(جاء في (متى 28: 8) أن زلزلة عظيمة قد حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر، وجلس عليه. بينما جاء في (مرقس 16: 4) أن النساء عندما ذهبن إلى القبر، رأين الحجر مدحرجاً. ولما دخلن رأين شاباً جالساً على اليمين لابساً حلة بيضاء. وجاء في (لوقا 24: 2) أن النساء وجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، وفيما هن محتارات، إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة. بينما جاء في (يوحنا 20: 10 و12 و13) أن المجدلية رأت الحجر مرفوعاً، فانحنت إلى القبر فرأت ملاكين) .
الرد:(أ) إن التناقض بين الأقوال يكون كما ذكرنا فيما سلف بنفي بعضها للبعض الآخر، فلو أن أحد كتبة الإنجيل قال إنه حدثت زلزلة، وقال الآخر إنه لم تحدث زلزلة، لكان هناك تناقض، لكن إذا لم يتعرض الثاني لذكر شيء عن الزلزلة، فليس هذا دليلاً على عدم حدوثها، بل دليلاً على أنه اختصر في تسجيل تفصيلات القيامة، فاكتفى بالإشارة إلى دحرجة الحجر عن القبر وعدم وجود جسد المسيح فيه، الذي هو أهم أمر في القيامة.
(ب) كما أن قول الواحد إن ملاكاً جلس على الحجر، وقول الآخر إن النساء رأين شاباً لابساً حلة بيضاء داخل القبر، لا تناقض بينهما، إذ من المحتمل أن الملاك بعدما دحرج الحجر، جلس عليه لكي يرعب الحراس. لكن لما رأى النساء مقبلات إلى القبر، انتقل إلى داخله (لئلا يهربن كما هرب الحراس من قبل) ، فتراءى لهن أنه شاب لابس حلة بيضاء.
وهكذا الحال من جهة قول الواحد إن النساء رأين ملاكين، وقول الآخر إنهن رأين رجلين. لأنه من المسلم به أنه إذا أرسل اللّه لنا ملاكاً، لا يرسله في هيئته الخاصة كروح، لأننا لا نستطيع في هذه الحالة إدراكه، بل يرسله لنا في الهيئة المألوفة لنا وهي الهيئة البشرية. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الإنجيل الذي سجل أن النساء رأين منظر ملائكة، هو الذي سجل أنهن رأين رجلين بثياب براقة (لوقا 24: 4-23) ، لا يبقى هناك مجال للإعتراض.
(ج) كما أن قول أحد كتبة الإنجيل إن النساء رأين في القبر ملاكاً ، وقول الآخر إن مريم المجدلية رأت فيه ملاكين لا يوجد تناقض بينهما، لأن الفاعل ووقت الفعل ليسا واحداً في العبارتين – إذ أن الذي رأى في العبارة الأولى، هن النساء اللاتي أتين مع مريم المجدلية، وذلك على أثر ذهابهن إلى القبر. أما الذي رأى في العبارة الثانية فهي مريم المجدلية وحدها، وذلك بعد انطلاق النساء المذكورات إلى المدينة – لأن المجدلية عندما رأت الحجر مدحرجاً، لم تدخل القبر مع النساء المذكورات (إذ خانتها قواها بسبب محبتها الشديدة للمسيح وحزنها العميق لموته) ، بل ظلت خارجاً تبكي لظنها أن جسد المسيح قد سرق (يوحنا 20: 11) ، ولما انطلقت النساء المذكورات إلى المدينة استجمعت قواها واتجهت بمفردها إلى القبر للتأكد من حقيقة الأمر – وإذا اختلف الفاعل وزمن الفعل، فليس من الضروري أن يكون المفعول واحداً. لأنه من المحتمل أن يكون أحد الملاكين قد استدعي حينئذ من اللّه، للقيام بمهمة خاصة.
وظهور ملاك أو ملاكين أو جماعة من الملائكة عند قيامة المسيح، يشبه ما حدث عند ولادته من ظهورات سماوية. فقد ظهر جند من الملائكة يسبحون اللّه (لوقا 2: 13) ، بينما الذي بشر الرعاة بمولد المسيح كان ملاكاً واحداً (لوقا 2: 9) . كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن الغرض الوحيد من ذهاب النساء إلى قبر المسيح هو تعطير جسده، وليس مشاهدة ملائكة أو خلائق أياً كان نوعها، اتضح لنا أن القول برؤيتهن لملائكة أو لملاك، لا مجال للتلفيق أو التخيل فيه على الإطلاق.