الروح الحقيقية، يضعها المتجددون جانب ويتكلون على شعور نفسي يتحرك
لديهم يطريقة ما وينتهي المضوع عند هذا الحد. بينما الرب يسوع يقول بكل وضوح: ”
ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، و
كثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة
وقليلون هم الذين يجدونه ” (متى7: 13-14) أما عن الغلبة النهائية فكيف يمكن
أن تتحقق بدون صبر وثبات حتى المنتهى؟:
ولكن
الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص “(متى24: 13)
“و
هم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت ” رؤية 12: 11
”
تمسك بما عندك لئلا يأخذ احد إكليلك ” رؤية 3: 11
“من
يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيض وجلست مع أبي في عرشه ”
رؤية 3: 21
هنا
لابد من أن أقول لكل المسيحيين أن فكرة الولادة الجديدة والتجدد والتبرير والتقديس
هي واقع حقيقي في الكتاب المقدس، يمكن أن يحياه فعلاً أي مسيحي، إنما في كنيسة
المسيح وبحسب وصايا الرب، وليس بحسب أوهام المتجددين. وقد عاشه القديسون ويعيشونه
عيشاً حقيقي، وحصلو ويحصلون على ثمار الروح من خلال نعمة الله وإيمانهم وجهادهم.
لكن عندما يأتينا أُناس مثل المتجددين ومن يحذي حذوهم، ويتجرؤون الدخول و يصطادون
من أبنائنا تحت شعارات براقة، فهذا علامة بأنه، وإن يكن التعليم الحقيقي وطريق
الحياة الحقيقية في تسليم كنيستن وحياته، إلا أنه، وللأسف، قسم ٌكبير منا لا يحيا
إيمانه، أي أن البعض منا مسيحيون بالاسم بدون إيمان حقيقي وجهاد. لهذا ينطبق عليهم
ما جاء في (رومية2: 24): ” يجدفون على اسم الله بسببكم “، أي بسببنا نحن
المنتمين إلى الكنيسة الحقيقية، ولكننا لسنا أعضاء فعليين فيه، وليس لدينا ثمار.
فلو كان عندنا ثمار الروح في حياتنا لما أقدم أُناس من مثل هذه الفئات التي ذكرناه
والتي تستحق الشفقة، وتحتاج هي إلى التبشير، على تبشير خراف المسيح دعوة الله هي
أولاً إلى أبناء الكنيسة الحقيقية بأن يتوبوا فعل ويحيوا بإيمانهم ويحملوا صليبهم
و يتبعوا المسيح. حينها “لا يمكن أن تخفى مدينة واقعة على جبل ولا أن يوضع
سراج تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت “(متى5: 14).
الرب
يسوع ينتظر منّ، نحن الأرثوذكسيين، ليس فقط أن ننجح بحماية أولادنا من الأنحراف
وراء البدع، بل أن نصبح جميعاً من المؤمنين المجاهدين الحاصلين على الحياة، فيضيء
نورنا هكذا قدام الناس كي يروا أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السموات (5).
وفي الواقع فالبشارة الأعظم ستحصل إذا كان إيماننا يُعرف من خلال أعمالن ومحبتن و
تعاليمن، وعندها لابد أن يسأل الآخرون عن سبب الحياة والرجاء الذين عندنا أخيراً
أختم بوصية الرسول بولس لنا جميعاً ” واطلب إليكم أيها الأخوة أن تلاحظوا
الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافا للتعليم الذي تعلمتموه واعرضوا عنهم لان مثل
هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم وبالكلام الطيب والاقوال الحسنة
يخدعون قلوب السلماء…. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم أمين ” (رومية16: 17-24).
————–
(1)
(أنظر أعمال 14، 8: 12-17)
(2)
سميت هذه الموهبة وهذا السر مسحة وميرون (طيب)، لأنه عندما ازداد عدد المؤمنين
وأصبح متعذراً على الرسل وخلفائهم أن يطوفوا في كل مكان لكي يضعوا أيديهم على
المتعمدين، رأى الرسل تحت إرشاد الروح القدس أن يستبدلوا وضع الأيدي بالمسيح
بالميرون الذي تقدس بصلاتهم، كما كان يسمح الملوك والأنبياء في العهد القديم بمزيج
من الطيوب وزيت الزيتون (خروج 30: 12- 33)
(3)
للتأكد أنظر مثلاً (رومية 2: 6): “الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله”.
و(رؤية 20: 12-13): “و يدين الأموات…. بحسب أعمالهم”. و: (متى 16: 27)،
(كورنثوس الثانية 5: 20)…… الخ
(4)
انظر أيضاً (تيموثاوس الثانية 2: 11-12) وغيرها كثير…..
(5)
انظر (متى 5: 16)
تم نسخ الرابط