admin
نشر منذ سنتين
4
نوح (طوفان الخطايا وطوفان الماء)

نوح (طوفان الخطايا وطوفان الماء)

عندما خلق الله الإنسان، بحسب النص البيبليّ، خلقه على صورته كمثاله، أي أنّه خلق عن حبّ، جاعلًا منه ملكًا على الكون وسلطانًا على كلّ الخلائق، وكأنّي به جعله مثيله على الأرض؛ هذا عدا أنّه كان يعتني به، ويشعر معه في وحدته، فخلق حوّاء لتكون شريكته… صحيح أنّ هذه أيضًا تعابير بشريّة تشبيهيّة عن الله، ولكنّ الله هنا لا يخلق الإنسان لحاجته الخاصّة، بل فيضًا من حبّه. وإذا كان طوفان الماء قرارًا إلهيًّا ليفني البشريّة القديمة، فإنّه قرار بتبيان ما هو مخفيّ، أي أنّ الله لم يقرّر الطوفان غضبًا على البشر أو اقتصاصًا من بعض خطاياهم فقط، لأنّ البشريّة كانت قد غرقت فعلًا في طوفان الخطيئة والفساد، ولم تعد فيها إلّا الحياة الجسديّة، من أكل وشرب وزواج… وبحسب التقاليد اليهوديّة القديمة، فإنّ الله لم يتّخذ هذا القرار وينفّذه فورًا، بل أعطى البشر أكثر من 100 سنة لكي يتوبوا!

لأنّه أمر نوحًا بأن يبني السفينة عندما لنوح 500 سنة من العمر (تك 5: 32)، ولمّا حصل الطوفان ودخل نوح السفينة كان عمره 600 سنة (تك 7: 6). زد على ذلك أنّ الله حدّد عمر الإنسان، بعد أن رأى فساده بـ 120 سنة! (تك 6: 3).

فيكون أنّ كلّ البشر، كانت لديهم الفرصة للتوبة، بينما كانوا يرون نوحًا يبني السفينة، واعظًا إيّاهم ومحذّرًا من قرب حدوث الطوفان، فلم يتوبوا (أنظر 1 بط 2: 5).

وكما سيبيّن ذلك يسوع نفسه ندما قال: “وكما حدث في أيّام نوح، فكذلك يحدث في أيّام ابن الإنسان: كان الناس يأكلون ويشربون، الرجال يتزوّجون والنساء يزوّجن، إلى يوم دخل نوح السفينة، فجاء الطوفان وأهلكهم أجمعين”(لو 17: 26).

هل تبحث عن  يسوع جه علشانك....(ايوه انت)

أي أنّ الناس عاشوا في الخطيئة الأساسيّة التي تعني أنّهم انصرفوا عن الله مصدر حياتهم الحقيقيّ، وحوّلوا جوهر حياتهم إلى مجرّد الحياة الجسديّة من أكل وشرب وزواج… مع ما رافق ذلك من خطايا رهيبة. كما يؤكّد النصّ نفسه على لسان الله عندما قال لنوح: “قد حان أجل كلّ بشر أمامي، فقد امتلأت الأرض عنفًا بسببهم!”.

ليس هذا الإمتلاء فعلًا رمزيًّا بل حقيقيًّا، أي أن الخطايا قد غمرت الأرض قبل أن تغمرها المياه! وما كان موتًا كيانيًّا وأخلاقيًّا غير ظاهر لمن اعتادوا على موت نفوسهم، واعبتروا أنّ الحياة تأتي من الجسد وتلبية حاجاته، مع ما ينتج من ذلك من صراعات وأنانيّة وعنف وفساد أخلاق… جعله الطوفان المائيّ ظاهرًا من خلال فناء الأجساد بعد “موت نفوس” أصحابها بالخطيئة.

هذا المعنى العميق للموت الكيانيّ، موت النفس بإفراغها من علاقتها بالله، سبق واختبره آدم وحوّاء بعد الخطيئة الأصليّة، عندما شعرا أنّهما عريانين (أي من دون حماية، ومن دون معنى لحياتهما ووجودهما… وعندما عبّر آدم نفسه عن ذلك بقوله لله الذي أتى يبحث عنه: “كنت خائفًا”! لأنّ الخوف هو نتيجة الانفصال عن الله، والخوف هو في أساس كلّ خطايا الإنسان: لأنّ الإنسان الخائف على حياته، بعد أن فقد حماية الله له، والخائف على مستقبله ومستقبل أولاده… يتحوّل إلى إنسان أنانيّ وزانٍ وعنيف، “لأنّ عليه أن يُقلع شوكه بيده”، و”ما بيخلصك إلّا نفسك”، و”إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب” و”الشاطر بشطارتو”!!

وعندما يجد أمامه من يجابهه أو ينافسه، فالمقولة الأبسط التي يرتكز عليها: “يا قاتل، يا مقتول!!”.

يختصر نصّنا كلّ هذه الخطايا بكلمتين: فساد وعنف!
وفي الحالتين يقول إنّ الأرض امتلأت منهما، ممّا يؤكّد بأنّ طوفان الخطايا المميتة قد قتل الناس قبل أن يقتلهم طوفان الماء! (أنظر تك 6: 12 ـ 13). هذه هي الحقيقة المريرة التي دفعت الله لأن يسمح بالطوفان، ولأنّ للماء مفعولين: هو يقتل الجسد، ولكنّه أيضًا أداة لتطهير الأرض من فساد الخطايا، ولولادة بشريَّة جديدة. هذا ما سيحقّقه العماد المسيحيّ، حيث أنّ المعمّد يقبل مختارًا بأن يقتل، في مياه المعموديَّة، إنسانه القديم، أي الإنسان الجسديّ على صورة بني جيل نوح الفاسدين، ولكنّه يصعد من هذه المياه نفسها إنسانًا جديدًا مطهّرًا من الخطيئة والفساد، على مثال نوح البار والذين معه، بل على صورة المسيح ابن الله، الذي حقّق الخلق الجديد النهائيّ.

هل تبحث عن  القديس أبانوب النهيسي في أتريب (بنها)

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي