” ٱسمعوا، هوَّذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هوَ يزرع، سقط بعضٌ على الطريق، فجاءت طيور السماء وأكلته، وسقط آخر على على أرض صخرية، حيث لم تكن لهُ تربة كثيرة، فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لمَّا أشرقت الشمس ٱحترق، وإذ لم يكن لهُ أصل جفّ، وسقط آخر في الشوك، فطلع الشوك وخنقه، فلم يُعطي ثمرًا، وسقط آخر في الأرض الجيِّدة، فأعطى ثمرًا يصعد وينمو، فأتى واحد بثلاثين وآخر بستين وآخر بمئة ” (مرقس 4 : 3 – 8).

أرض كالطريق.. أرض صخرية.. أرض تملأوها الأشواك..

ونحن نزرع، والزرع يموت لأسباب متعددة:

– زرع الطريق تأكلهُ طيور السماء..

– زرع الأرض الصخرية تحرقه الشمس..

– وزرع الأرض التي تملأوها الأشواك يُخنق..

أرض سيئة تبتلع زرعنا..

والحل أن تغدو أرضنا، أرض جيدة تحتضن الزرع، فيُعطي ثمرًا يصعد وينمو، ويأتي بثلاثين وستين ومئة..

أين المشكلة الأساسية، وأينَ الحل؟

” وقال لآدم: … ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكًا وحسكًا تُنبت لك… ” (تكوين 3 : 17 – 18).

لُعِنَت الأرض بسبب ما فعلهُ آدم.. وأصبحت أرضًا تُنبت شوكًا وحسكًا.. أرضًا تأكل الزرع.. لكنَّ الرب حنَّان ورحوم، طويل الروح وكثير الرحمة.. وقال لشعبه:

” … فحوَّل لأجلكَ الرب إلهك، اللعنة إلى بركة، لأنَّ الرب إلهك قد أحبَّكَ ” (تثنية 23 : 5).

وبسبب هذه المحبة غير المشروطة، أرسلَ الله ٱبنهُ، ليُحقِّق وعدهُ، ويفتدي شعبه من لعنة الناموس، وشهدَ بولس الرسول قائلاً:

” المسيح ٱفتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا… ” (غلاطية 3 : 13).

لم يوقف مفعول اللعنة فحسب، بل حوَّلها إلى بركة، والأرض التي لُعِنَتْ بسبب ما فعلهُ آدم الأول، بُوركت بسبب ما فعله آدم الثاني،ُ الرب يسوع المسيح، وٱسْتُخدمت من يد الرب لتشفي المرضى:

” وفيما هو مجتاز، رأى إنسانًا أعمى منذُ ولادته، فسأله تلاميذه قائلين: يا مُعلّم من أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلِدَ أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه، ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار، يأتي ليل حينَ لا يستطيع أحد أن يعمل، ما دمت في العالم فأنا نور العالم، قال هذا وتَفَلَ على الأرض، وصنـع مـن التفـل طينًا، وطلـى بالطيـن عينـي الأعمـى، وقـال لهُ: ٱذهـب ٱغتسـل فـي بركـة سلـوام، الـذي تفسيـره مرسل، فمضى وٱغتسل وأتى بصيرًا ” (يوحنا 9 : 1 – 7).

هل تبحث عن  دور الخادم فى حياة المخدومين الأنبا موسى أسقف الشباب

لا هوَ أخطأ ولا أبواه، بل بسبب خطيئة آدم، وبسبب اللعنة التي جلبها على البشرية، وبسبب نتائج الخطيئة، جاء المرض، جاء الشقاء، جاءت المعاناة، جاء الموت…

لكن ما أعظم هذا المعنى الرمزي لما فعلهُ الرب، الأرض الملعونة، التي تُنبت شوكًا وحسكًا، الأرض التي تخنق وتقتل الزرع، تَفَلَ الرب عليها، وصنع منها طينًا، وطلى به عيني الأعمى، وجعلهُ يُبصر..

رفع اللعنة عن الأرض، لتنبت شفاءً وثمرًا، عوضًا عن الشوك والحسك وقتل الزرع..

ويأتي داود ليشهد مُسبقًا عمَّا سيفعلهُ الرب قائلاً:

” ‎تعهَّدت الأرض وجعلتها تفيض غيثًا، فأخصبتها، مجرى نهر الله دافقٌ بالماء فتفيض الأرض بالمحاصيل، تروي أتلامها، وتُمهّد أخاديدها، فتُليّنها وتبارك غلتها، كلّلتَ السنة بجودك وآثار صنائعك تفيض خصبًا، تموج مراعي البرية بالخير وتكتسي التلال بالبهجة، تتغطَّى المروج بالقطعان وتتوشَّح الوديان بالحنطة، فيهتف لك الكل فرحًا وتسبيحًا ” (مزمور 65 : 9 – 13).

الرب تعهَّدَ أرضنا، وجعلها تفيض بالمطر المبكر والمتأخر، روى أتلامها، مهَّدَ الأخاديد، ليَّنها وأزال منها الجفاف، ونهر المياه المتدفق من عرش النعمة فاض عليها، لتفيض بالمحاصيل، لكي تموج بالخير وتكتسي بالبهجة، وتتغطَّى بالقطعان، وتتوشَّح بالحنطة، لتُصبح بنهاية المطاف أرضًا جيِّدة، تُعطي ثمرًا يصعد وينمو، ويأتي بثلاثين وستين ومئة..

ونحنُ اليوم، نعيش على أرض، نزرع فيها ونزرع، لكن ما زالت الثمار قليلة، أرضنا ما زالت صخرية، وتملؤها الأشواك، والسبب في هذه المقاطع من كلمة الرب:

” ولم يقولوا بقلوبهـم لنخـف الـرب إلهنـا الـذي يُعطي المطـر المبكـر والمتأخـر فـي وقتـه، يحفـظ لنـا أسابيـع الحصـاد المفروضـة، آثامكـم عكست هذه، وخطاياكم منعت الخير عنكم ” (إرميا 5 : 24 – 25).

” ها إنَّ يد الرب لم تُقصِّر عن أن تُخلِّص، ولم تثقل أُذنه عن أن تسمع، بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع، لأنَّ أيديكم قد تنجَّست بالدم، وأصابعكم بالإثم، شفاهكم تكلَّمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر، ليس من يدعو بالعدل، وليس من يُحاكم بالحق، يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب… مـن أجـل ذلك ٱبتعدَ الحق عنَّا، ولم يُدركنا العدل، ننتظر نورًا، فإذا ظلام، ضياء فنسير في ظلام دامس “.

هل تبحث عن  أكرام مريم العذراء في شهر كيهك

(إشعياء 59 : 1 – 9).

الرب أوجدَ الحل.. حوَّلَ اللعنة إلى بركة، أزال اللعنة عن الأرض، وأمام الجميع، تَفَلَ على الأرض، وبعد أن كانت مصدرًا للمرض والموت، جعلها مصدرًا للشفاء والحياة، وقد تعهدها، وأرسلَ لها أنهار مياه حيَّة لتأتي بمحاصيل وبثمر كثير.. لكنَّ الخطيئة التي كانت السبب الأساسي في جلب اللعنة على الأرض، ستبقى دومًا السبب الأساسي لكل أرض صخرية وملآى بالأشواك، أرض تأكل وتخنق الزرع.. وهذا ما قاله النبيَّان إرميا وإشعياء.. وأرضنا َالتي نحيا عليها اليوم، نشهد فيها ما قالاه..

أرضنا ٱمتلأت بالدم والإثم والكذب والباطل والزور.. ومن أجل ذلكَ ٱبتعدَ عنَّا السلام والحق والعدل..

ننتظر حلول.. فنرى تعقيدات..

ننتظر سلام.. فنرى مخاصمات..

الحق ٱبتعدَ عنَّا.. والعدل لم يُدركنا بعد..

ننتظر نورًا، فإذا ظلام، ضياء فنسير في ظلام دامس..

نزرع بذارًا.. لكن الثمر يموت..

لكن رسالة الرب لكنيسته اليوم.. أنَّ هذه الصورة القاتمة لن تدوم، لا بل ستتحوَّل قريبًا إلى صورة مُشرقة..

والرب يقول:

” قد رضيت عن أرضي… ” (مزمور 85 : 1).

ويقول أيضًا:

” أُرسل روحي فأخلق، وأُجدِّد وجه الأرض ” (مزمور 104 : 30).

ويقول أيضًا:

” ‎أجعل القفر غدير مياه، والأرض القاحلة ينابيع مياه ” (مزمور 107 : 35).

ويقول أيضًا:

” … هكذا ملكوت الله، كأنَّ إنسانًا يُلقي البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلاً ونهارًا، والبذار يطلع وينمو وهوَ لا يعلم كيف، لأنَّ الأرض من ذاتها تأتي بثمر، أولاً نباتًا، ثمَّ سنبلاً، ثمَّ قمحًا ملآن في السنبل ” (مرقس 4 : 26 – 28).

لأنَّ يدهُ لم ولن تُقصِّر عن الخلاص..

الرب يقول لنا اليوم، لقد رضيت عن أرضكم.. روحي سيُجدِّد وجه أرضكم.. أرضكم القاحلة اليوم، ستغدو ينابيع مياه.. ستغدو أرضًا جيِّدة تُعطي ثمرًا يصعد وينمو، ثلاثين وستين ومئة.. أرضًا تأتي من ذاتها بثمر، ونحنُ نيام..

هل تبحث عن  St. Takla dot org website visit to Ethiopia 2008 زيارة موقع سانت تكلا دوت أورج إلى إثيوبيا - 2008

لماذا رضي الرب عن أرضنا؟

فهل أوقف الناس خطاياهم وشرورهم؟

هل أوقفوا الغش والكذب والخصام والزور و…؟

كلا.. لم يوقفوا بعد خطاياهم وشرورهم.. لكـن السبب هوَ ما قامت به الكنيسة، وما تقوم به، وما ينبغي أن تستمر بالقيام به، لأنَّ كلمة الرب لنا اليوم تقول:

” فإذا تواضـع شعبـي الذيـن دُعـيَ ٱسمـي عليهـم وصلّوا وطلبـوا وجهـي ورجعـوا عـن طرقهـم الرديَّة، فإنَّنـي أسمـع مـن السمـاء وأغفـر خطيئتهم، وأُبرئ أرضهم ” (أخبار الأيام الثاني 7 : 14).

إذا تواضع شعبي.. أولادي.. وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الرديَّة..

فالرب يسمع.. ويغفر.. ويُبرئ أرضنا..

يُبرئ أرضنا ولا يُحاسبها على ما تستحقه.. وذلكَ من أجل كنيسته.. عروسه..

من أجل الأبرار الذي يعيشون في هذه الأرض..

من أجل طلبات أولاده الصارخين إليه نهارًا وليلاً.. لأنَّ طلبة البار تقتدر كثيرًا بفعلها..

من أجل الواقفين في الثغر، الذين بنوا بصلواتهم جدارًا لكي لا يُهلك الرب هذه الأرض..

يتعهَّد أرضنا.. يفيض أنهار مياه علينا.. مياه مبكرة ومتأخرة.. يُسوِّي أخاديد أرضنا ويُليّنها.. ويُبارك غلَّتها..

فتموج مراعي البرية بالخير وتكتسي التلال بالبهجة، تتغطَّى المروج بالقطعان وتتوشَّح الوديان بالحنطة، ويهتف الكل فرحًا وتسبيحًا.. ونرى أرضًا جيدة، تحتضن الزرع وتأتي بثمار.. ثلاثين وستين ومئة..

أحبائي: إنَّهُ الوقت.. وتوقيت هذه الرسالة ليس صدفةً.. إننا ملح الأرض.. نور العالم.. برّنا يرفع شأن بلادنا.. هكذا تقول كلمة الرب عنَّا.. فلنتواضع ولنستقبل كلمة الرب لنا في هذا اليوم، ولنطلب وجه الرب، وليرجع كل واحد منَّا عن طرقه الرديَّة، ولنقف في الثغر، لنتحمَّل مسؤولية وحجم دعوتنا، لا نهدأ ولا ندع الرب يهدأ، لا نسكت ولا ندع الرب يسكت، نتمسَّك بالرب ولا نُطلقهُ قبل أن يُباركنا كما فعل يعقوب، فلا يوجد حل لأرضنا سوى كنيسة قوية نقيَّة متواضعة، تأخذ موقعها في السماويات، وتحسم المعارك، وتحصد النتائج على الأرض، لنُكمل ما بدأنا فيه، ونستمر ونصمد حتى النهاية، لنرى الرب يُبرئ أرضنا، ويُنجح زرعنا، فيأتي بثمر كثير، ويُنقذ وطننا، ويُحقِّق لنا كل ما وعدنا به.

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي