يشوع وإطالة النهار

إطالة النهار…

إذ غلب يشوع الأموريين طلب من الله أن يؤجل حلول الليل حتى تكمل النصرة، قائلًا: “يا شمس دومي على جبعون، وعلى قمر وادي أيلون” فدامت الشمس ووقف القمر حتى إِنتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوبًا في سفر ياشر: “فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل، ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده سمع فيه الرب صوت إنسان، لأن الرب حارب عن إسرائيل” [12- 14].
اعتقد بعض المفسرين أن المعركة كانت حامية الوطيس لدرجة أنه خيل لبني إسرائيل أن النهار كان أطول من المعتاد. لكن واضح من كلمات الوحي أن الشمس قد تأخر غروبها مستشهدًا بذلك من سفر ياشر، وواضح أن هذا السفر أو الكتاب ليس سفرًا من أسفار الكتاب المقدس، لكنه سفر غالبًا سجله رجل علماني أحب الشعر والأدب، فيه سجل بعض الأحداث الهامة الدينية والزمنية، وإذ شاهد تأخر غروب الشمس أو سمع عنها سجل ذلك في قصيده ضمنها كتابه. وكأن كاتب سفر يشوع يستشهد بهذا الحدث العجيب بكتابات رجل علماني. ومما يجدر ملاحظته أن التاريخ أيضًا يشهد بحوادث مماثلة.

يقول هيرودت Herodotus أن كهنة المصريين أطلعوه على وثائق تتحدث عن يوم أطول من المعتاد. وتفيد الكتابات الصينية أنه كان هناك يوم مماثل لهذا في عهد إمبراطورهم يو، وهو معاصر ليشوع، وفي المكسيك وثائق تثيت أن يومًا طويلًا حدث في إِحد السنين، وهي نفس السنة التي كانت يواليّ فيها يشوع حروبه.
يرى العلامة أوريجانوس في هذا الحدث صورة رمزية لعمل يشوع الحقيقي في حياتنا حيث يطيل نهارنا للعمل من أجل خلاصنا ويؤجل ليل الظلمة حتى لا يفتك بنا العدو. يقول: [نوّد إن أمكن إظهار كيف نشر الرب يسوع النور وأطال النهار خلاص النفوس وإبادة قوى الشر. منذ جاء المخلص كانت نهاية العالم قد حانت، إذ كان يقول بنفسه: “توبوا لأنه قد اقترب السموات” (مت 4: 17). لكنه أجلّ يوم النهاية ومنع ظهوره. لأنه إذ رأى الله الآب أن خلاص الأمم لا يتحقق إلاَّ بيشوع قال: “إسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وسلطانك إلى أقصى الأرض” (مز 2). فإلى أن يتحقق وعد الآب هذا وتنموا الكنائس يضم الأمم وجميع الصالحين إليها، وحتى يخلص كل إسرائيل يطول النهار وتتأخر نهايته. فالشمس لا تغيب قط بل تشرق على الدوام، أي شمس البر الذي يبعث نور الحق في قلوب المؤمنين. ولكن عندما يكمل عدد المؤمنين يأتي الوقت الشرير، الجيل الأخير الذي فيه تفتر محبة الكثيرين بسبب تصاعد الأنانية وانعدام البر، عندئذ لا يتبقى إلاَّ مؤمنون قليلون عندئذ تقصر الأيام (مت 24: 22). نعم الله نفسه يعرف إطالة الأيام في زمن الخلاص وتقصير الزمن في وقت الشدائد والضياع وأما بالنسبة لنا فليتنا نسير بأمانة في وضوح النهار ونعمل أعمال النور مادمنا نحظى بالنهار ويطول بنا وقت النور ].
مرة أخرى يقول العلامة أوريجانوس: [بينما نحن نحارب ضد أعدائنا “ضد الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أف 6: 12). لا يكف شمس البرّ عن مصاحبتنا، إذ لا يتركنا قط. إنه لا يتعجل الغروب، إذ يقول بنفسه: “ها أنا معكم كل الأيام” (مت 28: 20)، ليس معنا لفترة يوم مضاعف فحسب وإنما كل الأيام إلى انقضاء الدهر حتى ننتصر على أعدائنا (الشياطين) ].
على أي الأحوال فإن ما حدث يعلن عمل الله العجيب خلال خدامه، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [إن كانت الشمس قد توقفت في جبعون، والقمر في وادي إيلون إلاَّ أن هذا العمل ليس عمل ابن نون، بل عمل الرب الذي سمع الصلاة، هذا الذي إنتهر البحر، وعلى الصليب جعل الشمس تظلم (مت 27: 45)].

هل تبحث عن  يوآب

مشاركة عبر التواصل الاجتماعي